مجرد لقاء عابر جعل الصدفة تقودنا إلى مغامرة «استغوار» أسرار سوق قطع الغيار المقلدة بالعاصمة الاقتصادية.. قبل ذلك، كانت بداية الصدفة سببا مباشرا وراء استجلاء محام خليجي لحقيقة من يقف وراء إغراق السوق المغربي بقطع غيار مغشوشة. حل الضيف الخليجي من أجل قضاء عطلته السنوية، لكنه بعد أيام، وجد نفسه في خضم مغامرات يومية، جعلته يقف على تفاصيل سوق يشكل قنطرة عبور آمنة عند أطرافه من أجل تحقيق الربح السريع. الأحداث المغربية تنقل لقرائها الحكاية بتفاصيلها الكاملة حتى تكتمل زوايا الحقيقة. كان يبتغي من وراء عطلته بالمغرب، الاسترخاء وقضاء أيام عطلة مُمتعة. لكن بعد أيام، وجد نفسه يتتبع مُرغما خيوط شبكة سرية مجهولة. في البداية. لم يكن هذا هو الموضوع، بل كان المحامي الإماراتي، يُريد نسيان جو العمل و«لاسطريس» بشقته الفاخرة بالشريط الساحلي للبيضاء، ومنتجعات شمال المملكة. اكترى سيارة خاصة، ووضع برنامج للسفريات. انطلق من البيضاء، وتوجه إلى مدينة أصيلا. خلال الرحلة، أُصيبت السيارة بأعطاب متلاحقة. أعطاب دفعته إلى الإستعانة بخدمات ميكانيكي. اتصل الخليجي بصاحب الوكالة المُؤجرة، الذي وافق على عرض استبدال قطعة الغيار، وإصلاح سيارته ال «كاط كاط». خليجي يُطارد الخارطة «السرية» بعد تفحص المحامي الخليجي لقطعة الغيار البديلة بطريقة حرفية، تنم عن معرفته الدقيقة بالأجزاء الأصلية والمُقلدة، أدرك أن الأمر يتعلق بقطعة غيار مُستنسخة. حاول استبيان الأمر من الميكانيكي. أجابه الأخير بعفوية : «هاذي راها من كازا .. البياس كامل كناخذوه من كازا». جواب لم يُشفي غليله في العثور على توضيحات شافية، ليُقرر استكمال رحلته نحو الوجهة المقصودة. بعد ستة أيام، قضاها بمدينة أصيلا، وبأحد المنتجعات الشمالية، عاد أدراجه إلى العاصمة الاقتصادية. من هناك دشن رحلة البحث عن أسرار شبكات المُتاجرة في قطع الغيار المُقلدة. انطلق مسلل المُغامرات والمفاجآت. توجه إلى محلات بيع قطع غيار السيارات بوسط مدينة الدرالبيضاء. هناك كانت المفاجآة. من أصل سبعة قطع غيار معروضة عليه، وجد أن هناك «بياسات» مشكوك في مصدرها وجودة تصنيعها. أكثر من ذلك، تفاجأ لدعوات بعض السماسرة، اللذين كانوا يُحاولون عقد صفقة «مُربحة» معه. حاول استيضاح طبيعة العرض. الأمر يتعلق بالوساطة في قطع غيار صينية مُقلدة خاصة بأشهر الماركات العالمية الألمانية والآسيوية. استدرج بعضهم في الكلام، ليبوح له ببعض الخيوط الخفية المتعلقة بأساليب عمل هذه الشبكات المُنظمة. أساليب تشمل تزوير فواتير شركات معروفة ببراعة. عمليات التزوير تتم عبر إضافة عبارة المغرب إلى شعار المؤسسة، للتوهيم بأن الأمر يتعلق بفرع للشركة الأم. زيادة على تخزين السلع المقُلدة بمستودعات توجد بعمارات سكنية بوسط المدينة. في اليوم المُوالي، ربط الإتصال بالمكتب المكلف بحماية العلامات التجارية المذكورة بدبي. خطوة وضعته على الطريق الصحيح نحو الفصل الثاني من المُغامرة. جمع معطيات أكثر دقة عن المستودعات السرية، وكذلك أسماء الشركات والتجار المتورطين في استيراد القطع المُقلدة. ثم