واللاءات في التفكير النقدي لها شروطها ومتعلقاتها ونتائجها، وهي لاءات غير مجانية وغير هشة، مبنية على الحقائق الموضوعية والعلمية والوقائع الحسية وعلى المقولات العقلية المنطقية. لا يمكن القبول بها إلا وهي صلبة قوية، تدافع عن نفسها ببنائها الموضوعي والوظيفي الناجح في الإقناع الحتمي المستند للدليل والحجة والبرهان. وإلا فهي لاءات مرضية خطيرة تسري في الثقافة الشعبوية والسطحية سريان السم في الدم، وتتخذ منطق اللا من أجل اللا في تحقيق الأهداف الضيقة على حساب الغايات الكبرى. مغلفة إياها بهالة من المقولات الرنانة والطنانة، ومدعمة إياها باحتفالية غبارها يعمي الأبصار والبصائر، وجوقة مادحة مهللة، ومؤسسة ممانعة مبررة وربما متبنية مدافعة! ولاءات بعض أهل التربية والتكوين أخطر عليها من ممارسة سياسوية محدودة في الزمن والمكان والنتائج، لأنها لا تنحصر في الزمن والمكان، بل تشكل العقليات والممارسات والثقافات، وتمتد لأجيال وأجيال، وتحرف الهدف والمسار والنتيجة، وتأسر التربية والتكوين في بوتقة التخلف والأمراض والعقد من جميع الأصناف والدجل الفكري والخرافة المعرفية. واليوم؛ لا يعتقدن بعض أهل التربية والتكوين أنهم يمارسون مهنتهم خارج إطار المجتمع الذي أصبح أوعى بأهمية التربية والتكوين في حياته عامة وحياة أبنائه خاصة، وأدرى بالواجب المهني المنوط بهؤلاء تجاه أبناء الوطن، الذي يتطلب القيام به على الوجه الأصوب والمسؤول. ولم يعد المجتمع المغربي خارج معرفة ما يجري داخل المؤسسات التعليمية والوزارة، فقد أضحى مهتما بكل ما يهم أبناءه ومعني به، ولعل ما سجل من مكالمات على الرقم الأخضر دليل على هذا الاهتمام. وما انتشار جمعيات أمهات وآباء وأوليات التلاميذ وتدخلاتها الإيجابية في دعم المؤسسات التعليمية لحجة أخرى على الاهتمام والعناية التي يحيط المجتمع أبناءه بها. كما أن وسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة لم تبق شيئا مستورا ولا داخلا في المحرمات والمقدسات. وأصبحت الوقائع والحقائق التربوية واضحة وظاهرة للعيان لنتعلم منها على حد قول هيغل، ومن ثمة لا يستغفلن أحد أحدا. فالجميع واع بما يدور في المنظومة التربوية والتكوينية المغربية، وله رأي وموقف مما يجري فيها. وسيحاسبنا التاريخ بتلك اللاءات المرضية على إخفاقنا في إنجاز النقلة النوعية التي يتطلبها تعليمنا. ولن تغفر لنا الأجيال ذلك. ومنه، فالنقد الذاتي والخارجي يجب أن يكون سندا لنا في تجاوز اللاءات المرضية إلى اللاءات التصحيحية الواعية بدورها في صناعة التغيير والتجديد والتطوير، وصناعة الإنسان المقتدر. ومن اللاءات التي أجدها لا تنبني على مقومات قوية، ولا على حقائق حسية وعلمية ووقائع معيشة يسندها العقل والمنطق لاءات الإطلاق العام والأحكام العامة. ومنها مثلا لا حصرا: ” لا ” لشبكة التقويم المهني، الانطلاقة الأولى الفعلية التي دفعت الوزارة إلى التخلي عنها بطريقة دبلوماسية، والتي أدخلت الوزارة والمنظومة معها في سلسلة اللاءات التي لا تطرح مسوغات القول بها ولا البدائل عن موضوعاتها وأطروحاتها! فشبكة التقويم، وبعيدا عن النقد الموجه إليها، كانت ستؤصل التقويم المهني على معايير ومؤشرات ومرجعيات واضحة، تشكل عقدا مهنيا بين المقوم والمقوم. وبالتالي، فالقول نحوها ب ” لا ” جناية عليها وعلى موضوعها الذي يشكل مساحة للبحث المعرفي بجملة أسئلة من قبيل: في غياب مرجعية للتقويم، وبالتالي غياب عقد مهني بين المقوم والمقوم. ألا يمكن أن تشكل هذه الشبكة مرجعية للتقويم نحتكم إليها لمعرفة ما لنا وما علينا من أجل تطوير ممارستنا؟ ألا يمكنها المساهمة في إنشاء تقويم موضوعي مبني على أسس علمية داخل علم التقويم؟ ما عائدها على الممارسة الميدانية؟ وفي أي اتجاه؟ وبالتالي: ما قيمتها المضافة في الأداء المهني؟ ما إيجابياتها، وما سلبياتها التي تبرر الإبقاء عليها أو حذفها؟ هل نملك دراسات ميدانية ذات نتائج ملموسة وواقعية تفيد إيجابيتها أو سلبيتها؟ … وعليه؛ كان الأجدر بنا أن نتركها تأخذ فرصتها أو على الأقل نطبقها على عينة محدودة لتقرير صلاحيتها من عدمها، حتى نشهر في وجهها اللا!؟ التي لم تمنحها فرصة النزول إلى الميدان والتطبيق، بل أجهضتها في مهدها! وقس على ذلك اللاءات التالية: لا للمذكرة 122؛ لا لدفتر تتبع التلميذ؛ لا لبيداغوجيا الإدماج ومتطلباتها … لا للمراسلة الوزارية رقم 2156/2؛ لا للرقم الأخضر ولا لمقرر الوزير رقم 299/12. ففي هذه اللاءات؛ أين العقل والحكمة والمنطق في دراسة مواضيعها حتى تكون مبنية على صرح متين من العلمية والموضوعية المقنعة؟ وبالتالي، فهي لاءات هشة سيحاسبنا المجتمع على قولها. ولا نملك بين أيدينا دليلا ندافع به عنها؟ ويا ليتنا ارتفعنا إلى مستوى الفكر العلمي والمنهجي الضابط لمقدماته ونتائجه. فنوسم في المجتمع بما يوسم غيرنا به من الرزانة العلمية!؟ فترى أي فكر وأي منهج وأي قول نعلم أبناءنا؟ ونحن لا نملك نظرة أعمق وأشمل إلى متطلبات وشروط ودلالات اللا ومواقع تنزيلها، ولا نملك الوظيفة التحليلية في فكرنا التربوي والتكويني. وبالله العون والسداد.