على عكس غالبية الحوامل اللواتي تجعلهن حالة الوحم التي تصيبهن في الشهور الأولى من الحمل يشتهين تناول ألذ المأكولات وأطيب أنواع الفواكه، تولدت لدى هؤلاء الزوجات رغبات عجيبة في تناول مواد يثير بعضها اشمئزاز عامة الناس. فلم تتردد بعضهن في تناول الغبار والأتربة، بينما تحولت أخريات إلى مدمنات على تناول الغاسول ومص الحصى، ما جعلهن عرضة للسخرية وجر عليهن سيلا من الانتقادات من طرف أزواجهن وأقاربهن. غير أن رغباتهن الغريبة كانت أقوى من أن تخمدها الانتقادات، فقررن الاستمرار في تناول تلك المواد متجاهلات نصائح كل المحيطين بهن في انتظار أن تنقضي فترة الوحم. تصرخ في وجه خادمتها بمجرد أن تراها تحمل في يدها منشفة مبللة وتهم بمسح وتنظيف الأسطح والزوايا داخل المنزل من الغبار الذي يلوثها. مشهد يثير التساؤل والاستغراب في نفس كل المقربين من هناء، ففي الوقت الذي تشترط فيه ربات البيوت على خادماتهن القيام بمهام الكنس والتنظيف على أكمل وجه، يكون الغضب والاستياء سيد الموقف في حالة الزوجة الحامل عند قيام خادمتها بتلك المهام. تتوحم على الغبار! هناء ذات الثامنة والعشرين عاما التي تخوض تجربة الحمل للمرة الأولى لا تتصرف على هذا النحو بسبب كرهها للنظافة، بل لأنها وجدت نفسها مع بداية أشهر الحمل تشتهي تناول مواد غريبة لم يخطر ببالها في يوم من الأيام أنها ستقدم على تناولها، فلقد صارت تمسح بإصبعها الأسطح وأطراف الأبواب، وتلعق ما علق به من غبار وأتربة، لذلك أصبحت تأمر الخادمة بعدم تنظيف الأبواب والأسطح، حتى يتراكم عليها الغبار، كي يتسنى لها أن تلعق في كل مرة كمية الغبار التي تطفئ رغبتها العجيبة. «تلك الرغبة أقوى مني ولا أستطيع مقاومتها» تقول هناء، فهي لا تكتفي بلعق الغبار الذي تحتضنه أرجاء منزلها بل تمسح بأصابعها الغبار الذي يغطي الأسطح في أي مكان تقصده، ما يجعلها عرضة للسخرية في كثير من الأحيان من طرف أقاربها وصديقاتها الذين يلومونها ويوبخونها على تلك العادة، ويطالبون بالإقلاع عنها، وهي النصيحة التي تؤكد الزوجة بأنها لن تستطيع العمل بها في الوقت الحالي. «كنت أتمنى أن تشتهي زوجتي تناول الأطعمة اللذيذة بدلا من الغبار» يقول زوج هناء، فهو لا ينكر أن رغبة الأخيرة في لعق الغبار تثير الاشمئزاز في نفسه أيضا، لكنه في الوقت ذاته لم يجرؤ على مطالبتها بالإقلاع عن تلك العادة، لأنه يخشى من أن يكون ذلك سببا في ظهور زائدة جلدية أو تشوه على جسم المولود المنتظر في حال لم تتحقق رغبة هناء في الحصول على ما تشتهيه، حتى وإن كان الأمر يتعلق بمواد ملوثة، لذلك فضل احترام رغبتها ما دام الأمر لن يستمر بعد فترة الوحم. تأكل الغاسول! لا تقل حالة الوحم بالنسبة إلى سعيدة غرابة عن حالة هناء فهي بدورها تجد نفسها عاجزة عن كبح جماح رغبتها في تناول الغاسول الذي تستعمله النساء عادة كقناع للحفاظ على جمال شعرهن، وتحرص على اقتناء كميات منه كلما سنحت لها الفرصة بذلك، حتى تتلذذ بأكلها داخل المنزل بعيدا عن أعين الجميع بمن فيهم زوجها، خوفا من أن تتعرض لانتقادات من طرفهم. «أصبحت أفضل طعم الغاسول على طعم الشكولاتة» بنبرة مرحة تتحدث سعيدة ذات الثانية والثلاثين عاما عن تجربتها الأولى مع الحمل، والتي قادتها حالة الوحم التي ترافقه إلى تناول الغاسول وأحيانا بعض القطع والأواني المصنوعة من الفخار. لن تستطيع سعيدة إخفاء ميلها إلى أكل الغاسول لوقت طويل، فسرعان ما سينكشف أمرها عندما يضبطها زوجها في أحد الأيام بالمطبخ وهي تتناول إحدى قطع الغاسول، ليبوخها بشدة على ذلك التصرف، ويطالبها بعدم تكراره حتى لا تلحق الضرر بنفسها وبالجنين الذي تحمله داخل أحشائها. بالرغم من توبيخ زوجها لها في ذلك اليوم، مازالت سعيدة تصر على الاستمرار في تناول الغاسول إلى أن تنقضي فترة الوحم، لأن الأمر بالنسبة إليها صار خارج السيطرة، كما أنها لا ترى أي مبرر لعدم تناوله، خاصة أنه لم يسبب لها أي مضاعفات أو تأثيرات سلبية. تمص الثلج والحصى! «في تجربة الوحم الأولى كنت أحب أن أمص الحصى، أما في حملي الحالي فصرت أشتهي أيضا مص مكعبات الثلج»، تقول إيمان ذات الثلاثين عاما، مرجعة السبب إلى تزامن فترة الوحم لديها مع الحرارة الشديدة التي عرفتها شهور الصيف الأخيرة، والتي جعلتها تمص ما يزيد عن عشرين معكب ثلج خلال اليوم والواحد، وعندما لا تحصل على تلك المكعبات، فإنها تضطر لجرف طبقات الثلج التي تتكون داخل مجمد الثلاجة بالملعقة، ثم تتلذذ بمصها. عندما لا تكون إمكانية مص مكعبات الثلج متاحة أمام إيمان، خاصة إذا كانت خارج البيت أو ترافق أفراد أسرتها الصغيرة إلى الشاطئ ، فإنها تجد العزاء في الحصى والأحجار ذات الملمس الناعم المتناثرة على الأرض، التي تنتقيها بعناية، فتعمد إلى مسحها قبل أن تضع إحداها بفمها وتقضي ساعات في مصها مؤكدة أن ذلك الأمر يجلب لها متعة ولذة توازي متعة تناول السكاكر. إصرار إيمان على تناول مكعبات الثلج كان له تداعيات سلبية على صحتها، بحيث أصبحت تلازمها طوال اليوم آلام حادة على مستوى البطن، ما جعل أصوات الغضب تتعالى داخل عائلتها، التي يحاول كل أفرادها بسبب قلقهم إزاء وضعها الصحي إقناعها بالكف عن استهلاك تلك الكمية الكبيرة من مكعبات الثلج، بينما مازالت الزوجة تحرص على ملء القوالب الخاصة بمكعبات الثلج ووضعها داخل الثلاثة كي تتجمد، وتستمتع بمصها متجاهلة نصائح المحيطين بها. شادية وغزو