الأزمة، التردي، التدهور، الاختلال، العجز.. إلى أين، إلى متى.. تلك هي الأسئلة الحارقة التي يطرحها اليوم بقوة النقل الحضري الجماعي بواسطة الحافلات، ويعيش على صفيح تداعياتها أزيد من أربعة ملايين نسمة بالدارالبيضاء، وما يقارب المليونين نسمة بأكادير وانزكان، وأكثر من مليون و200 ألف بفاس وصفرو، وأزيد من مليون و700 ألف بالرباط وسلا، وأكثر من 900 ألف بطنجة وأصيلة، وحوالي 800 ألف بمدينة القنيطرة، و500 ألف بتطوان. بصيغة أخرى، أن ما يزيد ( وفق مديرية الاحصاء) عن 10 ملايين نسمة من أصحاب الدخل المحدود والمتوسط، تعيش على ايقاع لحظة الترقب والانتظار اليومي بمأساته و»تدافعاته» وملحقاتهما من سرقة وعربدة وتحرش جنسي باتت تلازم جلهم على مدى حركة السير والجولان بواسطة الحافلات. لحظة، وإن امتص مؤقتا جزء من حرقتها ولوج الترامواي مجال الخدمة في أشطره الأولى، العاصمتين الاقتصادية والإدارية للبلاد، فإن عربة خطوطه لم تخفي، كما راهن على ذلك المسؤولون، تجمعات الغضب الشعبي الذي تشكل شبكة خطوط المدار الحضري، وبامتياز، مسرحا لأحداثه. الوكالات المستقلة أو المشجب الذي علقت عليه الأزمة ارتفاع أصوات التنديد والاستنكار والشجب وسط صفوف ساكنة المدن تلك، احتجاجا على النقص والخصاص الكبيرين في اسطول الحافلات، وعجز الشركات المفوت لها استغلال المرفق عن القدرة على تأمين بشكل مطرد حركة النقل والتنقل بواسطة الحافلات على مدى العقود الثلاث الماضية، والتي ارتفعت درجة الحدة فيها خلال السنوات الأخير، كان دفع منتخبي السكان، والادارة المركزية أواخر ثمانينيات القرن الماضي، إلى البحث عن مشجب ينشر على حبله غسيل الأزمة. ولم تهتدي مداولات مجالسهم بتوجيه من الادارة المركزية (وزارة الداخلية) سوى إلى قرار حل الوكالات المستقلة التي كانت دخلت جميعها في حالة العجز الخدماتي الشامل. عجز، يرجع عدد من المختصين، الجوانب الكبرى في ظاهرته إلى جملة عوامل يمكن تلخيص أبرز عناوينها، في تغييب سلطات الوصاية (الجماعات الحضرية، وزارة الداخلية) مبدأ التوازن المالي للوكالات في تسويق الخدمة بتعريفة اجتماعية، ووقفها موازاة مع ذلك، كل أشكال المساعدات المالية التي كانت تضخها وإن بشكل غير منتظم في خزينة الوكالات كلما بدأ ينذر الوضع بالتردي ويهدد، مبدأ، استمرارية خدمات المرفق، خاصة وأن اسطول وحداتها قد تجاوز في معظمه «السن» القانوني لحركة الجولان، أصبح معها في حالة عجز مستدام لإنتاج خدمة مستدامة وفق المعايير الدولية. من الطبيعي أن يترتب عن هذا الوضع وفق ذات الرأي، اختلال بين العرض والطلب، سيضاعف من حدة التصعيد في وتيرة مؤشره اكراهات التزايد السكاني، والهجرة القروية إلى المدن، والتوسع العمراني. حيث انه وبدل أن يتجه أصحاب القرار رأسا إلى معالجة الوضع كما تقتضي ذلك قواعد التسيير المقاولاتي من حكامة في التدبير، يكون حاصل نتائجها إعادة تأهيل القطاع وجعله قادرا على مواجهات الاكراهات المحيطة بنظيمة انتاجه، آثروا خيارا ثان لم يكن غير حل الوكالات واخضاع القطاع لأسلوب التدبير المفوض. وكانت أولى ضحايا قرار التفويت، وكالة طنجة، لتليها بعدئذ وعلى التوالي وكالات، مراكش، مكناس، الرباط، الدارالبيضاء، أكادير، فاس، والاستفهام لايزال يحيط بوكالة آسفي. إجراء كانت تروم