إلى حدود ثمانينيات القرن الماضي. ظلت كلمة «عصابات سرقة السيارات»، من بين الكلمات التي يثير صداها استغرابا في نفوس المغاربة والبيضاويين بالخصوص. كلمة تحيل داخل اللاوعي على مشاهد «الأكشن» وعصابات سرقة السيارات الأمريكية نظرا لقلتها ونُدرتها. في بداية التسعينيات، أصبحت حوادث سرقة السيارات، تستمد زخما خاصا في إطار تطور السلوكات والمظاهر الإجرامية. زخم جر وراءه خبايا سرقات نوعية، وأذهلت الناس الذين كانوا يعتبرون سرقة السيارات، أعمالا إجرامية تقتصر على عصابات أمريكا وأروبا، ليقفوا على حقيقة حوادث حقيقية من خلال صفحات الجرائد. حوادث خلقت في الوقت نفسه الاستثناء في تقاليد عالم «المجرمين». بعيدا عن كل أصناف عمليات السرقة التي تبقى من الحوادث العادية والشائعة في المغرب (النشل، السرقة عبر التهديد بالسلاح الأبيض ..)، أطلت هذه العمليات في الآونة الأخيرة، لتصبح حديث الناس. سرقات جريئة خارجة عن السياق المآلوف، وتتم في ضحوة النهار أو عتمة الليل. وقد فتحت الحوادث الأخيرة التي تناولتها بلاغات المديرية العامة للأمن الوطني مجددا مسلسل السرقات النوعية التي تعرضت لها سيارات فاخرة تتمتع بنظام أمان رقمي يصعب تكسيره. كانت البداية عصابة «القاصرين» التي حيرت الأجهزة الأمنية لشهور، قبل أن تتمكن من فك لغز سرقاتها المُحيرة، حيث حامت شبهات حول مصدر قطع الغيار لدى أحد تُجار «لافيراى». وبينما ألسن الناس مستمرة في تداول خبايا العصابة النوعية، ستطفو على واجهة الأحداث. أخبار عن عصابة مديونة التي تمكن عناصرها من سرقة 5 سيارات. بعد ثلاثة أيام متوالية من البحث، تم تحديد المشتبه بهم. الأمر يتعلق بخمسة أشخاص بينهم قاصر واحد. سرقاتهم لم تهم منطقة بلدية مديونة لوحدها، بل تناسلت إلى مناطق مجاورة كالدروة وتيط مليل والسراغنة ومرشيش. أيام فقط على تفكيك عصابة مديونة، تواترت أخبار جديدة عن سرقات جديدة تعرض لها الحي الراقي «فال فلوري» بالبيضاء. وقد جرت هذه الواقعة العديد من المُشتبه فيهم إلى دائرة الشكوك والظنون. بعد شهر من التحريات المعقمة، وضعت الأجهزة الأمنية يدها على أفراد العصابة واحدا تلو الآخر. كانوا ينحدرون من مدينة سطات. تواترت فيما بعد الحوادث المرتبطة بالسطو على السيارات وسرقتها، والتي لم تخرج عن صورة «العمل المنظم»، بسبب تحول الأمر إلى سرقات كبيرة ومنظمة. فسر العديد من الباحثين في علم الإجرام، الطفرة المُسجلة في حوادث سرقات السيارات، بتطور الظاهرة الإجرامية ككل. اليوم تعكف المديرية العامة للأمن الوطني على بلورة استراتيجية أمنية قائمة على البعد الوقائي / الزجري للحد من تواتر المظاهر الإجرامية ككل، لكن أمام تطور أساليب اشتغال تلك العصابات المنظمة، يبقى التحدي الأمني في مواجهة «المد الجارف» العصابات السيارات، مفتوحا على كل الإحتمالات مستقبلا. القرصنة وانتحال صفة والتزوير تقنيات جديدة تبنتها عصابات سرقات السيارات لم يعد عصابات سرقة السيارات تعتمد على أساليب تقليدية في تنفيذ السرقات، إما عبر استخدام سلك حديدي وإدخاله إلى داخل باب المقود ومحاولة فتح صمام الإغلاق، ورفعه، أو استعمال شمعة الإشعال الخاصة بالدراجات النارية «بوجي» لتكسير زجاج السيارات ثم الولوج إليها، أو تكسير قفل الباب بواسطة مفك للبراغي، بل دخلت تقنيات جديدة للسرقة فرضتها التعديلات التكنيولجية التي أدخلها صناع السيارات، فبعض