الإتصال بأحد المكاتب المتخصصة في المحاماة والاستشارات القانونية لتقييد شكاية أمام القضاء. كيف تصل البضاعة «الرابحة» إلى المغرب بدت المهمة شاقة نوعا ما أمام الضيف. لكن بضعة أوراق نقدية تفي بالغرض. الخليجي يعرف جيدا ماذا تصنع الورقات «القرفية» والزرقاء في بعض المغاربة. الحل الوحيد أمامه، تقديم رشوة للبعض من أجل الكشف عن سير الأمور. من بين السماسرة، الذين تطوعوا للقيام بالمهمة. عزالدين(29 سنة) يمتهن التجارة والوساطة أساسا في قطع الغيار المستعملة الآتية من مجموعة من الدول الأروبية، من بينها فرنسا وإسبانيا وألمانيا والبرتغال. قبل سنتين، استثمر جزءا من رأسماله في تجارة قطع الغيار المقلدة. أصبح اليوم واحدا من أهم تجار الجملة ونصف الجملة في ال«بياس كونطرفاسون» بالعاصمة الاقتصادية. يقول عزالدين، أن التجارة في المقلد محفوفة بالمخاطر، لكنها بدورها تُدر عليه أرباحا محترمة، رغم أن الكثير من الزبائن، يصرفون النظر عن التعامل تجاريا معه بعد المحاولة الأولى. معطى يفسره عزالدين ب «رداءة المنتج المقلد»، لكنه رغم ذلك، فهو غير مكترث بإعراض بعض زبائنه عن معاودة شراء منتجاته المقلدة. «عوائدي المالية من خلال التعامل المباشر مع الزبون، تظل قليلة مقارنة مع رقم المعاملات الذي أحققه مع الباعة المتخصصين»، يقول عزالدين. يستطرد مباشرة «التجارة في القطع المقلدة، تظل مغامرة محسوبة العواقب من ناحية الربح، لكنها غير مأمونة النتائج من الناحية القانونية. أعلم أن ما ينتظرني في حالة كشف أمري من طرف رجال الشرطة هو الحبس والحجز على البضاعة، ثم الإفلاس». بين الفينة والأخرى، كان عزالدين يخرج من ثنايا جيب معطفه، هاتفه المحمول، كأنه يترقب مكالمة مهمة. بعد لحظات، رن الهاتف، لينزوي بعيدا من أجل الحديث بكل حرية مع مخاطبه. رغم محاولتنا استراق السمع لحديثه المضطرب، لم نظفر إلا ببعض الكلمات الشاردة عن شبه اتفاق حول تسليم «كوماند» مقابل مبلغ مالي قدره 9000 درهم. الجواب الأخير لعزالدين على مخاطبه جاء على الآتي : «شوف راه ماكاين كرانتي (ضمانة).. ياك فهمتي مزيان!». بعد الإنتهاء من المكالمة الطارئة، عاد عزالدين إلى سرد تفاصيل ما يعلمه عن سوق تتطور أرقام معاملاته سنة بعد أخرى، رغم المجهودات المبذولة للحد من تأثيراته السلبية على رواج قطع الغيار المستعملة بأسواق المتلاشيات، أو على صعيد تسويق قطع الغيار الأصلية. تبدأ مغامرة المتاجرة في قطع الغيار المُقلدة، انطلاقا من خطوة تصريح إدارة الجمارك، بتسليم البضاعة المستوردة لمالكها، «ليس لدى عناصر الجمارك أي تكوين تقني يُساعدهم في الكشف عن البضائع المقلدة، الأمر يستلزم ضرورة وجود تقني متخصص، خاصة وأن قطع الغيار المغشوشة تكون معبأة في كراطين القطع الأصلية، أو قطع غيار طبق الأصل شبيهة بالمنتوج الأصلي. مايهم إدارة الجمارك هو احترام المعطيات المضمنة في وثائق ملف التصريح لطبيعة ونوعية البضاعة المُعاينة»، يقول التاجر الشاب. يستطرد مباشرة «بعد الإنتهاء من الإجراءات الجمركية، يتم نقل الشحنات الموضوعة داخل كونطونير عبر شاحنات النقل الثقيل نحو