إذا كانت القضايا السياسية تستأثر باهتمام رجال الاقتصاد والإعلام والاجتماع العرب نظراً لخطورة الأوضاع الراهنة في المنطقة في ضوء ثورة الربيع العربي، وما آلت إليه من أوضاع أثرت على مجتمعنا وتقدمنا واستقرارنا العربي المنشود، فإن إمكانية التحاور بين رجال الفكر والثقافة والعلماء العرب، لعقد قمة عربية تعنى بالثقافة وتبتعد بالمفكرين عن قضايا رئيسة شغلت عالمنا العربي منذ عام 1946 حتى الآن، فإننا نعتقد أن التحاور لعقد مثل هذه القمة أصبح ضرورة فعلية لتجاذب أطراف الحديث حيال مختلف القضايا لأن هذه من المسائل الحساسة والراهنة في هذه المرحلة، حيث لم تغب مثل هذه اللقاءات الأدبية عن الاتحاد الأوربي في توجهاته نحو بناء استراتيجية ثقافية أوروبية ممنهجة رصدت لها الدول الكبرى المبالغ المالية لتقدم الدراسات والبحوث اللازمة من أجل تطوير التعاون الثقافي الأوروبي وأثره في المرحلة الراهنة، خاصة بعد ثورات الربيع العربي بغية الدخول لدولنا العربية من خلال هذه الثقافة. فالدول العربية ثرية بالمؤسسات الفكرية، الرائدة منها منتدى الفكر العربي ومؤسسة عبدالحميد شومان وكذلك مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للابداع الشعري ومؤسسة الفكر العربي في السعودية أيضاً، والاتحادات والروابط الأدبية في وطننا العربي من المحيط والخليج التي من شأنها الاسهام في إثراء الثقافة العربية. ففي المؤتمرات الثقافية التي حضرتها بدعوة من الأستاذ عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري العربي في الكويت وفي غيرها من الدول العربية، يجمع العديد من المثقفين على ضرورة إحياء هذه الفكرة والتي من شأنها تكريم المبدعين العرب، كما احتفت منذ أيام مؤسسة الأستاذ البابطين في دورتها الجديدة بالشاعرين عبدالله سنان ومحمد شحاته، والتي وصفها الكتّاب والنقاد العرب بأنها خطوة جديرة بالتقدير لكونها تتسم بالجودة والإتقان وتضيف بذلك نجاحاً جديدا إضافة إلى نجاحات سابقة من شأنها سد الفجوات والثغرات التي تركتها جهات ومؤسسات رسمية أغفلت دورها في خدمة الثقافة والأدب بل وتركز على تقديم خدمات جليلة للأدب الإنساني الراقي.. فقد لمست ذلك في هذه الندوات التي عقدتها مؤسسة الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري في كل من الكويت والقاهرة والجزائر وإسبانيا والاهتمام بالفكرة، حيث وضعت هذه الندوات كل الخطط الكفيلة بإنجاح الحوار والتواصل بين العلماء والشخصيات بغية التقارب بين الشعوب، وحققت خلال عمرها القصير أعمالاً كبيرة نحو بناء صرح الأدب الشامخ القادر على أن يضفي لوناً إنسانياً على العالم المليء بمظاهر الفرقة في محاولة لتشذيبها وتجميلها، ففي ندوة الكويت للمؤسسة، والتي فاز بأجمل ديوان شعر الشاعر السعودي جاسم الصحيح، وأفضل قصيدة فاز بها الشاعر التونسي الملكي الهمامي وجائزة أفضل كتاب في نقد الشعر فاز فيه الدكتور يوسف عليمات من الأردن وتكريم الشاعر العربي فاروق جويدو الحائز على جائزة مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، أبلغني العديد من الأدباء والشعراء أهمية عقد قمة ثقافية في المرحلة الراهنة، لأنه كما يرى الشعراء، حيث لا يكون الشعر فإن صوت الحياة يخفت وتنطفئ مصابيح العالم في الذات، وتختل موازين الأشياء وينكدر بريق الحكمة فتنسدل العتمة، لأن الشعر انبثاق يضع اللغة في مقام التأمل والتأويل، ويمنح