العربات أصبحت مفاتيحها تبرمج إلكترونيا عن طريق برنامج خاص وتحتوي علي قن سري خاص يميزها عن غيرها، أو في بعض الأحيان تم تعويض المفتاح ببطاقة إلكترونية للتشغيل كما هو الحال بالنسبة لبعض سيارات علامة رونو الفرنسية ك«لاغونا» و«ميغان»، ما فرض على عصابات سرقة السيارات انتهاج طرق وأساليب جديدة للسرقة تواكب التطور التكنولجي في عالم تصنيع السيارات، أو البحث عن طرق للاحتيال هذه التجديد التكنولوجي استثمرته عصابة جديدة تم تفكيكها بداية دجنبر على يد الشرطة القضائية لأمن الحي المحمدي. اقترفت عشرات السرقات بقطاع عين السبع الحي المحمدي، ما جعل العناصر الأمنية تدخل في سباق مع الزمن لتوقيف الجناة، سيما أن طريقة السرقة كانت تتم باحترافية وإتقان، دون أن ترك أية دلائل مادية بمسرح الجريمة، الشيء الذي رجح لدى الأمن أن السرقات كانت تتم بواسطة مفاتيح مزورة. تحقيقات الشرطة القضائية أفضت إلى التوصل إلى أول ضلع في العصابة، وهو شاب في 29 من العمر، كان يعمد إلى برمجة مفاتيح السيارات، لفائدة أفراد العصابة، ويتلقى مبالغ مالية عن كل عملية. تعميق البحث مع الموقوف مكن من الوصول إلى عنصر ثان من العصابة، وهو صانع مفاتيح، كانا ينسقان الأدوار فيما بينهما ويقومان ببرمجة مفاتيح سيارات خاصة بكل من «بوجو» و«ستروين»، تم حجز نماذج منها بالإضافة إلى حاسوب محمول يضم برنامجا مقرصنا لشركتي السيارات الفرنسيتين. تواصلت التحقيقات، إلى أن تم ضبط الضلع الثالث في هذه العصابة، الذي لم يكن سوى أحد المستخدمين بشركة فرنسية للسيارات، عمل على تزويد مبرمج المفاتيح بالأرقام السرية «كود» الخاصة بكل مفتاح، ما سهل عملية سرقة السيارات دون أن يثيروا شكوك حراس المرابد. ضلع رابع تم الاهتداء إليه في هذه العصابة، يتعلق الأمر بمشتبه به كان يقوم بتزويد المبرمج وصانع المفاتيح بمفاتيح غير المستعملة وبرمجتها من أجل السرقة. مغامرة العصابة الرباعية انتهمت بإحالتهم على أنظار النيابة العامة بتهم تكوين عصابة إجرامية٬ وتعدد السرقات الموصوفة والمشاركة وقرصنة برنامج معلوماتي، بعد أن تم فك لغز سرقات متعددة استهدفت سيارات فرنسية. حاجز أمني مزيف للسطو على السيارات دائما داخل دائرة سرقة السيارات. المفاجآت لا تنتهي. بعدما استوقفها «الحاجز الأمني» قرب غابة السندباد. انصاعت صاحبة السيارة الفاخرة لتعليمات رجل «الأمن». أوقفت سيارتها. حياها قائد الدورية، وطلب منها أوراق السيارة، بعد أن أشهر في وجهها بطاقة مهنية شبيهة ببطاقة الشرطة، فيما تكلف الدراجان بمحاصرة السيارة. الضحية كانت أشد دهاء، وفطنت إلى الحيلة، ثم قررت الذهاب إلى مخفر الشرطة سيدي عبد الرحمان رفقة «الدورية»، قرار جعل أفرادها يقررون الفرار بعد افتضاح أمرهم، والبحث عن ضحايا جدد. توقيف «الدورية» جاء بعد أن رصدت الشرطة القضائية لأنفا، سيارة تسيرة بسرعة في الاتجاه المعاكس لزنقة محمد الديوري الأسبوع الماضي. السرعة التي كانت تسير بها السيارة لم يحد منها إلا اصطدامها بأحد السيارات. تمت محاصرة المتهم، وتفتيشه، وعثر بجوزته على قطعة صغيرة من مخدر الشيرا وقرص مهلوس. كل المؤشرات كانت تشير إلى كون ما حدث ليس سوى حادثة سير تحت تأثير المخدر. ما تم حجزه داخل السيارة، كذب كل الفرضيات. مجموعة من بطائق التعريف الوطنية، بطاقات رمادية لسيارات مختلفة، أسلحة بيضاء، مدية كبيرة الحجم وهراوتين وحجرتين