جيل سبعينيات القرن الماضي الذي كانت السينما بالنسبة إليه أداة أساسية لربط الاتصال مع العالم يمتزج فيها الترفيه بالتثقيف وبناء الفكر والنضال السياسي، لا يمكن أن يمحو من ذاكرته ذاك الفيلم المؤثر حول المقاومة الجزائرية الذي كانت تحتشد الجماهير أمام شباك تذاكر القاعات التي يُعرض فيها، والذي يحمل عنوان “الأفيون والعصا”. أحمد راشدي الذي أخرج هذا الفيلم سنة 1969، حضر إلى مهرجان تطوان للسينما المتوسطية الذي يحتفي في هذه الدورة بالسينما الجزائرية ، وشارك في الندوة التي انعقدت صباح أول أمس الأربعاء تحت عنوان “55 سنة من السينما الجزائرية”. ومعلوم أن أحمد راشدي كان من أوائل المخرجين الجزائريين الذين استعملوا السينما أداة لمقاومة الاستعمار الفرنسي، حيث كان قد شكل رفقة المخرجين محمد الخضر حامينة وجمال الدين شندرلي مجموعة عمل للإنتاج السينمائي الخاص بدعم الثورة الجزائرية التي كانت تستعر نيرانها في الجبال، قبل أن يلتحق بهذه المجموعة المخرج الفرنسي المقيم في الجزائر آنذاك روني فوتيي الذي كان متعاطفا مع الثورة والذي كان قد أخرج سنة 1958 فيلما وثائقيا تحت عنوان “الجزائر تحترق” يُشكل بالنسبة إلى مؤرخي السينما الجزائرية الميلاد الحقيقي لهذه الأخيرة، بعدما كانت قوات الاستعمار الفرنسي قد حجزت أول فيلم جزائري من إخراج كل من جمال الدين شندرلي والطاهر بن حناش يحمل عنوان “الغطاسون”، ومنعت عرضه. النشرة اليومية التي تصدرها إدارة مهرجان تطوان السينمائي باللغتين العربية والفرنسية، والتي يُشرف عليها طاقم يتكون من الأساتذة النقاد حسن برهون ومخلص الصغير وعبد اللطيف البازي ونور الدين بندريس، أجرت حوارا ممتعا مع المخرج أحمد راشدي أكد فيه أن الكاميرا هي السلاح الذي كان يحمله المخرجون من أجل تحرير الجزائر، موضحا أنه حين أدرج في فيلمه “الأفيون والعصا” شخصية ذاك الضابط الفرنسي الذي سيتعاطف مع الثورة الجزائرية وسينضم إلى جيش التحرير، فهو كان يستحضر من خلاله صورة المخرج الفرنسي روني فوتيي المؤسس للسينما الجزائرية. “لقد كُتب لي أن أكون من ضمن 12 من أعضاء الفوج الأول الذي تخرج على يد هذا السينمائي الفرنسي الذي انتصر لحرية الشعب الجزائري وانضم إلى جيش التحرير. إنه واحد من الفرنسيين الأحرار، والذي رفض مبدئيا فكرة الاستعمار… وفكر في إمكانية مساعدة الشعب الجزائري من غير أن يحمل السلاح، وإنما برفع الكاميرا، يقينا منه بأن الكاميرا قد تكون سلاحا فتاكا أكثر من البندقية”. يقول أحمد راشدي في حواره مع نشرة المهرجان. علاقة مهرجان تطوان مع السينمائيين الجزائريين قوية، والدليل على ذلك أن جائزة العمل الأول التي تمنحها لجنة تحكيم الفيلم الطويل في حفل التتويج تحمل اسم المخرج الجزائري الراحل عز الدين المدور الذي توفي سنة 2000، والذي كان صديقا لجمعية أصدقاء السينما بتطوان. وقد كان جمهور المهرجان على موعد مع عمل سينمائي لهذا المخرج، يحمل عنوان “جبل بايا”، تم عرضه ضمن برنامج الأفلام الخاصة بالاحتفاء بخمسة وخمسين سنة من السينما الجزائرية، وهو البرنامج الذي يتضمن خمسة أفلام أخرى هي “وقائع سنين الجمر” من إخراج محمد لخضر حامينا، “نهلة” للمخرج فاروق بلوفة، “عمر قتلاتو” للمخرج مرزاق علواش، “لوس أو وردة الرمال” للمخرج رشيد بلحاج و”الأفيون والعصا” للمخرج أحمد راشدي. أحمد الدافري