القارئ المغربي: يجري أغلب الصحافيين وراء سيادته. يعتقدون أنهم يعرفون ما الذي يريده، ويتبارون كل من موقعه في الاستجابة لما يعتبرونه رغبات سيادته. وجولة صغيرة في الصحف المغربية تكفي لكي تعطيك التصور الكامل عمن يكون سعادة القارئ المغربي: هو أولا قارئ يهوى الجرائم. لايمر يوم واحد دون أن تكلف الجرائد المغربية نفسها عناء تقديم كل أنواع الجرائم لهذا القارئ لكي يشبع نهمه. المرأة التي تشق زوجها إلى شقين بالشاقور. الرجل الذي يغتصب بناته القاصرات ثم يشعل سيجارته وينام. الأخ الذي يضرب عشرات السماطي من القرقوبي ثم يقتل العائلة الكريمة كلها ويخرج إلى المقهى. وقس على ذلك ماتشاء. بعض الجرائد اضطرت تحت ضغط ارتفاع الطلب على هذا النوع من الصحافة، إلى استحداث أقسام خاصة بها يمضي الزملاء التابعين لها اليوم كله في المخافر والكوميساريات، ينقلون المحاضر إلى صفحات الجرائد أو ينقلون الجرائد إلى صفحات المحاضر، ويحولون صاحبة الجلالة الصحافة إلى عميد ممتاز يتتبع يوميا رائحة الدم، ويسعد فقط حين يحل كل الألغاز ولو باصطناع الملفات. القارئ المغربي هو أيضا مهووس جنس من الدرجة الأولى. كيف تنام رفقة عشيقتك الليل كله دون أن تتعب، كيف تصبح فحل زمانك الذي لايشق له غبار. سر إقبال المغاربة على الفياغرا. تطويل القضيب وتصغير المهبل، والاحتفاظ بالمنطقة الوسطى الموجودة بينهما في التيقار. المقويات الجنسية الطبيعية: وهم أم حقيقة، وقس عاوتاني على المنوال إلى أن يصبح الصحافي والقارئ والجريدة معهما شيئا شبيها بعودة الشيخ إلى صباه. الجميل في الفيلم الجنسي هذا أنك حين تحاول تقديم هذه المعلومات بطريقة علمية مفيدة ستسمع «السبان على ودنيك»، بالمقابل إذا عرفت كيف تقدمها بطريقة الحلاقي ديال جامع الفنا فالنجاح مضمون، وهو في الموعد ينتظرك ومعه العشرات من القراء الفرحين بتوصلهم إلى شيخهم الحديث الذي يحملهم إلى عوالمهم السفلية دون أدنى إشكال. القارئ المغربي في السياسة «شكل تاني». هو يفهم في كل شيء, لذلك لايحب سماع إلا مايريده. الطبقة السياسية كلها ودون استثناء «بنت الحرام»، المسؤولون المغاربة كلهم «شفارة». التطبيع «خدام فالبلاد». الفساد ترعاه جهات نافذة. الدعارة جزء أساس من سياسة الدولة، الاقتصاد في يد حفنة من الناس يفعلون به مايشاء. إذا عزفت على إيقاع آخر غير هذا اللحن، القارئ المغربي «المطور بزاف غادي يعيق بيك»، سيعرف أنك تنتمي إلى طائفة من الطوائف المذكورة أعلاه، وسيضع عليك «التيكيتة» ولن تزيلها مهما فعلت طبعا ومهما طالت بك الأيام. في الرياضة القارئ المغربي «قافز» كالعادة. هو يحب الكرة العالمية ويعرف الفوارق بين الأندية ويحفظ خطط اللعب عن ظهر قلب، لكنه لاينتظرك لكي تقدم له «تبركيك» هذه الأندية. هو يتابعها في التلفزيون. بالمقابل «مايكرهش» القارئ المغربي أن تمنحه بعض النميمة من هنا ومن هناك من تلك التي قد لايعثر عليها في التلفاز. أما في الرياضة الوطنية، فالقارئ المغربي لايتخلى عن طبعه «العايق» لذلك هو يعرف من يكتب لصالح من، ومن يشتغل مع هذا النادي، ومن يتقاضى من النادي الآخر، ويعرف الحياحة من الصحافيين، ويعرف بعض النزهاء ويحلو له أن يتجول فيما يكتبون وأن يتنبأ طارحا السؤال الطريف كل مرة «شحال خدا هادا؟ وعلاش كتب هادا هاد الشي؟». في الثقافة روينة. القارئ المغربي يكره الثقافة الميتة أو مايسميه هكذا. لكن حين يجد أنها غائبة عن «الجورنان» الذي يمسكه بين يديه، يتأفف، و«ماكيعجبو حال» ويقول لمجالسيه في المقهى «هاد الجورنان ماكيهتمش بالثقافة». يسمع الجورنان كلام القارئ ويستجيب له، فيخصص الصفحات الطوال للثقافة لكي يجد في اليوم الموالي القصائد الجميلة والأخرى الأقل جمالا يمسح بها زجاج السيارات، ويعثر على الجزء الأول من دراسة رصينة وهو يحتضن الكيلوغرامات من البنان والليمون وبقية الفواكه الموجودة في السوق المغربية العامرة. في الترفيه «تحماق يلا تبعتي» القارئ المغربي الكريم. هو يحب الفنانات وصورهن الساخنة بعض الشيء، لكنه يفضل التملي فيهن مليا في المقهى وعدم إدخال الجريدة معه إلى المنزل، وهو يتابع عبر «إل بي سي» وقنوات الكليبات يوميا «شي حصيصة» من الرقص والشخلعة، لكنه يفضل أن لاتنقل له كثيرا أخبار هؤلاء الفاتنات. «بيناتنا، عندو الحق» فقد خلقن لكي يتفرج عليهن الإنسان بشكل حي لاعلى صفحات الجرائد. القارئ المغربي عجيب، والأكثر عجبا في كل مايفعله أنه يقرأ الجورنان فابور. يقف في كشك الجرائد، يتصفحها، يقرأ مايهمه منها. يملأ شبكة المسهمات والمتقاطعات، يحرك رأسه يمنة ويسرة ويقول لمن يرافقه «والو هاد الجورنانات ديال المغرب. مافيهم مايتقرا». ينادي على بائع الديطاي. يشتري سيجارته، يشعلها ثم يمضي... ملحوظة لاعلاقة لها بما سبق «جات النوبة ديال نور الدين عيوش»، وخصصت له «التجديد» أمس هجوما كاسحا في صفحتها الأولى دون أن يرتكب أي جرم. السبب؟ عرض مسرحية «لخبار فالمسرح» ضمن فعاليات المهرجان الجميل جدا «لنذهب إلى المسرح»، الذي يقوم بدور لاتقوم به وزارة الثقافة بنفسها. قدر الذين يشتغلون في هذا البلد الحزين أن «يسمعوا على ودنيهم»، وقدر المتطرفين أن يهاجموا كل نقط ضوئنا المتميزة. هادا ماكان.