لم يعد هناك مسجد أعظم بتاوردانت، كارثة كبرى ضربت المدينة فجر أمس الثلاثاء، وآلمت الناس المحتشدين بجواره وجعلت آخرين لا يقاومون شعورهم فاستسلموا لموجة بكاء كأنهم فقدوا عزيزا، فقد تحول المسجد الأعظم إلى ركام بعدما استلم لنار مدمرة انطلقت حسب التقديرات الأولية من قاعة الوضوء الخاصة بالنساء في الخامسة صباحا، وامتدت إلى قاعة الصلاة بسرعة وقد استقوت ألهبتها بعدما جعلت من زخاريف العرعار العلوية المؤثثة لسقوفه والزرابي المبسوطة وقودا لها. وعلم ظهر أمس أن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في الطريق إلى تارودانت للوقوف على هذه الكارثة التاريخية التي أصابت رمز الثقافة والدين بحاضرة تارودانت، كما حل والي الأمن من أكادير ومسؤولين من الدرك الملكي. لم يكد المصلون ينهون صلاة الفجر حتى هالهم أمر النار المستحكمة بالخشب الذي يشكل دعامة هذه المعلمة التي شيدها المرابطون، تعالت صيحاتهم طلبا للإسعاف والوقاية المدنية، غير أن الإمكانيات البشرية واللوجستيكية البسيطة التي تتوفر عليها تارودانت لم تمكن من إنقاذ المسجد الأعظم الذي تحول إلى ركام، ولم تبق منه إلى الصومعة التي أصيبت بدورها بتشوهات قد لا تسمح بأن تصمد في وجه الزمن. ولم تفلح معها فرق الوقاية المدنية المحسوبة على المدينة والمعبئة بشاحنة واحدة مع انطلاق عملية الإطفاء، كما تمت الاستعانة بصهريج مائي يجر جرار في محاولة منه مساعدة رجال الوقاية المدنية، الأمر الذي فتح المجال لأسنة اللهب في الاستمرار وجدت طريقها للقضاء على ما كان يزخر به المسجد الأعظم من محتويات تاريخية ومصاحف ومجلدات. كما أدت النيران إلى انهيارات لا زالت لم تحص خسائرها، مدمرة بذلك نقوشا يعود تاريخها إلى العهد السعدي وأفرشة وعدد كبير من المعدات والتي ربما كان لها النصيب الأكبر في الكارثة، غياب فواهات الإطفاء بالقرب من المعلمة أو بوسطها، والتي تجاهلت الجهات المسؤولة إبان فترة الإصلاح والترميم إحداثها حفاظا على المسجد في مثل هذه الكوارث. حريق المسجد بين كذلك غياب الإجراءات الوقائية الاعتيادية، فالمسجد لا يتوفر على فوهات الماء، ليبقى أمر إنقاذه تحت رحمة شاحنة واحدة يتيمة تنقل الماء من بعيد لتعود وتفرغه من جديد، كما أن الوقاية المدنية بحكم وقت اندلاع النار لم تصل من المدن المجاورة إلا بعدما قالت النار كلمتها المدمرة. تدمير المسجد الأعظم مأساة كبيرة ورزء تاريخي، فقد بني من قبل المرابطين وتم ترميمه في عهد الدولة السعدية من طرف محمد الشيخ السعدي خلال القرن السادس عشر، كما رمم سنة 2002 على عهد الملك محمد السادس، وصلى فيه جلالته صلاة ليلة القدر في سنة 2005 ، وكان قدره أن يصبح خرابا في السابع من ماي من سنة 2013 . مساحته الإجمالية 2314 متر مربع والمساحة الاجمالية المغطاة 2614، وتنتصب صومعته على ارتفاع بعلو 27 مترا مربعا، كما يسع لأربعة آلاف مصل. لمحة تاريخية عن مسجد محته النيران من خارطة تارودانت تذكر كتب التاريخ أن الجامع الكبير أو الأعظم يقع في الجهة الشرقية من المدينة، وإليه تنسب الحارة القريبة منه، وحوله من جميع الجهات مساكن العلماء والطلبة والبيوتات الكبرى،ويقول الدكتور محمد حجي عن عمل محمد الشيخ السعدي:وقد بالغ في زخرفته حتى أضحى أعلم وأفخم من جامعي المواسين وباب دكالة المستحدثين فيما بعد في مراكش« تعرض المسجد للإهمال والخراب كما تذكر كتب التاريخ، فرممه السلطان المولى الرشيد، وأعاد بناء ثلاث قبب تفنن الصناع في زخرفتها، حتى إنها أصبحت تضاهي ما كانت عليه أيام محمد الشيخ السعدي، وهناك لوحتان جبصيتان في الرواق اللاصق للصحن توضحان تاريخ الترميم وإعادة البناء، ويعود سنة 1082ه. كما أعيد ترميمه مرة أخرى في عهد السلطان المولى يوسف، خاصة الرواق الغربي الذي يوالي الميضاة وحارة سيدي احساين الشرحبيلي. ورمم كذلك في عهد محمد الخامس. إدريس النجار/ موسى محراز