ملف شائك غريب وخطير، الأجهزة الأمنية والقضائية تحاول فك طلاسيمه منذ سنوات. إنه الملف الذي بات يعرف بملف عقارات الأجانب في المغرب 0 القضية طفت على السطح منذ خمس سنوات وأكثر ، لكنها تفجرت مع بث شريط فيديو على موقع يوتوب، الشريط مدته خمس دقائق عبارة عن نداء موجه إلى الملك محمد السادس، من طرف مواطن فرنسي من أصول يهودية ، يدعو إلى إنصافه وحماية حقوقه التي انتهكت واستعادة فيلا في ملكية خاله الذي عاش وتوفي بالدارالبيضاء وتقدر قيمتها بالملايير . صاحب الشريط يدعى «جيرار بنيطاح»، فرنسي يهودي من مواليد فاس، في 71 من العمر، تابع دراسته الأولية بفاس، وسنة واحدة من التعليم الجامعي في كلية العلوم بالرباط، قبل أن يغادر إلى الديار الفرنسية لمتابعة تكوينه في المجال الطبي. برز اسمه كواحد من الأطباء المميزين تخصص أمراض القلب بفرنسا، كما أنه أصبح رئيس الطائفة اليهودية في «بيربيميان» وبالرغم من ذلك لم تنقطع علاقته بالمغرب، وكان يزور خاله وزوجته في الدارالبيضاء، كما أنه يحتفظ بذكريات جميلة عن طفولته وشبابه في مدن فاس والرباط والبيضاء والمحمدية . صاحب الفيلا تلك يدعى «جورج بريسو» وزوجته أولغا فورتيني قضيا عمرهما في مسكنهما الجميل (حلم سرطان البحر)، فيلا على مساحة 3421 مترا مربعا أمام منتجع تايتي بعين الذئاب 0 بريسو بدوره كان طبيبا شهيرا في منطقة الحي المحمدي، منذ أيام الحماية الفرنسية، اشتهر بتقديمه المساعدة والعلاج لكل أفراد المقاومة وأعضاء جيش التحرير، ما جعله يحظى بمكانة واحترام خاصين، في قلوب أبناء الدارالبيضاء والحي المحمدي، بل إنه حظي بمكانة خاصة حتى لدى الراحل الحسن الثاني، وهو لايزال وليا للعهد آنذاك، حيث راسله عدة مرات ببطائق مجاملات وتهنئة في رأس السنة وغيرها من المناسبات. «بريسو» وزوجته أولغا كانا ثريين جدا، وليس لديهما أبناء، قضيا كل حياتهما بالمغرب، وقد اختارا قريبهما «جيرار بنيطاح» وارثا لهما بمقتضى عقد وصية، سجل بتاريخ 30-06-2004 بالقنصلية الفرنسية بالدارالبيضاء، وأودع لدى موثق السفارة ببرشيد، وقد جاء اختياره نظرا لرغبته الكبيرة التي عبر عنها مرارا المتمثلة في قضاء تقاعده بالمغرب، كان العجوزان قد ناهزا التسعينات من العمر، وأصيبت «أولغا» بالعمى، بينما زوجها يعاني من مرض الزهايمر، وفي غياب من يدافع عن مصالحهما أصبحا هدفا سهلا 0 كل شيء بدأ مع وفاة «أولغا» بتاريخ 1 شتنبر 2007، ثلاثة أيام بعدها حضر « جيرار بنيطاح» مراسيم الجنازة، لكن حارس الفيلا فاجأه برفع مقال استعجالي إلى رئيس المحكمة الابتدائية، يشير من خلاله إلى أن «أولكا فورتني» وزوجها الدكتور «جورج بريسو»، الذي يعد من أشهر الأطباء بمنطقة الحي المحمدي، قد حررا له وصية ببيع تركتهما له باعتباره خادمهما المطيع منذ 30 سنة، وأنه كان يتعهدهما بالعناية طوال سنواتهما الأخيرة، حيث تقدم بطلب استعجالي للحجر على الطبيب