السلطات العمومية من ورائه كما كشفت عن ذلك مقتضيات العقود في الجانب الاستثماري منه، إلى التأسيس لقطاع خدماتي يقطع مع اكراهات عهد الوكالات المستقلة. الا أنه يبدو أن المشروع كما سيتضح، قد أصيبت تجربته بالفشل في أولى خطوات استغلالها للقطاع. التدبير المفوض فشل اختيار سياسي، أم فشل مشروع مقاولاتي يتضح من خلال عملية رصد وتتبع وقراءة في المسار الانتاج تسويقي للشركات الموكول لها استغلال وتدبير المرفق، بناء على تقارير مداولات المجالس المحلية، والتقارير الإخبارية الصحفية، أن المشروع البديل، الذي راهن عليه أصحاب الشأن العام المحلي والشأن العام، في تجاوز المظاهر المؤسسة لأزمة القطاع على مدى عقود استغلال الوكالات للمرفق، قد باءت تجربة جميعها بالفشل، وذلك بالرغم من التسهيلات والامتيازات والسخاء المالي العمومي الذي استفاد منه الوافدون الجدد إلى القطاع، وهي التسهيلات التي لم تتمتع بها الوكالات منذ تاريخ نشأتها وفي عز أزماتها الخدماتية. ولعل ما يستدعي التوقف في مقاربة الوضع في هذا الباب، أن أصحاب التدبير المفوض أعلنوا صراحة دخول مقاولاتهم في مطب العجز المالي مع بداية السنة الأولى من الاستغلال، وبدأوا يطالبون السلطات العمومية حينها، بضرورة الدعم المالي الفوري تحت طائلة الاكراهات المالية غير المرتقبة التي أصابت حركة استغلالهم القطاع وفق الشروط المتعاقد بشأنها. السلطات المفوضة، لم تجد من خيار لها أمام طائلة تهديد وقف نشاط المرفق، غير الإذعان لمطالب المدبرين الجدد الذين سرعان ما انفتحت شهيتهم على خزينة المدن. هذا المعطى غير الايجابي في مشهد استغلال المرفق من قبل الشركات (نقل المدينة، البيضاء. فيوليا، ستاريو الرباط. ألزا مراكش. ألزا أكادير. أوطاسا، رويز طنجة. الهناء القنيطرة.) إذا كان قد أعاد ودون سابق انذار الملف من حيث انتهى مع الوكالات، وعلى ذات سعرة الحرارة، إلى مائدة النقاش المحلي خلال دورات المجالس الجماعية، خاصة وأن المسار الخدماتي لجلها بات عنوان أزمة شبيه بما كان عليه الوضع على عهد الوكالات. فإنه يستدعي في نظر أكثر من رأي، البحث في الأسباب التي أدت إلى فشل تجربة التدبير المفوض، وهذا يمكن مقاربته انطلاقا من مستويين استراتيجيين (نشر صاحب المقال بشأنها العديد من الدراسات والمقالات، وملفات صحافية). المستوى الأول، ويتعلق بهشاشة وضعف البنية التصورية الافتراضية في المجال الاستثماري بالمرفق كما تضمنها عقد التدبير. حيث كشفت الصحافة الوطنية في هذا السياق، استنادا إلى افادة مسؤولين محليين عن مؤشرات الاختلال المحيطة بعملية تدبير المرفق يتبين من معطياتها، أن شركة نقل المدينة، كانت تستغل القطاع خلال الفترة الخماسية الأولى المتعاقد بشأنها بخصاص تراكمي وصل إلى 708 حافلة جديدة. في حين عمد المفوض له بالعاصمة الرباط إلى وقف العمل نهائيا بعقد التدبير، وذات الخصاص تعيشه شركات ألزا بمراكش، و ألزا بأكادير، و أوطاسا بطنجة، والهناء بالقنيطرة، هذه الأخيرة، التي قرر المجلس البلدي للمدينة في دورة يناير(2013) بفسخ العقدة المبرمة مع الشركة. القرار ترتب عنه، تشريد أكثر من 900 عاملا. وفي ذات السياق، قرر المجلس الجماعي بتطوان إعلان طلب عروض الصفقة الجديدة لاستغلال المرفق على خلفية رفض وزارة الداخلية اتفاقية تدبير