الأبجديات ايقاعها. فانعقاد القمة الثقافية في ضوء ما ألمسه من لقاءات ثقافية متجددة لهذه المؤسسة، له أهمية كبيرة لأنها مارست دورها الثقافي بامتياز فعمدت إلى ثقافة المواجهة، ثقافة التلاقي والتلاقح والتواصل والتفاعل والتكامل في إرساء أسس عميقة وثابتة للحوار بين الشرق والغرب، واستطاعت التصدي للحواجز والتحديات وتحطيم جدار الطلاق الحضاري والثقافات والديانات لأن الثقافة تثري التنوع والاختلاف، فالمجتمعات القائمة على التنافر والتضاد أكثر دينامية حضارية وتوهجاً من تلك القائمة على الأحادية والتماثل التي تصيبها الرتابة والبلادة مع الوقت بالوهن والهرم.. وانطلاقاً من هذه الرؤى الثقافية، فقد أكد المشاركون في المنتديات الثقافية العربية ومنها مؤسسة الأستاذ عبدالعزيز البابطين للإبداع الشعري، أهمية حوار الحضارات في تجسيد العملية السياسية وأثرها في تلاقح الافكار، لأن الإطار الصحيح للفهم والتحاور لأية مؤسسة ثقافية كما أبلغني الأستاذ أمين عام مؤسسة عبدالعزيز البابطين عبدالعزيز السريع هو إطار الأمة، لا الإطار الإقليمي لأن الثقافة العربية كانت دائماً تجتاز الحدود القطرية، كما هذه المؤسسة لم ترهن نفسها لأية انقسامات يحفل بها الوطن العربي بل سعت إلى دعم الشعر والثقافة وحوار الحضارات لما لها من أهمية في دعم وإرساء السلام وتسعى إلى تكريس الحضارة العربية الأوربية لما لها من انعكاسات إيجابية على المجتمع والشعوب التي ترتبط بمصيره أحد. إن واقع التخلف الفكري في الوطن العربي أو تجلياته يكمن في ظواهر الاتجاهات وأنماط السلوك المختلفة وخاصة من منظور ما هو تقدم علمي واجتماعي بل وسياسي ديمقراطي بوجه خاص، وهو يمثل أيضا الانعكاس الثقافي في الأساس الذي يحتاج إلى تقدم وتنمية المجتمع العربي على وجه العموم.. لكي نُسخر كل الأطراف للمصلحة العامة والنهوض بالثقافة.. فالحرية التي تشهدها عبر الرأي والتعبير والقول، خطوات جادة لتطوير أي عمل سياسي واقتصادي واجتماعي وتنموي فبدون هذه الحرية والديمقراطية، فإنه لا يمكن الحصول على قطاف لثمار ابتكارية في أي ميدان من الميادين إلا بتوافر الجهود الرامية إلى إيجاد حوار حقيقي من منظور ثقافي لاستشراف الحاضر والمستقبل للوقوف على معيقات العمل موضوعياً، والسعي إلى إزالة هذه الفجوات التي تحول دون انطلاقة هذه الثقافة في عصر العولمة لما يتمتع به من انفتاح على كل بوابات الحدود المحلية للأشخاص والبضائع بل وسيولة المعرفة عبر وسائط الاتصال، والتي يمكن أن تسهم في تفعيل وتطوير ثقافتنا العربية مع الثقافة العالمية بشتى الوجود والأبعاد ولا شك أن ما تقوم به المؤسسات الثقافية في المرحلة الراهنة، وما يواجهه العالم العربي من انقسامات وخلافات عديدة، فإن عقد القمة الثقافية، كما أبلغني الأستاذ عبدالعزيز البابطين صاحب هذه المؤسسة الشعرية الرائدة ضروري، باعتبار أن تطوير التنمية والثقافة وإقامة مجتمع المعرفة يمثلان نقلة نوعية في تغطية الدورى الثقافية العربية الكاملة لاكتساب المعرفة، وتوفير قنوات التواصل التي تضمن بناء مجتمع معاصر مغاير تماماً لسوابقه، ألا وهو مجتمع ‘الثقافة والمعرفة وتمكين الجهات المختصة من بناء نموذجها الخاص بما يوافق ثقافتها ويواكب هويتها الحضارية، وهو تحدٍ هائل بكل المقاييس، والذي نأمل من كل الاتحادات والروابط الثقافية القيام به لمواجهة الأحداث والتطورات السياسية الراهنة.