قليل من تطبيق الدستور وكثير من مساءلة الحكومة. تلك هي حصيلة الدورة التشريعية التي أسدل عليها الستار يوم الإثنين الأخير. النشاط التشريعي للدورة الحالية ملأ أجندة الوزراء ومعهم رئيس الحكومة بالأسئلة الشفاهية والكتابية، في وقت ينتظر فيه الإسراع باصدار نصوص تنظيمية تعد بمثابة جزء من الدستور ومكملة لفصوله. خلال الدورة المنتهية، تحولت الحكومة من مشرع استثنائي إلى مشرع عادي. هذه هي القاعدة التي لا تفارق جل الولايات التشريعية وكرست تفوق مشاريع القوانين على حساب مقترحات القانون. المجلس صادق في المجال التشريعي على 24 مشروع قانون تم إعداده وإحالته من طرف الحكومة، فيما لم تتم المصادقة سوى على مقترح قانون واحد، في الوقت الذي تم فيه تقديم 20 مقترحا همت مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتخليق الحياة العامة، من بينها مقترحات في إطار تفعيل مقتضيات الدستور، خاصة منها ضمان الحق في الحصول على المعلومة، ونظام معاشات التقاعد، وكذا ملاءمة بعض مقتضيات القانون الجنائي للوثيقة الدستورية. وبينما كان ينتظر من الولاية التشريعية الحالية الإنتهاء من إعداد والمصادقة على عدد من النصوص التنظيمية المكملة والمفسرة للدستور. لم يتمكن المجلس من المصادقة سوى قانون تنظيمي واحد يخص تطبيق أحكام الفصلين 49 و92 من الدستور ويتعلق بالتعيين في المناصب العليا، وذلك بعد ملاءمته مع قرار المجلس الدستوري. قوانين عديدة ذات أهمية تنتظر أهمها القانون التنظيمي للأمازيغية والقنون التنظيمي للمناصفة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والقانون التنظمي للجهات والجماعات الترابية وغيرها. وبتصويت المجلس منذ دخول الدستور الجديد على خمسة قوانين تنظيمية منها أربعة لوحدها في الدورة الإستثنائية السابقة، فإن خمسة عشر قانونا تنظيميا لا يزال ينتظر خروجها. لذلك كانت دعوة كريم غلاب أثتاء اختتمام الدورة التشريعية لكل الفاعلين إلى تعبئة الجهود من أجل احترام الأجل الوارد في الدستور الذي يقضي بوجوب المصادقة على كل القوانين التنظيمية خلال هذه الولاية التشريعية. وبمقابل البطء في تنزيل الدستور، انهالت الأسئلة على الحكومة سواء الكتابية منها والشفوية. النواب أفرطوا في مساءلة الحكومة حيث وصل عدد الأسئلة الواردة على رئاسة مجلس النواب حسب 1474 سؤالا شفهيا، منها 1247 سؤالا عاديا و196سؤالا آنيا و31 سؤالا متبوعا بمناقشة. وهو ما يعني سعيا أكبر لدى البرلمانيين لمراقبة العمل الحكومي، ولذلك أجابت الحكومة على 443 سؤالا شفهيا منها، إلى جانب ردها على 809 سؤالا من أصل 1339 سؤالا كتابيا توصلت بها رئاسة المجلس. ما ميز الدورة المنتهية هي الحضور الشهري لرئيس الحكومة إلى مجلسي البرلمان تفعيلا للآليات الرقابية والتشريعية للمجلس وفقا لمقتضى الفصل 100 من الدستور. رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران مثل أمام مجلس النواب لثلاث مرات آخرها حول نتائج برنامج تحدي الألفية. الجلسة العامة المخصصة للأسئلة الشفهية الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة والتي يجيب عنها رئيس الحكومة تعد لحظة استثنائية في العمل الرقابي البرلماني. أجندة النواب كانت مليئة عن آخرها، وظل معها القانون الداخلي للمجلس ينتظر البث، ولم يتم الحسم في عدد من النقاط العالقة كتدبير المداخلات بالأمازيغية واشكالية الغياب وغيره . كل ذلك سيبتم البث فيه شهر شتنبر المقبل والنظر في مقترحات الفرق في انتظار التصويت على القانون الداخلي. كثرة مشاريع القوانين في الدورة أملته أولوية عدد من القوانين خاصة في مجال القضاء لتتلاءم مع مقتضيات الدستور الجديد والضمانات التي يمنحها للمواطنين. الدورة تمت فيها المصادقة على بعض النصوص المؤطرة للقضاء كالقانون المنظم لقضاء القرب وتحديد اختصاصاته، والقانون المعدل لبعض فصول المسطرة المدنية. المجلس صادق أيضا في إطار انخراط المغرب في المنظومة التشريعية الدولية على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2006. المجلس صادق أيضا على عدة نصوص سواء ذات طابع مالي أو تجاري منها قانون المالية لسنة 2012 في صيغته المعدلة وقانون التصفية لسنة 2009. ولأن الدستور الجديد وسع مجال القانون بما يعطي للبرلمان صلاحيات واسعة في التشريع، عرض أمام المجلس قانون الضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين بالقوات المسلحة الملكية، وصادق عليه بعد نقاش خارج المجلس وداخله، خاصة الإنتقادات الموجهة إليه من طرف الجمعيات الحقوقية والرأي المعبر عنه من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان. تلك كان حصيلة أول دورة تشريعية في ظل الدستور الجديد. رغم أن البعض اعتبر أن «عامل الوقت وخصوصية الظرف السياسي حالا دون إنتاج تشريعي أكبر»، وأن «الإنتاج التشريعي هم التنظيم الداخلي للمجلس والقوانين ذات الراهنية»، لكن الرهان الآن في الدورات المقبلة هو توفير الحكومة على أجندة تشريعية خاصة بالقوانين التنظيمية بالأساس وتفعيل سلطة البرلمان بسلطاته الواسعة في مجال القانون ليستعيد صفته كمشرع عادي للقوانين، حتى لا تخلد ظاهرة تفوق مشاريع القوانين على حساب مقترحات القوانين.