«… وعاد في كفن». قد ينطبق هذا المقطع الشعري على حالته. منذ حوالي 13 عاما هجر الوطن صوب أمريكا. كان يبحث عن تحسين أوضاعه الاجتماعية، فعقد قرانا على سيدة مكنته من نيل وثائق الهجرة إلى الولاياتالمتحدة. بعد فترة مقام غير طويلة قضاها بفرنسا سنة 1988، سرعان ما عاد بعدها إلى المغرب. ومع استمرار إقامته، تمكن من نيل الجنسية الأمريكية، فلم يزر بلده الأصلي إلا خلال سنة 2011. لكن أخباره واتصالاته لم تنقطع قط عن أسرته وجميع أفراد عائلته. بل إن أبويه تمكنا من زيارته بأمريكا حيث قضيا معه فترة قبل أن يعودا. وفي يوم الثلاثاء 19 مارس الجاري، عاد جثة هامدة في نعش خشبي، ليوارى الثرى بمقبرة الرحمة. بعد ذلك لم تجد أسرته وأقرباؤه من سبيل لرثائه، غير الاحتجاج والمطالبة ب «كشف الحقيقة». كانت حرقة الفراق تلتهب في الصدور، وكانت الوجوه واجمة، يشوبها ذهول اختلط بهول صدمة لم تكن في الحسبان. لم يستوعب الجميع ما حصل بعد. فقط، وصول الجثمان كان دليلا على أن «خالد» صار له نعش وصل إلى المغرب بعد طول انتظار. كانت الأسرة تمني النفس أن ابنها مازال على قيد الحياة، وأن ثمة خطأ ما قد وقع. لكن بوصول الجثمان، قطع الشك باليقين، فلم يبق هنالك مجال للفرضيات أو التخمينات. ما لم تكن تتمناه أسرة «خالد بوعيطي» وقع. لقد سقط الضحية صريع رصاصات الشرطة الأمريكية أثناء مداهمة منزله. فما إن وصل النعش حتى رفعت الأسرة لافتات احتجاجية وصور الضحية بمطار محمد الخامس، مطالبين بكشف الحقيقة في مقتل «خالد» المزداد سنة 1969. تعترف الأسرة كما روى ذلك للجريدة شقيق الضحية «عمر بوعيطي»، أن ابنها «لم يكن إرهابيا أو مجرما، ولا احترف الإدمان أو انخرط في أي تنظيم سياسي أو ديني». كان خالد «شابا طموحا، كل همه عيش الحياة، والسعي إلى مساعدة جميع أفراد أسرته، والعناية بوالدته المقعدة التي لا تتحرك إلا على كرسي»، هي التي سبق لها أن زارته في مقر إقامته بالولاياتالمتحدةالأمريكية. المشكل الوحيد الذي كان يعاني منه خالد، هي اضطرابات نفسية شبيهة ب«الصرع»، كانت تنتابه بين الفينة والأخرى، وتجعله يفقد الوعي أحيانا، بعد أن يدخل في موجة صراخ. لكن مرضه هذا لم يكن ليجعل منه شخصا عدوانيا. فكيف أردته صريعا رصاصات الشرطة الأمريكية بمدينة «نيوجرسي»، حيث كان يقيم؟ تفاصيل رحلة «خالد بوعيطي» إلى الديار الأمريكية، انطلقت سنة 2000، عندما عقد قرانه على سيدة تمكنت من اجتياز القرعة بنجاح. لكن رحلة خالد انتهت يوم الثامن من مارس 2013، عندما اقتحمت شرطة مدينة نيوجرسي منزله. كانت حالة من الانفعال والهيجان قد انتابته، حسب ما صرحت للجريدة ممثلة جمعية «ماروك» بالولاياتالمتحدة، عندما توجهت الشرطة إلى منزله، وإثر خلاف مع المقتحمين، قررت الشرطة وضع حد لحياة الضحية. هكذا تلقى خالد أربع رصاصات، حسب ممثلة الجمعية، ثلاث في الصدر ورابعة في الرأس. كانت كافية لتضع حدا لحياته. لكن السؤال المحير الذي وضعته الأسرة عندما خرجت للاحتجاج بمطار محمد الخامس، أو بمقر إقامتها بحي الألفة بالبيضاء، هو «لماذا تعمدت الشرطة قتل خالد، عوض إصابته لشل حركته أثناء اقتحام بيته، وهو في حالة هيجان مرضي؟». سؤال لا تجد له الأسرة جوابا، لذلك تطالب السلطات المسؤولة بكشف الحقيقة ومتابعة تفاصيل ملف ضحية الشرطة الأمريكية. لكن ممثلة جمعية «ماروك» التي تكلفت بمصاريف نقل جثمان الضحية إلى المغرب، وإعداد كافة الوثائق، صرحت للجريدة، خلال اتصال هاتفي بها، أن «تحقيقا فتح في هذا الملف، حيث ينتظر أن تخرج نتائجه خلال أيام. في الوقت الذي ينتظر أن يصدر تقرير تشريح الجثة بعد 12 أسبوعا على وقوع الجريمة». الجمعية تتابع هذا الملف، راجية أن تتمكن السلطات القضائية من إماطة اللثام عن حادثة قتل مغربي في شقته بنيوجرسي الأمريكية. رشيد قبول تصوير: إبراهيم بوعلو