المرفق التي كانت أعلنتها الجماعة لفائدة شركة «لوكس ترانسبور» بعد أن تبين لها أن دفتر التحملات التعاقدي ينبي على تقديرات هشة وغير واقعية وحقيقية. بينما تتهيأ شركة «سيتي باس» بفاس إلى رفع طلب المساعدة أو «الاعانة» المالية العمومية على غرار باقي الشركات، حيث أرسل مسؤولوها بهذا الخصوص اشارات قوية إلى الادارة المحلية للمدينة والسلطات المركزية من خلال قول مسؤوليها، أن الشركة تتكبد خسائر ثقيلة، جراء تمديدها لخطوط الشبك وفق ثمن التعريفة القديمة، أو بما اصطلحت على تسميته مخلفات تركة الوكالة من مشاكل الأسطول، ومتأخرات رواتب الأجراء، وتسوية وضعيتهم لدى الضمان الاجتماعي، والضرائب، قدرت غلافها المالي بين 3 و4 ملايين درهم شهريا. المستوى الثاني في منظومة فشل التجربة، يمكن ارجاع مظاهره بناء على قراءة عامة في المتن النقدي لمسؤولين محليين و متتبعين، إلى مظاهر تقصير السلطة المفوضة في تفعيل آليات المراقبة والتتبع المنصوص عليها في عقد التدبير المفوض، التي أجازها لها المشرع في باب المراقبة الاقتصادية والمالية والتقنية، ومراقبة سير المرفق، وذلك بهدف تقييم مدى احترام المفوض له لالتزاماته من عدمها. اضافة إلى ذلك، ألزم المشرع بموجب هذا البند، الشركة المفوض لها تدبير القطاع بأن تقدم للسلطة المفوضة كل سنة البرنامج التقديري للأنشطة قبل بداية كل سنة محاسبية بثلاثين يوما، يتعلق، ببرنامج الاستثمار الوارد في الميزانية التقديرية، وميزانية الاستثمار والتسيير المتعلقة بها، وكذا كل المعلومات المحاسبية والمالية والتقنية التي تهم نشاط المفوض له. سلطة المراقبة والتتبع الممنوحة بقوة القانون للسلطة المفوضة لم يتم بنظر ذات الرأي، إعمال آلياتها في حق المفوض له، كإجراءات رادعة لكل مظهر اخلال لمقتضيات العقد، وخاصة تلك المتعلقة منها بعدم كفاية الأسطول، والاختلال في البنية المالية لمخططات التمويل، وعدم احترام الحقوق الاجتماعية للعاملين الملحقين من الشركات العاملة، أو المتعاقدين الجدد. ولعل المظهر الدال على تقصير السلطة المفوضة في باب المراقبة والتتبع وفق ذات الرأي، يتمثل في عدم تفعيلها، للمقتضيات الزجرية الواجبة التنفيذ في حق المفوض له، الناجمة عن حالة التجاوز لبنود العقد كما هو الحال بالنسبة لشركة نقل المدينة في إجهازها على حق النقل المدرسي، وتنفيذها لزيادات متتالية في تعريفة التنقل بلغت قيمتها الاجمالية في سنة واحدة 62 في المائة عن الثمن المتعاقد بشأنه. وعدم تغطيتها ل 56 خطا من خطوط الشبكة الموجبة التغطية الخدماتية المنتظمة. الا أن الشركة بالمقابل، أدارت وفق معطيات رسمية، نشاطها الخدماتي بالقطاع خلال المرحلة الخماسية الأولى بدعم مالي عمومي يقدر ب46 مليون درهم في السنة. حيث كانت الشركة قد تلقت من الدارالبيضاء، والادارة المركزية 230 مليون درهم في شكل إعانة مالية.