ككل ليلة رأس السنة تكون الدارالبيضاء على موعد مع إجراءات أمنية استثنائية، لمواجهة نوع من الجنوح والإجرام تزداد حدته في الساعات الأخيرة من كل عام. حالة استثنائية تجعل الأمن أمام تحدي السيطرة على الوضع، وتأمين المدينة وحركة الجولان فيها. لا لغة تسود سوى لغة الدم والصراخ والألم، أبطالها مجرمو آخر السنة، كثفوا من نشاطهم تلك الليلة، لكنهم وجدوا تغطية وانتشارا أمنيا محكما مكن من حد الخسائر وعدد الضحايا. جو بارد ميز ليلة رأس السنة بالدارالبيضاء، أمس الإثنين. لكنه لم يمنع عشاق المدينة وسكانها من التجول فيها ليلا، إما مشيا على الأقدام بعد أن ازدان مركز المدينة بأضواء وساحات جديدة كانت من بين حسنات الترامواي، أو على متن قاطرات الترام بعينها. شباب وأسر وأزواج، التأموا ليحتفلوا بطريقتهم بإسدال الستار عن سنة 2012. أمام هذه الرغبة الجامحة للاحتفال وتجزية الوقت وسط المدينة، كان ما يقابله من يقظة وتأهب أمني استثنائي لليلة استثنائية. حادثة مع جنحة الفرار كانت الساعة تشير إلى حوالي التاسعة من ليلة الإثنين الثلاثاء، حينما صدمت سيارة تسير بسرعة مفرطة في شارع الحسن الثاني، راجلا وأسقطته أرضا مضرجا بدماء تسيل من وجهه وفمه. تأخر عملية إسعافه، جعلت بعض المارة يتحلقون حوله. لم يفقد وعيه وتمكن من تهجية أرقام هاتف عائلته بصعوبة كبيرة، في انتظار سيارة الإسعاف التي نقلته إلى مستعجلات ابن رشد. المحصلة كسور في الوجه والفك ورضوض في باقي أنحاء الجسم. أما الفاعل فما يزال البحث متواصلا عنه، بعد أن تم تعميم برقية صوتية باللاسلكي حول مواصفات السيارة وحاملها ورقمها، لباقي رجال الأمن من شرطة مرور وصقور ودراجين ولائيين. كل هذه الفرق الأمنية انتشرت بمداخل ومخارج البيضاء لتشكل حواجزا بغية تفتيش السيارات المريبة، وتأمين إنسيابية حركة المرور أمام كم السيارات الكبير، بعدما استقر رأي بعض السائقين على اكتشاف ليل الدارالبيضاء في رأس السنة وهم وراء مقود سياراتهم، كما هو الحال بالنسبة لسائحين من انجلترا، قاما بركن سيارتهما الفارهة بعيدا وقصدا إحدى الفيلات بطريق الجديدة. في أمان تام، انخرطا في أحاديث ودية بملابس سهرة سوداء أنيقة. في حدود الساعة العاشرة ليلا تم تسجيل 12 حادثة مرورية بالدارالبيضاء، لكن دون أن تسفر عن خسائر في الأرواح. خمر ونزاعات تنتهي بمقر ولاية الأمن كل شيء كان يؤشر على ليلة هادئة. لكن بعد الساعة الثانية عشرة، امتلأت شوارع محمد الخامس والحسن الثاني والروداني وعبد المومن، بأفواج من الشباب الراغب في تزجية الوقت بوسط المدينة. بعضهم نقله الترامواي ولم يستطع التعبير عن شغبه لوجود الحراسة الأمنية، لكنه أطلق سراح مكبوتاته بالشوارع. البعض انخرط في احتساء مشروبات كحولية كالبيرة، ثم القيام ببعض الجولات بشارع أو شارعين والتحرش ببعض الفتيات. سلوكات وجدت بالمرصاد رجال الأمن المداومين في مخفر بنك المغرب، حيث تم اعتقال 13 شابا لأسباب مختلفة. إما بسبب التحرش أو التحقق من الهوية أو السكر. البعض منهم صودرت منه دراجته النارية المعدلة، من نوع 103، للاشباه في تورطها في السرقة بالخطف. عناصر المدامة تنتقل إلى شارع عبد المومن، بعدما تمكن عنصران من الأمن