في الدراسات الأنتروبولوجية الثقافية، تصنف السلوكات البشرية، إلى سلوكات طبيعية وأخرى ثقافية، أولهما مشتركة بين كل الكائنات البشرية، وحتى مع بعض الحيوانات، لكن هناك سلوكات مغايرة، خاصة بالكائن البشري، غير أنها ليست عامة، كما اعتقد الفلاسفة الباحثون عن المجرد، بل هي متنوعة ومختلفة باختلاف الحضارات والثقافات. وهي عبارة عن نظم، تحتوي قيما مميزة للفعل الإنساني وحافظة لوجوده الفردي داخل الجماعة التي يحتمي بها، لكن في الوقت نفسه يحمي قيم الوحدة داخلها ويدافع عنه بقوة. ولا يمكنه التهرب من ضرورة الدفاع الجسدي والروحي عن جماعته مهما كانت التضحيات المطلوبة منه، وقد ظهرت هذه القيم والنظم في صيغ مختلفة، أسطورية ودينية، وفلسفية وفنية وقيمية حتى في أقدم أشكال التعبير الجسدي العتيق أي قبل اكتشاف الكتابة، بوجود رسومات مؤلهة لكائنات تبدو في شكل حيوانات بملامح بشرية ادعي أنها آلهة للخصب والنار والحروب وغيرها من التمثت العامة التي أبدعها الخيال البشري الغني والقادر على حفظ وجوده بالفكرة قبل القوة، عكس الحيوانات وما يشبهها في عالم الحشرات. 1 -الأخلاق كما سبقت الإشارة، هي قيم، لها دور في توثيق العلاقات البشرية والحفاظ على وحدة الجماعة، كما أنها تعبير عن ميافيزيقية التفكير البشري، الذي تؤرقه الموت ويبحث لها عن أجوبة، أهمها وأعمقها فكرة الجزاء، التي اهتدى إليها الفكر البشري ووظفها، كتعبير عن العدالة الإلاهية، التي تحرصها قوى تتحكم في العالم وتسيره وتواجه دفاعا عنه آلهة أخرى هي قوى الشر، التي اعتبرت في الديانات غير الموحدة آلهة، عادت الإنسان وقررت الإنتقام منه بسبب قدرته على الإيقاع بها، لأنه كائن فان وعاقل في الوقت نفسه، لكن القوى الأخرى التي أعجبت بالإنسان قررت الإنتصار له وخدمته، وبقيت آلهة أخرى محايدة، لم تتدخل في هذه المعارك، عاشت معانية من فكرة الخلود، التي اعتبرتها معاناة، فاعتزلت العالم وخاصمت الإنسان بل قاطعته، لتترك للناس حق اختيار الآلهة التي تناسبه وتعجبه، فما كان منه إلا أن اختار تلك التي ترعاه وتحفظه، فخصها بالعطاء، وفرضت عليه بالمقابل التفاني في حبها من خلال العبادات وكل أشكال التقرب منها حتى عندما تعاقبه وتصر على تعذيبه وقتله والتمثيل بجثته، هنا كانت أخلاق القوة، تلك التي تخدم الوحدة وتحميها من كل أشكال الهيمنة التي يمارسها الناس على بعضهم، وتدفع بهم لقتال بعضهم داخل المدينة الواحدة أو ضد المدن المجاورة، فكلما تقاربت الآلهة قلت الحروب وعندما تتباعد تزداد الصراعات المسلحة والمواجهات العنيفة التي التجمعات البشرية. -2أخلاق الديانات الموحدة تميزت هذه الديانات، بضرورة الإعتقاد بإلاه واحد، هو الله، وبوجود تعاليم، مكتوبة على ألواح أو مملاة من خلال الوحي شفاهيا، ووجود رسل يبلغون ما أمرهم به الله، بدون زيادة ولا نقصان، واكتسب الإلاه الواحد صفات واحدة كالقوة، التي لا يمكن أن تلازم الضعف، لكن هناك صفات مزدوجة، كالعقاب والسماح، والتعذيب والغفران والرحمة، فالله الحليم هو أيضا المنتقم الجبار. وقد كانت الديانات الثلاث، مختلفة في كيفيات ترتيب الصفات، ومدى ملازمتها للوجود الإلاهي، لكن الديانات الثلاثة، متفقة على كون القوى الأخرى ليست آلهة، بل شياطين مضللة للناس، وعفاريت متمردة على مكانة الإنسان التي اختارها الله له، وأغاضت إبليس فرفض القبول بها والسجود لآدم المخلوق من طين، بينما الشياطين مخلوقة من نار، فشيدت الديانات الثلاثة على فكرة الجزاء، والثواب والعقاب، رغم وجود