اليهودي، ليتم تعيين مفوض قضائي للسهر على تدبير ثروة جورج بريسو 0 هذا السيناريو تغير كليا بظهور أحد الأشخاص، تقدم بوكالة في سنة 2007، تؤكد أنه وارث للفيلا المذكورة، حيث ادعى أنه وصي على كل ثروة بريسو. جيرار بنيطاح اكتشف متأخرا أن فيلا خاله قد تحولت إلى ملكية أشخاص آخرين بأوراق يعتبرها مزورة، قبل أن يتم إعادة بيعها لشخص ثاني، الثمن الذي تم به تفويت الفيلا لم يتعد مليار سنتيم، علما أن قيمتها الحقيقة تتجاوز 11 مليار سنتيم ، في 19 شتنبر2011 توفي أيضا «جورج بريسو » ليتحول الأمر إلى صراع مفتوح بين طرفين، كل منهما يدعي أحقيته في ميراث جورج بريسو. ليست الفيلا وحدها التي تعرضت لعملية الاستيلاء، بل إن بريسو اكتشف أيضا أن مبلغ 4 ملايير سنتيم تم تحويله من وكالة بنكية بالدارالبيضاء من طرف موثق لفائدة الأشخاص الذين ادعوا أحقيتهم في تركة الطبيب بريسو، كما أن كل الخزانات الحديدية في المنزل، قد تم إفراغها من الحلي والأشياء الثمينة التي كانت بحوزة صاحبي الفيلا قبل وفاتهما، نفس الأمر بالنسبة للوحات زيتية نادرة وتحف فنية، حسب ما كشف عنه الخبير المعين من قبل المحكمة، والذي وجد أن الخزائن كلها فارغة، والتي كانت تضم خاتما بيع في المزاد العلني بباريس تصل قيمته إلى مليون دولار، نفس الأشخاص حاولوا ربط الاتصال بأحد الأبناك السويسرية من أجل تحويل مبلغ للهالك بقيمة 30 مليار سنتيم لكن البنك السويسري رفض بشكل قاطع إجراء هذا التعامل السابق. كيف يمكن لرجل في التسعين من العمر، يعاني مرض الزهايمر على كرسي متحرك، وفي حالة ذهنية وجسدية متدهورة أن يوقع وكالة أو وصية لشخص آخر من الناحية القانونية ؟ وكيف لمسلم أن يتحول إلى وارث من شخص يهودي ؟ معركة قانونية استمرت منذ ذلك التاريخ، طرق خلالها الطبيب الذي اكتشف عملية الاستيلاء على ثروة خاله، أبواب القضاء المغربي ، قبل أن يقرر بث شريط فيديو موجه للملك محمد السادس، حيث تساءل عن الطريقة المثلى « لتوقيف عصابة تتمتع بحماية قضاة ومحامين رجال أمن وموثقين … » على حد تعبيره ؟ في بداية السنة الجارية تقدم جيرار بشكاية لدى الوكيل العام للملك بالدارالبيضاء، أحالها بدوره على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لتعميق البحث في القضية، ومن ثم أحالها على وكيل الملك، الذي أحال الملف بدوره على سرية الدرك الملكي بعين السبع، حيث ظلت الأخيرة تشتغل على الملف لشهور، بشأن الاشتباه في الاستحواذ على فيلا في ملكية يهودي، مقامة فوق ثلاثة رسوم عقارية، تبلغ مجموع مساحتها 3421 مترا مربعا، حيث يضم هذا الملف وثائق يشتبه في أنها مزورة تم بناء عليها تملك العقار المذكور 0 وقبل ثلاثة أسابيع فقط، عرض على وكيل الملك باستئنافية البيضاء ثلاثة رجال أعمال، اثنان تقدما بالوكالة للتصرف في ثروة بريسو، كما تم استدعاء موثق ومحامي في نفس الملف ، قبل إحالتهم على المحكمة