أماكن التخزين، وهي عبارة عن مستودعات متوسطة المساحة. في الغالب تكون هذه الأخيرة قريبة من محيط محلات بيع قطع الغيار المنتشرة بالدارالبيضاء». رفض عزالدين بشدة الإفصاح عن أماكن تواجد هذه المستودعات «السرية»، لكن وبإلحاح من المحامي الخليجي، اعترف بأن حي لاجيروند أو المنطقة الصناعية سابقا للدارالبيضاء، يحتضن عدة مستودعات ومخازن تابعة لشبكة من الموزعين المعروفين بين أوساط تجار قطع السيارات داخل العاصمة الاقتصادية. رفضه القطعي، فسره بضرورة الحفاظ على سرية هوية المزودين، الذين يضمن معهم «طرف ديال الخبز». زيادة على «تورطه» سابقا عن غير قصد في الكشف عن عنوان مستودع رئيسي لفائدة أحد المتعاملين معه. هذا الأخير، قدم نفسه للتاجر الشاب بصفته سمسار يشتغل لفائدة محلات تجارية بجنوب المغرب. لكنه في الحقيقة، كان مجرد «مخبر» فضح بعض التفاصيل المهمة عن خارطة المخازن «السرية» بالدارالبيضاء، لصالح محامي انتدبه فرع شركة ألمانية بدبي الإماراتية. كانت الشركة مكلفة بشبكات توزيع قطع الغيار الأصلية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قبل أن تُسجل انخفاض رقم معاملاتها بالسوق المغربي بسبب «التقليد». تابع محامو الشركة خيوط الملف جيدا، قبل أن ينتهي بهم المطاف بمتابعة شركة هندية قضائيا. كانت الشركة مسؤولة عن تصنيع القطع المقلدة، وإغراق الأسواق العالمية بها. مداهمات أمنية تنتهي بحجز بضائع بمئات الملايين ليس فقط المستودعات «المنسية» بالمنطقة الصناعية سابقا بالدارالبيضاء، هي من تُشكل مخابىء «آمنة» لشبكات المتاجرة في قطع الغيار المستنسخة. قبل شهور، وبناءا على تعليمات وكيل الملك بالمحكمة الإبتدائية الزجرية بمدينة البيضاء، داهمت فرقة من الدرك الملكي التابعة لسرية 2 مارس، مدعمة بعناصر من الشرطة القضائية لأمن أنفا، مخزنا يقع بشارع بوردو بحي بوركون (وسط البيضاء). كان الهدف من وراء العملية، حجز قطع غيار مغشوشة ومزورة، مصنعة في الصين، خاصة بالسيارات التي تنتجها كبريات الشركات العالمية الألمانية (مرسيديس / بي ام دبليو) و كذلك الشركات اليابانية. بلغت قيمة المحجوزات التي تم ضبطها بالمستودع المذكور، أزيد من 300 مليون سنتيم. تمت عملية المداهمة، بحضور الممثل القانوني للشركات المصنعة للأجزاء الأصلية للسيارات. الأخير قدم من دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يوجد مكتب محاماة متخصص في الاستشارات القانونية، يسهر على توفير الحماية القانونية لبراءات الإنتاج الخاصة بكبريات الشركات العالمية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. مهنيو القطاع يتحركون..؟! متاهة من الأزقة والمحلات المتراصة وأكوام من أجزاء السيارات المتناثرة هنا وهناك. هذا هو المشهد العام داخل سوق المتلاشيات (لافيراي) بحي السالمية بمدينة الدارالبيضاء. المكان يبدو أشبه ببنك «ميكانيكي» حيوي. أغلبية التجار هم في الخمسينيات والستينيات من أعمارهم. يشكل السوق قبلة لكل السائقين الذين تختلف شرائحهم الاجتماعية، منهم الموظفين البسطاء ورجال الأعمال. الكل يحج إلى «لافيراي» من