من فرق الدراجين، من توقيف مروج للمخدرات وبحوزته 9 قطع من الشيرا المعدة للبيع، وكان على متن سيارة من نوع هيونداي سوداء كان على متنها 4 أشخاص من بينهم مساعد ومستهلكين. عند التحقيق مع المتهم داخل مقر ولاية الدارالبيضاء، تبين أنه ينحدر من سيدي حجاج، وله سوابق في الاتجار في المخدرات وسبق أن أدين بالاغتصاب. داخل مقر ولاية الدارالبيضاء، بدأت تتقاطر في حدود منتصف الليل مجموعة من الشباب في العشيرينيات من عمرهم. أغلبهم كان محتسيا للخمر، وعلى درجة من السكر لم تسمح له بالوقوف على قدميه. لكن البعض منهم كانت له القوة والجرأة لتنفيذ سرقات وحالات من الاعتداء، كما هو الحال بالنسبة لعصابة «القرطة». تشير التسمية هنا إلى تقنية التثبيت التي تنتهجها العصابة من أجل شل حركة الضحية عبر شده بالذراع ثم سلبه أمواله. استطاعت الفرقة السياحية لأمن أنفا اقتناص الثلاثة في حالة تلبس وهم يحاولون سرقة بعض المارة بالمعاريف في حوالي الساعة الثانية عشرة. في المخفر بالولاية، كان على الأمن التعامل مع العدد الكبير من المتهمين والمشتبه بهم في حالة سكر، بعد أن استطاب لهم هذا الجو الاسثنائي بحضور الصحافة، وعدسات المصورين «ياه نتوما الصحافة! والله مادرنا شي حاجة، شوفو معاهم يطلقونا»! البعض حاول الرفع من لهجته، والاحتجاج كضرب من «الصنطيحة»، فيما البعض فضل السكوت والانطواء. أما ذاك الذي لم يستطع مقاومة حالة القيء الحاد التي ألمت به، بعدما حاول الضابط المسؤول استجوابه رفقة صديقه، فتقيأ على أرضية المكتب؛ وفيما كان صديقه يهم بالالتحاق به، انزلق بفعل السائل اللزج الذي لفظته معدة صديقه وسقط أرضا مصدرا دويا قويا، جعلت بعض المتهمين يغرقون في الضحك، رغم أن منهم من كان عابس الوجه، فيما كان البعض مستلسما لتضرعات محمومة ومناجاة ودعاء «حتى يخرج الطرح بسلام»، وهي نفس الأمنية التي تقاسمها الأمنيون المداومون ليلة أمس، حيث كانوا أمام قضايا متعلقة بالسرقة العامة والعادية والنزاعات والسكر العلني والعربدة. حوادث مميتة بسبب السرعة المفرطة بشارع بئر إنزران بالبيضاء، في حدود الساعة الواحدة ليلا. سيارة من نوع غولف بيضاء تسير بسرعة، وجدت رجلا في الأربعين من عمره كان بصدد الخروج للبحث عن أكلة خفيفة، قوة الاصدمام جعلته يرتفع عن سطح الأرض ويكسر برأسه زجاج السيارة الأمامي، ثم حملت قوة الاصدام جسده إلى أعلى ليعيد الإصدام مع زجاج السيارة الخلفي، سببت له جروحا غائرة على مستوى الرأس كانت كافية ليفارق الحياة، في الطريق إلى المستعجلات. استطاع عنصر من الصقور اللحاق بالسائق واعتقاله بعد محاولة هروب فاشلة. السرعة كذلك كانت سببا في كسور خطيرة لشاب وشابة رديفان لشاب يسوق دراجة سريعة. مناوراتهما السريعة بالدراجة ساقت لهما سيارة من نوع باليو كانت تسير في نفس الاتجاه. المحصلة كسور مزدوجة للفتاة، ولسائقها ورفيقهما. تم نقلهم إلى المستعجلات بابن رشد. شرطة المرور كثفت من وجودها بالمناطق الحساسة عبر وضع حواجز مرورية، مكنت من توقيف جملة من السائقين في حالة سكر بين، واقتيادهم إلى مقر الولاية. فيما تم حجز بعض السيارات المركونة في وضعيات غير قانونية تلافيا لعرقلة حركة السير. تحرش جنسي جماعي! بعين