الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة 6 دجنبر 2012 الجاري بتوسيت القرية التي تبدو شبه مهجورة من سكانها الذين هجروها نحو المدن من أجل البحث عن لقمة العيش بعدما حاصرتهم عطالة استمرت طويلا بعد إغلاق المناجم . البقية المتبقية منهم فضلت الإختفاء بالمنازل رافعة الراية البيضاء أمام البرد القارس الذي يجتاح المنطقة . وحده الحي الأروبي بقي صامدا أمام جبال حدودية تلقنه دروسا قاسية في فن البرودة وحي عمالي منهك بدت عليه آثار الزمن الغابر .الحي الفرنسي لا يزال يحتفظ بالقرمود الأحمر والملامح الأوربية التي تؤرخ لفترة ذهبية كانت من خلالها قرية تويسيت تعيش شبابها وقت استخراج الذهب والفضة والنحاس من مناجم كانت توفر دخلا محترما للمحليين والأجانب من الفرنسيين على حد سواء. ” انتهى كل شيء وتوقفت مسيرة تويسيت وسيدي بوبكر ” أفاد أحد المتقاعدين من المنجم لجريدة الأحداث المهربية مضيفا بأن المعاش الهزيل ينقذ في كثير من الأحيان الكارثة أمام عائلة بها أربعة شبان اضطرتهم الظروف إلى الإرتماء بين أحضان التهريب رغم خطورته أو البحث كباقي شباب القرية بين مخلفات المناجم المليئة بتهديدات خلفت أعدادا من القتلى في صفوف العاطلين والتلاميذ . تويسيت المنكوبة في نظر أهلها تعيش خاتمتها الأليمة حيث تحمل كفنها بين أيديها على حد تعبير أهلها في انتظار القادم المجهول من حدود ملغومة سبق أن تسللت منها جماعات إرهابية مسلحة زادت من محنة مواطنين بسطاء خيمت عليهم لعنة الإغلاق وموقع غادرته التنمية وأصبحت تتقادفه ويلات التهميش واللامبالاة ويتلاعب به مد الحدود وجزر عطالة قاتلة . واد الحيمر . سيدي بوبكر وتويسيت تعيش ظروفا حدودية واحدة وقاسم مشترك فتح المجال أمام انتحار محقق ببقايا الجحور المعدنية من أجل البقاء وترقب مستقبل مبهم ليست له نهاية . شبح الإغلاق لم يستثن مدينة جرادة أكبر مدن الإقليم حيث تنتصب منازل بأسطح حمراء مذكرة بأن المستعمر مر بالمكان وترك في الخلف أحياء عمالية لاتزال صامدة رغم اختلافها عن دياره المعروفة في جرادة بديور النصارى .انقض هاجس الإغلاق على آلاف العمال وتوصلوا بتعويضات توزعت ما بين مشاريع فاشلة أو شراء عقود عمل بالخارج أو وضع المبالغ المتحصلة عليها في الأبناك ليجد أصحابها بعد مرور السنين أنفسهم أمام أرصدة فارغة ينتظرون حلم معانقة التقاعد لعله ينقذ الوضع . في نفس الوقت وقعت اتفاقية اجتماعية باقتراح بدائل بعد إغلاق مناجم الفحم بجرادة التي كانت مصدر رزق آلاف العائلات حيث انطلقت محطة المقاومة بالتقشف وإرسال الأبناء إلى الخارج لتستمر القافلة رغم نزول الإيقاع المعيشي الذي وصل إلى الصفر .وضعية شجعت الشباب العاطل على ركوب مغامرة الموت بآبار الفحم الحرة أو ما يعرف بالسندريات حيث لقي عدد من العمال مصرعهم فيما البقية المتبقية عانقت عاهات بسبب الحوادث لازالت تعاني من ويلاتها . هذا ورغم تراجع الإقبال على العمل بباطن الأرض بسبب عدم التفاهم على ثمن الفحم المستخرج وقلة المخزون فإن جنبات المدينة لازالت تستقبل عددا مهما من العمال يحصلون على قوتهم اليومي عن طريق العمل بآبار الفحم الحرة حيث يعتمدون على أغصان الغابة المجاورة من أجل سير العمل العادي بباطن الأرض أين يواجهون أخطارا محدقة تجعل غالبيتهم ينطق بالشهادتين قبل الدخول لأن الأمر يتعلق بالمثل الشائع عندهم ” الداخل ميت والخارج حي” . لائحة طويلة من الضحايا امتلأت بهم مقابر المدينة في عهد شركة مناجم جرادة وبعد ذلك بالساندريات التي زادت من محنة عمال مجهولين يموتون في صمت بعيدا عن قانون الشغل وهم يضعون نصب الأعين قطعة خبز أسود مليء بالمرارة التي تطاردهم بالموت والإعاقة والأمراض المزمنة خاصة وأن كثيرا من الآبار سقطت وتم استخراج جثث الضحايا بعد عناء كبير . الناجون من العمال ينتظرهم على قارعة الطريق مرض السيليكوز المرض المهني الذي كان من وراء معاناة حقيقية بالنسبة لمرضى الشركة المغلقة حيث كثرت احتجاجاتهم من أجل توفير الأدوية والحفاظ على مصحتهم ابن رشد بجرادة وكذا المتابعة الصحية والنظر في المعاشات والمسائل الإدارية التي تثقل كاهلهم . أعداد لم تقوى على متابعة الرحلة الشاقة والمتعبة لينظافوا إلى لائحة الأموات ويتركوا المشوار القاسي لأرامل يصارعن من أجل إعالة أيتام تركهم أب غادر الحياة بعد أن مزقه المرض . اتفاقية اجتماعية أقبرت على حد تعبير بعض المرضى أكدوا للجريدة بأن المدينة تسير إلى الخاتمة الأليمة بغياب فرص الشغل وعودة غالبية مهاجري المدينة بإسبانيا الذين كانت تعول عليهم المئات من الأسر بسبب الأزمة الإقتصادية الخانقة هناك حيث أصبحوا يزاحمون الراكبين على سفينة النقل السري أو بيع المتلاشيات ومنهم من يعمل بآبار الفحم الحرة بالإضافة إلى واقع بيئي متدهور تساهم فيه المحطة الحرارية والنزيف الغابوي المستمر أمام الأعين المسؤولة دون تحريك ساكن خاصة وأن مساحات شاسعة من الغابات دمرت من طرف عمال الساندريات والمواطنين وأطراف تستغل الوضع من أجل نهبها .واقع كارثي حول المدينة إلى بؤرة للإحتجاج حيث حطمت أرقاما قياسية في الوقفات الإحتجاجية والإعتصامات والبيانات والبلاغات والمعركة مستمرة حسب أهلها في انتظار القادم المجهول وما يحمله من مفاجآت على حد قولها .