أجل الحصول على قطع غيار وهياكل وإكسسوارات كل الموديلات والطرازات الألمانية والفرنسية والآسيوية. هنا لا مجال للحديث عن «المقلد». الكل يسأل عن ال «الأوكازيون» الذي يبقى ثمنه في المتناول، بعيدا عن الأثمنة الباهظة للقطع والأجزاء الأصلية. «هذا البياس لي كتدوي عليه كيحشم مع كليان.. تعطيه بياسة يرجعها ليك من بعد يومين»، يقول أحد تجار السوق. يستطرد مباشرة الحاج اسماعيل «دابا مابقاوش الحريفية هنا كيستعملوه.. واخا كاينين الكليان ديالو». الانطباعات نفسها عبّر عنها، أحد المهنيين المشرفين على مركز المراقبة التقنية لصناعة السيارات بالبيضاء، وهو المركز الذي أحدثه مهنيو القطاع في سنة 2005، بشراكة مع وزارة الصناعة، وبتمويل من الاتحاد الأروبي. يقع على عاتق المركز المذكور مهمة مراقبة جودة القطع المستورة من الدول المشكوك في جودة منتجاتها الصناعية، «خلال سنة 2008، كانت القطع المُقلدة تُمثل أكثر من 90 في المائة من القطع المعروضة على المركز. أما في سنة 2011، فقد تراجعت النسبة إلى حدود 22 في المائة. المركز يشتغل بطريقة مهنية رغم بعض وجود بعض الظواهر السلبية التي تُحاول بعض الأطراف من خلالها الحد من نجاعة المراقبة»، يقول التقني المشرف على أحد أقسام الجودة بالمركز. يستطرد مباشرة «يبقى لقطع الغيار المستنسخة تأثيرا سلبيا على القطاع ككل. هناك مشكل غياب الضمانة، إضافة إلى المشاكل التقنية التي تتسبب فيها قطعة غيار مقلدة تبلغ قيمتها 100 درهم على السلامة التقنية للسيارة ككل». بعض المستوردين يتحملون أيضا نصيبا من المسؤولية. كيف ذلك؟، يقول مصدر رفض عدم الكشف عن هويته «المستوردين يهمهم الربح السريع عبر إغراق السوق. يتصلون بمزودهم الصيني، ويحددون له نوعية قطع الغيار التي يريدونها، وكذا دولة المنشأ. بعد شهر يحصلون على البضاعة بالمواصفات المتفق عليها. يأخذون عينة من الشحنة إلى مصالح المركز. هنا يبدأ مسلسل المساومات!». الرباح : قطع الغيار المقلدة تمثل 30 في المائة من معاملات السوق ما بين 20 و 30 بالمائة من قطع الغيار المقلدة تستعمل في قطاع السيارات في المغرب. شخص بدقة حقيقة سوق قطع الغيار المقلدة بالمغرب. وزير النقل والتجهيز في حكومة عبدالإله ابن كيران، أكد على المشاكل الناجمة عن استخدام قطع غيار مقلدة، تؤثر سلبا على مستويات عدة، منها جانب السلامة الطرقية، وعلى الصعيد الاقتصادي وعلى صعيد المواطن نفسه. الوزير الرباح لم يفته التذكير، بأن «استخدام قطع غيار مقلدة يطرح إشكالا مضاعفا، يتعلق الأول بالسلامة بالنظر للمخاطر التي يمكن أن يلاقيها المستعمل، والثاني اقتصادي يتسبب في خسارة مالية نتيجة لتسويق قطع غيار مقلدة، فضلا عن الجانب المتعلق بالتأثير على المواطن». وأبرز أن تسويق قطع غيار مقلدة يمكن أن يؤثر سلبا على وظيفة أو مجموعة من الوظائف مما يمكن أن يؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل٬ في حين أن قطع الغيار الأصلية المضمونة من قبل الشركات المصنعة فهي تخضع لمجموعة من الدراسات سواء في مرحلة التصميم أو التصنيع. محمد كريم كفال / ت : عبداللطيف القرشي