تيارات حاولت في الفكر الإسلامي مثلا، التعبير عن فكرة الإيمان خارج الجزاء، من خلال حب الله لذاته بعيدا عن الخوف من النار والطمع في الجنة، وهي فكرة لم توجد في الديانات الأخرى عدا الإسلام، والله أعلم، وهنا كانت الأخلاق في الديانات الموحدة، متقاربة فيما يتعلق بتحريم الكبائر كما سميت، وهي القتل والزنى والشرك، لكن وجدت أخلاق تعطي الأولوية للأخوة الدينية، أكثر من قرابات الدم، كما أن هناك رغبة في تصنيف المتعامل معهم، بحيث تفرض وحدة الديانة، معاملة خاصة، وعندما تختلف الديانة، يختلف السلوك المراد نهجه تجاه الغير. 3 -الأخلاق في الإسلام هي منظومة لم تلاق إجماعا إلا في مجالات محدودة، منها كيفية معاملة المسلم لأخيه المسلم، مقارنة مع غير المسلمين، الذين يصنفون، إلى صنفين، مشركين وثنيين وأهل كتاب، أي اليهود والمسيحيون، بحيث كان المسلم تجاه أخيه، يتحفظ ويتخوف من إلحاق الأذى به، خصوصا وأن الإساءات في الإسلام لا يمكن لله أن يغفرها، إذا لم يقبل المساء له، ويسامح من ظلمه، فالله يغفر الذنوب جميعا، عدا الشرك وما لم يتنازل عليه العبد عندما يظلم من طرف مسلم آخر، وإن كانت هذه الفكرة سوف تعرف تراجعا كبيرا، عندما تم استحضار البعد السياسي في الإختلافات الدينية، التي بلغت أوجها فيما عرف بالفتنة الكبرى، وصراعات الصحابة فيما بينهم للفوز بالسلطة السياسية، التي اعتبرت سلطة دينة في الوقت نفسه، لأن المسلمين القدامى لم يميزوا بين الديني والسياسي في السلطة، وهذا أدى إلى الكثير من المواجهات الدامية التي عرفها العالم العربي والإسلامي، ولازالت قائمة إلى يومنا هذا، بل فقد استفحلت بظهور حركات الإسلام السياسي، التي عمقت جراحات المسلمين وحولتهم إلى أكثر الحضارات اختراقا للقيم الأخلاقية الدينية، التي طالما دافع عنها المسلمون الأوائل وانتصروا لها بالفكر قبل السيف والعنف الأعمى الذي تمارسه وحوش بشرية لا علاقة لها بالقيم الدينية الإسلامية: بل إن العرب حتى قبل الديانة الإسلامية، كانت لهم قيم إنسانية، من قبيل الذوذ عن الضعفاء والعاجزين عن حماية أنفسهم، ولم يكونوا يهاجمون من تعاهدوا معهم على الحماية المشتركة أو ما يعرف بالتحالفات القبلية التي عاش في كنفها النبي عليه الصلاة والسلام، وفق منطق النصرة الذي كان قبل ظهور الديانة الإسلامية وبقي بعدها لكنه اتخذ أبعادا أخرى، تفجرت في تلك الصراعات الدامية، بين المسلمين من الصحابة وتوارثها أبناؤهم ولا زالت بعضها حاضرة في اللاوعي الثقافي والسياسي للمجتمعات الإسلامية، التي تتآمر على بعضها بخلفيات مذهبية وحسابات، لا تخدم نموها ولا وجودها الحضاري ولا قيمها الأخلاقية التي انتصرت بها على الكثير من الحضاراتات الجذور العميقة في التاريخ الإنساني أكثر من الوجود العربي ذاته. خلاصات أخلاق المسلمين المتدينين، انحطت، من منطلق، أن المعاملات غير محددة للإيمان، الذي اختزل في الصلاة والطقوس العقدية، التي تزخر بالكثير من المظاهر الشكلية الريائية، التي طالما حذر الإسلام منها ونهى عنها، بل إن السلوكات العامة للمسلمين، انقسمت إلى أسلوبين، واحد شعبي، يلبي بالطقوس حاجات روحية، كالإطمئنان للمآل، والتخلص من فكرة الموت التي تؤرقه، وآخر مشبع بما هو سياسي حركي، غايته انتقامية ممن لم يعترفوا له بسلطة عليهم، ليتحولوا إلى تابعين لأمراء الأمر والنهي والعنف الجهادي السلفي المهووس بالسلطة والمتعطش لكل ما هو دموي تجاه المسلمين أولا لأنهم قبلوا بالخضوع لسلطة غير سلطة الخفة الإسلالامية في نظرهم.