الرابعة فجرا من أحد أيام أبريل الماضي، عناصر دورية تابعة لسرية الدرك الملكي بالناظور، يتلقون إخبارية عاجلة، ويتحركون على عجل بسيارتهم الرمادية المميزة نحو إحدى الأراضي المنبسطة القريبة من دوار عين زهرة (نواحي الدريوش) بإقليم الناظور. كان ضوء المصابيح الأزرق يجعل من تعاريش الممرات الضيقة عوالم تثير الخوف والهلع في النفوس. لكن عزائم الدركيين كانت أقوى من وقع الأحاسيس الموحشة، فقط نظراتهم الحادة، كانت كافية بأن تعطي الانطباع عن حساسية المهمة. بعد مرور نصف ساعة، حل الدركيون بمسرح الواقعة المثيرة. سُلطت المصابيح القوية على الجنبات المترامية، كما سهرت فرقة خاصة بكلابها المدربة بساحة مجاورة على وضع حد للتكهنات المتنامية، لكن لا شيء يسترعي الانتباه. في الوقت ذاته، كانت الروايات المتناسلة عند سكان الدوار حول تفاصيل الحادثة، تحمل سياقا مخالفا، مما جعل إمكانية رسم نهاية كاملة لحقيقة الحادثة أمرا مستعصيا. وُضع الملف بيد الفرقة الوطنية للأبحاث القضائية للدرك الملكي، وموازاة مع ذلك، كان محققو المكتب الوطني لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، يحاولون بمعية مفتشين من جهاز الشرطة الدولية الجنائية (الأنتربول) جمع أكبر قدر من المعطيات حول المطار السري المكتشف، وأحد المبحوث عنهم دوليا في قضايا الاتجار الدولي في المخدرات. كان أزيز الطائرات، والأضواء الساطعة التي يتم وضعها من أجل تنوير المدرج، كثيرا ما يدفع بأفراد من الساكنة إلى محاولة استجلاء حقيقة الأمر. لتُشكل إفادات السكان في الأخير مفتاحا للتحريات الأولية، حيث تم الكشف عن توالي عمليات تهريب ليلية للمخدرات، كما تم الاهتداء إلى المكان الحقيقي للمطار السري عبر رصده بالأقمار الاصطناعية. بقيت المعطيات الأخيرة حبيسة سرية التحقيق لمدة طويلة، قبل أن تكشف ملابسات تفكيك الشبكة الإجرامية الأخيرة عن ترابطات وامتدادات دولية متشعبة بين بارونات الداخل، وغيرهم بالساحل الإسباني الجنوبي، إضافة إلى القائمين على أنشطة تبييض الأموال بكل من المغرب وبلجيكا وهولندا. محمد كريم كفال