تباينت الآراء واختلفت التوجهات ما بين مؤيد للاحتجاجات التي دامت أكثر من ستة أشهر بمنطقة الريف، و مابين معارض لها ومحذر من أهدافها الظاهرة و الخفية، وبين هذا وذاك اتفق الجميع على شرعية المطالب الاجتماعية شريطة إتباعها طرقا سلمية وفتح قنوات الحوار مع الفاعلين وصناع القرار لإيجاد حلول جذرية، إلا أن الاحتجاجات في الحسيمة حامت حولها العديد من الشبهات واتخذت أبعادا أخرى، وذلك بسبب كثرة المتدخلين واختلاف الأهداف والنوايا لمتزعمي الحراك والمشاركين فيه، كما رافقتها العديد من أعمال الشغب والمساس بالأمن العام وزعزعة استقرار وسلم وأمن الساكنة، وهو ما دفع إلى ارتفاع الأصوات المطالبة بتطبيق القانون في حق الخارجين عنه، سواء في أرض الواقع أو من خلال المنابر الصحفية والإعلامية وكذا الالكترونية. فإذا كانت الحركات الاحتجاجية المطالبة بحقوق اجتماعية مقبولة من حيث المبدأ، وقد تعاملت معها الدولة بحِلْمٍ ورزانة، فلا يجب أن تُتَّخَذَ مطية لأغراض تخريبية، تتمثل في ارتكاب أعمال إجرامية في إطار سلوك جماعي يحاول فيه الفرد التخفي وسط الجماعات للهروب من المسؤولية، و إذا كانت حادثة دخول الزفزافي إلى المسجد أثناء خطبة الجمعة ومنع الإمام من إتمام خطبته وخلق جو من الاضطراب داخل مسجد، وهو ما يعاقب عليه القانون، قد شغلت الرأي العام وشكلت النقطة التي أفاضت الكأس وأثارت غضب المواطنين الذين ذاقوا ذرعا من تصرفات الزفزافي وأتباعه، وطالبوا بتطبيق القانون، فهي ليست بالفعل الوحيد الخارج عن القانون الذي واكب الاحتجاجات. لقد قامت الأجهزة الأمنية -تطبيقا لمقتضيات القانون- بإيقاف عدة أشخاص من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة، ليتم نقلهم إلى مدينة الدارالبيضاء في إطار الاختصاصات المخولة لهذه الفرقة –عكس ما تروج له بعض الصحف المشبوهة، والتي ادعت اختطاف المعنيين وأخذهم لوجهة غير معلومة- وذلك قصد البحث معهم في إطار المنسوب إليهم والاشتباه بتورطهم في القيام بأعمال تخريبية لممتلكات خاصة وعامة، وهو ما تناقلته وسائل الإعلام البديلة من خلال فيديوهات توثق لأعمال إجرامية من قبيل الإضرار بممتلكات الغير وتكسير المحلات والسيارات الخاصة، وسيارات حفظ الأمن، بالإضافة إلى أعمال عنف من أشخاص يصيحون بشعارات "سلمية سلمية لا حجرة لا جنوية" في حين يرشقون القوات العمومية -التي تكتفي بصد الحجارة دون أي تدخل- ، وبالتأكيد تابع الجميع شريط الفيديو الذي يظهر فيه رجال الشرطة وهم يلقون بأنفسهم من أعلى السطح هربا من الموت حرقا، حيث تعرضوا لإصابات بليغة وكسور خطيرة للنجاة من محاولة قتل جماعية بطريقة بشعة تعيد إلى الأذهان العمل الوحشي لتنظيم "داعش" الذي تلذذ بحرق الطيار معاذالكساسبة أمام أعين الجميع. إن الأشواط التي قطعها المغرب في تكريس مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، يجب ألا تُتَّخَذَ مطية لتبرير الأفعال الإجرامية واستغلال الأوضاع المتوترة لخلق جو من الفوضى وتفعيل قانون الغاب وتطبيق شرع "السيبة"، فدولة "الحق والقانون" يجب أن تفهم بشقيها، فالحق مكفول بنص الدستور، والمطالبة به مشروعة قانونا، لكن القانون كذلك فوق الجميع، ويجب تطبيقه بحذافيره.