«يوسف في بطن البركة». ليس الأمر استعارة ولا اقتباسا من الأحداث القديمة أو التراثية. قصة اليافع ذي الأربع عشرة ربيعا، حديثة وجديدة. مأساة لا تستدعى شخصية تراثية لتحاكيها، ولا تقتبس من مأثور القول لتضاهيه. هي قصة جرت أطوارها في ليلة ليست كمثيلاتها. ليلة اليوم الأول من نهاية الأسبوع الماضي. يوسف رقد ليلة كاملة في عمق البركة. لم يهو الغطس يوما، ولم يقدم على خوض مغامرته. لكن تصاريف الأقدار فرضت عليه المبيت تحت الماء. قطع أنفاسه، وعندما استقر في القعر فاضت روحه. منذ مساء السبت سابع عشر نونبر سقط اليافع «يوسف»، في بركة طبيعية تشكلت مياهها من الأمطار. ولأن يوم سقوطه صريعا كان ماطرا، تعذر إنقاذه على كل من حاول الاقتراب من المكان، مخافة أن تزل الأقدام فتلتحق بالضحية في القعر العميق. كان يوسف، الذي يحمل كنية خطاب، يسير على مقربة من الحفرة العميقة، مساء السبت الماضي. خرت قواه، فزلت به الأقدام إلى الأسفل، ليجد نفسه وسط المياه العميقة للحفرة المهملة، التي ارتفع منسوب مياهها خلال السنوات الأخيرة. في منطقة صخرية، كانت إلى أمد قريب عبارة عن مقلع للأحجار والأتربة التي تستغل في تعبيد الطرقات، كانت نهاية هذا اليافع. يوسف هو ثالث أبناء أسرة، من الزوجة الثانية لأبيه. بعد أخ رابع من زوجة سابقة. غادر بيت الأسرة، بعد أن غادر قبل سنوات صفوف الدراسة التي لم يفلح في التفوق فيها. عاش إلى جانب أسرته في حي اعتبر منذ عقود تجمعا سكنيا ضم -في الغالب- عمال ومستخدمي مقلع «كاريان بنعبيد»، الذي عرفت المنطقة باسمه. فحتى بعد أن تحولت بعض المساكن إل تجزئات سكنية وفق تصاميم، رفض مسمى “الكاريان” أن يرتفع عن المنطقة. استمرت المساكن الحديثة والقديمة، تحمل نفس الاسم «كاريان بنعبيد». بعد حوالي أربع عشرة ساعة قضاها يوسف خطاب، في قعز مياه البركة. تمكنت الوقاية المدنية من انتشال جثه، التي ظهرت عليها آثار الدماء، بفعل سقوطه في منحدر يعج بالأحجار. وبإشراف الدرك الملكي تم نقل الجثة إلى مستودع الأموات الرحمة، لعل التشريح الطبي يكشف أسباب الوفاة، وتفاصيل إزهاق روح يافع كان يهوى المكوث قرب البركة التي تغري مياهها بالجلوس إلى جانبها، لكن الأعماق تتبتلع كل من حاول السباحة، أو خرت به الأقدام إلى القعر.