الاستئنافية بعين السبع، ليتم تحديد أسبوع لدراسة الملف، والتهمة هي تكوين عصابة إجرامية والتزوير واستعماله، وفي صبيحة الأربعاء الماضي، عرض المشتبهون الثلاثة على أنظار أربعة نواب للوكيل العام للملك بالمحكمة الاستئنافية للاستماع إليهم في شكاية بتهم تزوير أوراق فيلا يهودي بعين الذئاب، قبل أن يتقرر بعد الزوال متابعتهم في حالة اعتقال، في الوقت الذي قررت فيه أيضا متابعة موثق ومحام يشتبه في كونهما من أعضاء شبكة متخصصة في تزوير عقارات الأجانب، أما حارس الفيلا فهو في حالة فرار 0 دفاع المتهمين بدوره يؤكد سلامة التفويت وانعدام التزوير بناء على مجموعة من القرائن، منها أن الوصية التي تقدم أحد المتهمين وقع الإشهاد عليها من قبل موظف بالقنصلية الفرنسية بالدارالبيضاء، وهو الموظف الذي توفي قبل سنة ونصف، كما وجهت للمشتكي «جيرار بنيطاح» تهمة مضادة تتعلق ببيع فيلا أخرى في ملكية «بريسو» بفرنسا، عن طريق وكالة يعتبرها دفاع المتهمين مزورة بقيمة 750 مليون سنتيم، على اعتبار أنهم وحدهم يحق لهم التصرف في تركة المتوفى وأنهم يتوفرون على وصية صحيحة. منذ اعتقال المشتبهين ضرب طوق من التكتم على الملف ، ولم تعد تتسرب أي أخبار حول الملف ، كما تضاربت الأنباء بشكل كبير ، حول اعتقال موثق ومحامي في الملف، أو استدعائهما من قبل النيابة العامة وتخلفهما عن الحضور، وكذا فرار حارس الفيلا، مما يفتح الباب على عدة تكهنات ، لكن الملف الآن بيد القضاء وهو من ستكون له الكلمة الفصل . العدالة الفرنسية تطارد شبكات العقار بالمغرب في قضايا مخدرات في انتظار فصل القضاء المغربي في هذا الملف الشائك ، حصلت «الأحداث المغربية» على نسخة من حكم قضائي فرنسي صادرعن المحكمة العليا لباريس بتاريخ 14 يونيو 2012، يكشف الحكم أن المتورطين الرئيسيين في الملف المتعلق بفيلا «جورج بريسو»، لايزالون مطاردين من قبل العدالة الفرنسية، في إطار عمليات تهريب المخدرات ضمن شبكة دولية تضم عددا من الجنسيات، وتحديدا تهريب المخدرات من المغرب باتجاه فرنسا، الحكم الغيابي تضمن أحكاما بالسجن تصل إلى 3 سنوات والغرامات وحجز الممتلكات مع التجريد من الجنسية الفرنسية، وكذا المنع من دخول التراب الفرنسي بشكل نهائي . مصالح الأمن الفرنسي كانت تتابع تحركات هؤلاء الأشخاص منذ تاريخ 30 يوليوز2001 حيث تلقت فرقة مكافحة المخدرات بباريس معلومات حول مجموعة من المغاربة في باريس، يقومون بتوزيع كميات من المخدرات، وأن زعيم الشبكة يحمل اسم « حميد» وهو اسم حركي فقط. بسرعة توصلت المصالح الأمنية الفرنسية إلى الهويات أفراد الشبكة. الاستعلامات الفرنسية من جهتها رصدت تحركات هؤلاء الأشخاص في باريس، وكشفت أن جل العمليات كان يعقبها استثمار الأموال المحصلة في المجال العقاري بكل من المغرب وفرنسا وإسبانيا. الأموال المحصلة من هذه العمليات يتم إرسالها إلى المغرب مجددا لتمويل عمليات جلب