( نشرنا ملفا صحفيا بهذا الخصوص). هذا في حين تفيد التقارير الصحافية بخصوص شركة «أوطاس» بطنجة التي دخلت مجال الاستغلال منذ سنة 2001، أنه إلى جانب الغموض الذي كان يحيط بمعاملاتها المالية، فإنها كانت تدبر استغلالها للمرفق بدعم مالي من الوزارة الوصية يصل إلى 500 مليون سنتيم سنويا وعلى مدى 12 سنة متتالية. بالموازاة مع ذلك، فإن السياسة التي تطبع العلاقة الشغلية بمختلف شركات التدبير المفوض لا تحيد على خلاف التزاماتها المضمنة في العقد، عن طابع تصعيد التوتر من خلال اتباع معظمها مخططات اعادة الهيكلة والتي تجمع بشأن خلفيات أبعادها الاجتماعية نقابات القطاعات المعنية، أنها ليست سوى مقدمة جاهزة لتنفيذ مخطط التسريح الجماعي للعمال الملحقين بها من الوكالات، أو الذين تم ادماجهم من الشركات العاملة بأسلوب الامتياز. ولعل أبرز عنوان لهذا المشهد، والذي كان تصدر السنتين الماضيتين عناوين الصحافة الوطنية، والقنوات الإذاعية المستقلة، مخطط التصفية الجماعية لعمال الوكالة المستقلة للنقل الحضري بالدارالبيضاء من قبل شركة نقل المدينة التي نفذته ولا تزال، تحت غطاء المغادرة الطوعية، في الوقت يأخذ في كافة تدابيره الاجرائية صيغة المغادرة الاجبارية، وهذه الصيغة تأخذ قوتها في البلاغات والبيانات النقابية التي وصفت لمخطط ب» بالمخطط الظالم والجائر» نتيجة ما لحق العمال جراءه من حيف وترامي على أبسط حقوقهم الاجتماعية، وإن كان مجلس المدينة قد خصص من ميزانية الدارالبيضاء لفائدة مدينة بيس، قصد تنفيذه 35 مليون درهم. المخطط ذاته، تستحضره اليوم بقوة مختلف شركات التدبير في أجندة الهيكلة الاجتماعية للموارد البشرية. المعطيات تفيد، أن إعمال مساطر الاستغناء الجماعي للعاملين بالمرفق لم يعد غير مسألة وقت ليس الا. وأن توظيف أجراء جددا سيخضع لعقود شغل محددة المدة قابلة للتجديد لفترة لا تمكن الأجير من ان يأخذ صفة الاستمرار في الشغل ويجعل الاستغناء عنه بعدئذ يأخذ صفة الطرد التعسفي. التجربة إلى أين يتضح من قراءة في التصريحات العمومية والخرجات الإعلامية لعدد من ممثلي السكان بالمدن محط أزمة النقل الحضري بواسطة الحافلات، أن الغموض والضبابية والالتباس يبقى سيد الموقف في رسم سياسة واضحة تستجيب وفق أجندة عمل، لانتظارات السكان. سياسة تستحضر في اطروحة معادلتها البرامجية، البعد مجال محلي جهوي، في صيغته الشمولية والعامة. المؤشرات، اليوم تقول أن لا آفاق تلوح في الأفق بشأن إعادة انتاج الخدمات وفق ذات التصور الاستراتيجي، وأن مظاهر التراجع في الخدمات، وانسحاب الشركات من استغلال المرفق، والعجز والافلاس الذي يحيط بمعظمها أضحت أركان ثابتة في عملية تسيير المرفق، وأن ذات الأزمة التي رافقت الوكالات المستقلة هي ذاتها التي تضرب القطاع وإن كان وضعه التسويقي للخدمات كما تجمع على ذلك المعطيات، أنه أكثر خطورة مما كان عليه الوضع خلال العقود الثلاث الأخيرة، وذلك بالنظر إلى سلة الامتيازات، والتسهيلات، والمنح المالية العمومية. ويمكن أن نستبين بعض ملامح الغموض والارتباك الذي تسود عملية التدبير المفوض، من تدخل وزير الداخلية محمد العنصر، بالغرفة الثانية نهاية شهر يناير الماضي، خلال جلسة الأسئلة الشفوية حول وضعية النقل الحضري بالمغرب وبمدينة الدارالبيضاء على وجه التحديد، حيث أكد في هذا الصدد، عدم قدرة شركات النقل، مواكبة التوسع العمراني للمدن. موضحان أنه بمقدور الدولة القيام بالتدبير المباشر عوض التدبير المفوض، وذلك، ردا منه على انتقادات بعض المستشارين لشركات التدبير المفوض في النقل، واتهامها، بعدم احترام دفتر التحملات من حيث الكم والكيف من خلال عدم توفير الحافلات الكافية، واستخدام حافلات مهترئة، وجعل