الذئاب نقطة السياحية الأهم في المدينة. واجهت فرق الشرطة السياحية والقوات المساعدة هناك ضغطا قويا. السبب جحافل من مرتادي الملاهي الليلية ممن كانوا يمنون النفس إلى حدود الساعة 2 صباحا بتمضية سهرة رأس السنة بداخل النوادي. منتظرون من نوع آخر كان لهم مآرب أخرى في ليل عين الذئاب. عشرات من الشباب اقتنصوا خروج فتاة أو فتاتين أو عاملات الجنس من إحدى النوادي، وملاحقتهن ولمس أجزاء من جسدهن كالثدي والمؤخرة ومحاولة نزع ملابسها القصيرة التي لم تتناسب مع برد ليلة رأس السنة. حتى بعض الفتيات ممن كن بصحبة رجل، لم يسلمن من التحرش والعبث الجماعي بأعضائهن ومحاولة نزع ملابسهن. وضع لا تملك أمامه الفتاة أو عاملات الجنس سوى الصراخ، والاستنجاد بالشرطة التي كانت قريبة من الحادث وتتدخل مباشرة، بالإضافة إلى عناصر القوات المساعدة الذين سارعوا في إبعاد ونهر المتحرشين، أمام صيحات استهجان بعض المارة «آش هاد الكبت لي ولا كيدور؟!». حتى المهاجرات الإفريقيات لم يسلمن من التحرش، بعد أن أوقعت الشرطة السياحية أربعة موقوفين، تحرشوا بأربع سينيغاليات، مررن بعين الذئاب قصد تأمين وجبة سريعة، لكنهن وجدن سبابا وتحرشا من طرف أربعة عناصر في حالة سكر. أحدهما كان أكثر جرأة وأسقط إحدى الفتاتين أرضا وأصابها بجرح على مستوى الركبة، مسببا لها ألما مبرحا ورضوضا. شخصيات نافذة مزيفة! أمام موجة النزاعات والخصومات التي كانت الشرطة السياحية بمخفر كالبسو مجبرة على التعامل معها، كان هناك ضيوف استثنائيون، شكلوا صيدا ثمينا تلك الليلة. يتعلق الأمر بموقوفين. ادعى الأول أنه عميد للشرطة، عند التحقق من هويته، فيما صرح مرافقه أنه كولونيل في القوات المسلحة. أمام هذا الادعاء غير المبرر، لم تجد عناصر الأمن بدا من نقل «العميد» و«الكولونيل» إلى مخفر الشرطة، لفتح تحقيق وإحالتهما على الشرطة القضائية بولاية أمن الدارالبيضاء، سيما أن مخفر كالبسو كان يضيق بعدد الموقوفين والمخمورين الذين حولوا أرضية المخفر إلى أرضية لزجة جراء ما ترسب إليها من قيء! كبسولات من الكوكايين و6 موقوفين فرقة الشرطة السياحية التابعة لأمن أنفا، كانت على موعد مع صيد ثمين. ترصدت خلال ساعة سيارة مشتبه بها، على متنها سيدتان في الثلاثينات من العمر و4 شبان. للوهلة الأولى كان الأمر يوحي بسهرة حمراء، لكن المحجوزات التي وجدتها الشرطة السياحية بالسيارة، كذبت هذه الفرضية، عند تفتيشها بمحطة الوقود على مستوى طريق أزمور. المحصلة كانت 7 كبسولات من الكوكايين، و7 هواتف نقالة، و7 عوازل طبية ومبالغ مختلفة. التحقيق مع المتهمين الأربعة والمتهمتين أفضى إلى اعتراف المروج الرئيسي بملكيته للبضاعة، فيما أكدت السيدتان المطلقتان أنهما غرر بهما بعد سهرة طويلة صرف فيها المروج الشاب أزيد من 10 آلاف درهم بأحد الفنادق. الوجهة كانت الجديدة، لكن الشرطة السياحية اقتنصتهم متلبسين وغيرت وجهتهم نحو المصلحة ثم ولاية الأمن لتعميق البحث. ليل رأس السنة الساخن هذا، خففت من وطأته زخة مطرية خفيفة على الدارالبيضاء، فيما كان رجال الأمن من المداومين يستعدون لافساح المجال لزملائهم لتكملة مهمتهم الليلية في انتظار إحصاء الخسائر والضحايا. أنس بن الضيف