المخدرات نحو فرنسا، فيما يوظف الباقي منها لتمويل عمليات شراء العقارات في عمليات تبييض مكشوفة. نشاط آخر رصدته المصالح الأمنية الفرنسية لا يقل عن سابقه، يتمثل في صرف العملات وتنويع المعاملات بين تحويلات مباشرة وشيكات وغيرها من الأورو إلى الدرهم المغربي وباقي العملات الأجنبية، التي كانت توظف أحيانا كثيرة في عمليات عقارية خارج المغرب، تحركات الشبكة التي تضم مغاربة ومصريين وجزائريين ومن جنسيات أخرى (تتحفظ الجريدة على ذكر أسماء أفرادها) ، كانت تتم تحت عيون المصالح الفرنسية بتعاون مع المصالح الإسبانية، كما تم رصد بعض عمليات الاختطاف بين أعضاء الشبكة نتيجة الخلاف حول مبالغ عمليات تهريب المخدرات. شهران فقط بعد كشف نشاط الشبكة المذكورة، كان المتورطون في قضية فيلا بريسو بالدارالبيضاء، قيد الاعتقال وقضوا مددا مخففة تتراوح بين 4 أشهر و 7 أشهر، أحد المعتقلين أربك الأمن الفرنسي من خلال التصريح أنه يعمل لفائدة جهاز (الديستي) الفرنسي، وقدم بعض المعلومات لعميد شرطة في الدائرة 19 بباريس، وهي المعلومات التي كان هدفها اختراق بعض شبكات المخدرات المغربية قبل أن يتبين عدم مصداقية هذه الادعاءات فيما بعد . لكن السلطات الأمنية الفرنسية كانت تسعى إلى جعلهما طعما للوصول إلى زعيم الشبكة، وبالفعل تم الإفراج عنهما بعد تأدية كفالة، إلا أن المفرج عنهما قاما بتمويه الأمن الفرنسي، واختفيا عن الأنظار حيث قاما بمغادرة التراب الفرنسي بطريقة غامضة ومتفرقة أواسط سنة 2002 و 2003 قبل أن تكتشف المصالح الفرنسية تواجدهما بالدارالبيضاء ، ومنذ ذلك التاريخ وهم ملاحقون من قبل المصالح الفرنسية. خلال كل هذه المدة، ظل هؤلاء الأشخاص يتعاطون النشاط العقاري خاصة عقارات الأجانب، ما جعل جهاز الأنتربول بدوره يتنبه إلى هذا الأمر، ويفتح عينيه على نشاط هؤلاء الأشخاص قبل أن يصدر مذكرات بحث دولية في حقهم، بتاريخ 30 نونبر 2007 دون أن تنفذ أيا منها، وهو ما يطرح عدة تساؤلات حول عدم اعتقالهم بالمغرب، رغم أنهم كانوا طوال هذه الفترة بالمغرب يجرون عدة تعاملات إدارية وعقارية وحتى دعاوى قضائية بشكل علني ؟ المصالح الفرنسية واصلت تحرياتها وأبحاثها، للوصول إلى هدفها من خلال التنصت على كل المكالمات الهاتفية، لعناصر الشبكة ومراجعة التسجيلات وترجمتها من العربية إلى الفرنسية، وكذا إحصاء كل الرحلات والأسفار وعمليات التهريب منذ سنة 2001 والمبالغ المتحصلة عنها، من قبل المحققين في مجال الاتصالات، كلها تؤكد تورط المتهمين في مجال تهريب المخدرات، سواء تعلق الأمر بالهواتف في فرنسا أو في الخطوط المغربية لهؤلاء المتابعين، وبالفعل أصدر القضاء الفرنسي حكما غيابيا في حق المتهمين في فيلا بريسو ثلاث سنوات مع غرامات والمنع من دخول التراب الفرنسي، كما أن الأنتربول مازال يلاحق المتهمين، اللذين يوجدان حاليا بيد القضاء المغربي . عبد الواحد الدرعي