المغاربة، ينتظرون كثيرا الحافلات التي قد تأتي، أو التي قد لا تأتي. وقال، أنه من الصعب تدبير النقل الحضري ببلادنا في ظل الهيكلة الحالية لمجالس المدن والجماعات الحضرية، مشيرا إلى أن الجماعات لا ينبغي لها التخلي عن المراقبة والتتبع، مؤكدا أن الحكومة مستعدة لمساعدتها في هذا المجال، لاسيما من خلال تقديم الدعم المالي وانجاز الدراسات. وأضاف، أن أزمة النقل لحضري مرتبطة بالنمو الديمغرافي والتوسع العمراني المتسارع الذي تشهده المدن الكبرى. موضحا، أنه لا يمكن الحديث عن وسائل النقل بكيفية مجزأة بل في اطار رؤية مندمجة وشاملة. مضيفا، أن التدبير الأمثل لقطاع النقل الحضري على مستوى المدن الكبرى رهين بتمكين المجالس والجماعات الحضرية من الآليات التي تتيح لها ذلك. الدولة بهذا الطرح، تفتح نوافذ كثيرة على راهن وضع اشكالية التدبير المفوض للقطاع، دون أن يرسى نظرها على سيناريوها واحدا، أو سناريوهات يتأسس مركز النظر فيها على بنية تصورية موحدة ناظمة لتسويق الخدمة العمومية المحلية تراعى في مضامينه الخدماتية، خصوصية المدينة السكاني، والتجاري، والاقتصادي، والتعليمي، والتوسع العمراني، والبيئي. طرح، على درجة الغموض المضمنة في خطابه لا يمكن مقاربة الجوانب المحيطة بتيمة الاشكالية فيه، الا عبر تسويغ جملة أسئلة تشكل في تقديرنا أحد مفاتيح البحث في باب المقاربة الدقيقة لأحد ملفات القرب التي ظلت مهربة بمسافة عن النقاش العمومي، المحلي منه، أو الجهوي، أو المركزي، لتسليط الضوء في الأسباب التي أدت ولا تزال إلى أزمة القطاع. سنقتصر في هذه المقاربة الأولية، على طرح الأسئلة التي نستمد صيغتها من الطرح الدولتي للأزمة، على أن نعود إلى البحث في حيثيات مضامينها لاحقا. ونطرحها كالتالي: على أي أساس أو بعد تدبيري يمكن للدولة أن تقوم بالتدبير المباشر للمرفق بدلا عن التدبير المفوض؟ ثم إذا كانت الدولة تقر صراحة بصعوبة تدبير النقل الحضري بواسطة الحافلات في ظل الهيكلة الحالية لمجالس المدن والجماعات الحضرية، فهل ثمة مشروع تنظيمي جديد يتم الإعداد والتهيئ والتحضير له في أفق الانتخابات المحلية المقبلة، يعيد بناء على مقتضياته، النظر جذريا في مهام واختصاصات وصلاحيات المجالس الجماعية في تدبير المرافق العامة المحلية، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد ورقة مشاريعية مقترحة على مسؤولي المدن الكبرى وإن كان الفصل في شأنها يبقى في نهايته، للإدارة المركزية؟ وبالتالي ماهي يا ترى الآليات التي تتحدث عنها وزارة الداخلية وتعتبرها رهانا أساسيا يجب تمكينه للمدن الكبيرة في تحقيق طفرة في انتاج وتسويق خدمات منتظمة للمرفق في هذا الشأن؟ في انتظار الاجابة عن هذه الأسئلة والاستفهامات البنيوية والهيكلية والتدبيرية، المستمدة سياقها من النظر العمومي، فإن الأزمة والتردي والتدهور والتراجع في خدمات الشركات الموكول لها استغلال وتدبير المرفق، ستظل ترمي بظلالها ثقيلا على أزيد من 10 ملايين نسمة، وتستفز كرامتهم على مدار الساعة، وهم في الشوارع، وأمام أبواب المعاهد والكليات، والمعامل والمصانع، ينتظرون عبثا تلك الحافلة المهترئة، التي تخطت السن القانوني للخدمة، وترفض الشركات احالتها على التقاعد، في الوقت الذي تصر على تنفيذ مسطرته لدى معظم العاملين بالقطاع.