من الحجم الكبير، جعلت أمن أنفا يعتقله على الفور. تواصل بحث أمن أنفا، زادهم في ذلك البطائق الوطنية والبطائق الرمادية وشواهد التأمين الخاصة بالضحايا. تم الاستماع إليهم، وأفادوا جميعا تعرض سيارتهم للسرقة. أحد الضحايا كانت له رواية أخرى. أفاد أنه المتهم حاول سرقة سيارة ابنه إلا أن لم يتمكن من ذلك ولاذ بالفرار. ضحية أخرى تعرض لسرقة سيارة والده من نوع «رونو لاغونا من حد السوالم. أزيد من20 شكاية أحصاها أمن أنفا في حق الموقوف تمت بنفس الطريقة عبر انتحال صفة أمني وصنع حواجز أمنية مزيفة للضحايا. اعترف بعد مواجهته بالضحايا أنه اقترف مجموعة من السرقات بالدار البيضاء تحت تأثير الأقراص المهلوسة والشيرا. كانت له طريقة خاصة. عمد إلى تكسير زجاج السيارات وإزالة إطارها المطاطي، أو تكسير قفل الباب بواسطة مفك للبراغي. يستولي على مابداخل السيارة، استطاع سرقة « رونو لاغونا» من حد السوالم وبيعها لهم بملبلغ 4500 درهم. دخلت عناصر الدرك الملكي ببرشيد على الخط. حاولت البحث عن شريكيه الفارين واسترجاع السيارة المسروقة لكن دون جدوى. تأجير السيارات برخص سياقة مزورة عجز البعض عن تصور ما يمكن أن تنطوي عليه النفس البشرية، قابله اجتهاد غير مسبوق في تقديم سيناريوهات إجرامية محبوكة. نقطة النهاية في مسلسل سرقاتهم، لم تكن بالشكل المطلوب. فمجرد دقائق يسيرة كانت كافية، بأن ترسم لهم نهاية تعيسة. لم تكتمل فرحتهم بالسيارة الجديدة. دقائق استغلها أحد موظفي شركة لتأجير السيارات في ربط الاتصال بعناصر الشرطة القضائية لأمن الحي المحمدي، خاصة بعد تلؤكهم المفضوح، وتهربهم من إعطاء أجوبة شافية عن رخصة السياقة المقدمة. مغامراتهم انتهت بكشف ضلوعهم في عمليات احتيال واسعة على مسيري ومالكي وكالات تأجير السيارات بأحياء متفرقة بمدينة الدارالبيضاء. كانوا يستخدمون خلال عملياتهم المتعددة رخص سياقة مزورة، تحمل صورهم الشخصية. تحريات رجال الشرطة مكنت من التعرف على ثلاثة أشخاص ثبت ضلوعهم في تزوير رخص سياقة تحمل صورهم، ومعلومات مغلوطة عن هوياتهم الشخصية. كما اهتدت مصالح الأمن إلى التعرف على هوية شريك آخر، كان يتولى دور الوساطة في بيع السيارات المسروقة مقابل مبالغ مالية تترواح بين مليون و أربعة ملايين سنتيم. اعترف الموقوفين بعد البحث معهم، بتورطهم في عدة عمليات لسرقة السيارات، حيث كانوا يتقدمون لإحدى شركات تأجير السيارات، ويدعون رغبتهم في كراء إحداها، ويقدمون وثائق مزورة، قبل أن يختفوا عن الأنظار بعد انتهاء المدة المقررة في الإتفاق، ومعهم السيارة. وأوضحت مصادر أخرى أن المتهمين كانوا يستهدفون السيارات الخالية من وجود جهاز رصد المواقع الجغرافية، وذلك من أجل عدم إثارة الإنتباه، أو كشف مكان تواجد السيارة المسروقة. وتمت إحالة الموقوفين على الوكيل العام للملك باستئنافية البيضاء بعد انتهاء مسطرة البحث معهم، بتهم «تكوين عصابة إجرامية في مجال السرقة الموصوفة والتزوير واستعماله والنصب والاحتيال، وانتحال صفة ينظمها القانون والمشاركة». أكضيض«مديرية الأمن عازمة على تزويد موادرها البشرية بأحدث التقنيات لمواكبة تطور جرائم سرقة السيارات» 1 مؤخرا لوحظ تناميا مطردا لسرقة السيارات، كيف تتعامل الأجهزة الأمنية مع هذه النوع من الجرائم؟ سيما أنها تطورت، لترتبط بجرائم أخرى كتجارة المخدرات؟ أولا هذه الجرائم إن ارتفعت، فإن ما ارتفع فيها هو تفكيك هذه الشبكات، إذ تمكنت مصالح الأمن من تفكيك عدة شبكات مؤخرا، والسبب يرجع إلى التجديد الذي طال بنيتها في تدبير مجال الأمن، حيث ارتفع منسوب تفكيك هذه الشبكات الإجرامية، وذلك يعزى لكون المديرية العامة للأمن الوطني، استطاعت إعادة ترتيب أولوياتها الأمنية، فأغلب العصابات المختصة في سرقة السيارات تم تفكيكها داخل الدار البيضاء و هي من ضمن أولويات المديرية العامة للأمن الوطني، ونعلم أن المدير العام للأمن عقد مؤخرا اجتماعات موسعة مع المسؤولين الأمنيين في المدينة تناولت ظاهرة الإجرام في المدينة، حيث تعتبر بؤرته وعشه، ومن ضمنه سرقة السيارات لكون المدينة رئة المغرب الاقتصادية وقطب السيولة النقدية، ومنطقة لجب الاستثمار ويتربط بها الإسثمار، سيما أن البيضاء تتوفر حظيرة مهمة من السيارات سيما الفارهة تملأ شوارع المدينة. هذه المعطيات فرضت الأمن تطوير عدة تقنيات لمواجهة الإجرام بالمدينة إما الانتشار أو إعادة الانتشار، أو المراقبة المستمرة للنقط السوداء التي تكثر فيها سرقة السيارات، ما جعلها تنجح إلى حد ما هذه الأيام في تفكيك هذه الشبكات رغم قلة الامكانات اللوجسيتيكية، نتمنى أن يستمر هذا النجاح طول السنة، حيث تتطلب هذه المجهودات إمكانات مهمة بشرية وتقنية وصبرا طويلا كذلك. 2- سرقة السيارات لم تعد كالسابق، بطريقة يدوية أو تحت التهديد، بل أصبحت نوع جديد من العصابات يستعين بتقنيات حديثة كالمعلوميات عبر قرصنة برامج المفاتيح مثلا، ألا يفرض هذا التطور النوعي في هذه الجريمة، تطورا في طرق البحث والتقصي؟ في هذا السياق يجب أن نذكر أن التكنولوجيا دخلت المرفق العمومي من بابه الواسع، سواء داخل المديرية العامة للأمن الوطني أو داخل المؤسسات الأخرى، حيث واكبت المؤسسة الأمنية التكنولجيا الحديثة عبر توظيف مهندسين إعلاميين ، هذا بالإضافة إلى نوعية التكوين داخل المعهد المكي للشرطة، حيث تعمل المديرية العامة على تزويد المعهد بأحدث التكنولجيا والتجهيزات في إطار التعاون الدولي، وبالتالي ليس من الغريب أن ينجح الأمن في تفكيك هذه الشبكات، بعد أن جندت المديرية عقلها البشري في تعقب أثر هؤلاء المجرمين، خاصة في الدار البيضاء، لكونها محور التجربة في كل ما يمكن أن يطرح من استراتيجية أمنية على صعيد المغرب، كما أن المديرية عازمة على تزويد موادرها البشرية بأحدث التقنيات لتطوير أدائها ومواكبة تطور الجريمة بشكل عام وسرقة السيارات بشكل خاص، ومزيد من التكوين من خلال المعهد الملكي للشرطة. 3- من واقع تجربتكم الأمنية، ماهي التدابير التي تنتهجها المديرية العامة للأمن الوطني، للحد من الظاهرة والتحسيس ؟ حسب علمي، فإن انفتاح المؤسسة الأمنية على شركائها في محاربة مجال الجريمة، مازال باهتا، فإن المديرية العامة تطمح إلى ما هو أكثر مع الإعلام والمجمتع المدني، ولقد لاحظنا مؤخرا بعض الحملات التحسيسية بالمدراس حول حوادث السير أو الشغب، لكن كل ذلك مازال غير كاف ويحتاج إلى تقوية وشراكات قوية، وفي هذا الباب يجب على المديرية العامة للأمن الوطني مراجعة مجلة الشرطة، لكونه الباب الحقيقي للمؤسسة، والمرآة التي تعكس طموحات هذه المؤسسة، وبالتالي تكون الوجه الإعلامي الأول، وتقوم بالدور التحسيسي في مجال الأمن وخير وجه لتواصل المديرية مع الإعلام وانفتاحها على محيطها، وتسهيل الوصول إلى المعلومة، وعقد شراكات مع كافة المتدخلين.