حذر مدير "مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات"، التابعة لكلية الحقوق- جامعة القاضي عياض بمراكش، الباحث إدريس لكريني، اليوم السبت في لقاء حواري نظم بالعاصمة التونسية. من ارتفاع معدل الهجرة السرية في منطقة المتوسط في ظل تفاقم الأوضاع السياسية في كل من ليبيا وسورية وعدم بزوغ حل في الأفق. وأوضح لكريني، خلال الدورة الرابعة ل"حوارات تونسية" حول "الوضع الجيو- سياسي في المنطقة وتأثيره على العلاقات الأورو-متوسطية"، التي نظمتها على مدى ثلاثة أيام "مؤسسة أحمد التليلي من أجل الثقافة الديمقراطية"، أنه بالرغم من التراجع الملحوظ المسجل في وتيرة الهجرة السرية عبر المغرب نحو الدول الأوربية قبل عام 2011، بفعل التدابير الأمنية والتعاون المبرم بين الرباط ودول الاتحاد الأوروبي، فقد أدت تحولات الحراك في المنطقة وما رافقها من ارتباكات أمنية وسياسية وصعوبات اجتماعية، في علاقة ذلك بانتشار البطالة والفقر، إلى تنامي هذه الظاهرة، سواء تعلق الأمر بمواطني بلدان كسورية وليبيا وتونس ومصر أو برعايا دول إفريقية أخرى، بسبب استغلال الانفلاتات الأمنية وضعف المراقبة البحرية والانشغالات المرتبطة بتحولات الحراك في تونس وليبيا اللتان أضحتا معبرا مفضلا لدى عدد من المهاجرين نحو الضفة المقابلة من المتوسط. الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية وأضاف، خلال هذه الندوة الحوارية الرابعة التي نظمت بتعاون مع "مركز الذاكرة المشتركة للديمقراطية والسلام" (المغرب) والمعهد السويدي بالاسكندرية بحضور خبراء وباحثين من بلدان مغاربية وعربية وأجنبية، أن نسبة الهجرة عبر المتوسط تزايدت في السنوات الأخيرة حيث تضاعف عدد المهاجرين السريين نحو دول الاتحاد الأوروبي لأكثر من مرتين، وذلك بنسبة 250 في المائة في الشهرين الأولين من عام 2015 ، مقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2014، فيما لقي أكثر من 900 شخصا حتفهم بالمتوسط منذ بداية 2015 إلى حدود منتصف شهر أبريل. وعزا الباحث أسباب الهجرة المكثفة عبر المتوسط إلى مجموعة من العوامل؛ تتمثل أساسا في الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها العديد من الدول الإفريقية، خاصة منها المتموقعة في إفريقيا جنوب الصحراء والساحل، وتقترن هذه المشاكل بالصراعات السياسية والعسكرية وضعف الدولة المركزية وعدم قدرتها على بسط السيطرة على ترابها. كما عزا هذا الارتفاع، خلال الثلاثة عقود الأخيرة، الى الكوارث والعوامل الطبيعية كالجفاف أو بفعل عوامل سياسية مرتبطة بغياب الحريات وهيمنة الاستبداد، إضافة إلى ضغط عوامل اجتماعية واقتصادية في علاقتها بالبحث عن عمل وظروف عيش كريم. السعي لاختزال مقاربة الظاهرة في الجوانب الأمنية والردعية وأشار الباحث إلى أن الكثير من دول الاتحاد الأوروبي تحاول تحميل دول الجنوب من البحر الأبيض المتوسط مسؤولية مواجهة تبعات الظاهرة لوحدها، معتبرة إياها مجرد "دركي" لمنع ولوج المهاجرين إلى ترابها، مع السعي لاختزال مقاربة الظاهرة في الجوانب الأمنية والردعية، دون الوقوف على مسبباتها والعوامل المختلفة التي تغذيها، متناسية أن الأمر يتطلب مقاربة شمولية تدعم التنمية والاستقرار بالبلدان المصدّرة للهجرة. وأبرز أنه بفعل هذه السياسات والتوجهات، فقد تحولت العديد من دول جنوب المتوسط، كما هو الشأن بالنسبة للمغرب من بلدان للعبور إلى بلدان للإقامة بالنسبة إلى عدد من هؤلاء المهاجرين، في سياق ما بات يعرف بالهجرة جنوب – جنوب، التي ظهرت كسبيل لتجاوز الإكراهات الاجتماعية التي يعيشها هؤلاء المهاجرون في بلدانهم الأصلية، وكبديل عن الهجرة جنوب – شمال. إعمال استراتيجية شمولية وفي المقابل، اعتبر مدير "مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات" أن هناك حاجة إلى إعمال استراتيجية شمولية تقف على مسببات الظاهرة بجوانبها المختلفة، في إطار من التعاون والتنسيق الدوليين، لتجاوز تداعياتها المختلفة بعيدا عن منطق الأحادية والمبالغة في استحضار المدخلين القانوني والأمني . ومن هذا المنطلق، اعتبر أن هذا المسعى يفرض الانخراط في بلورة صيغة بناءة لتعاون شمال – جنوب، عبر تشجيع التنمية والاستثمارات في دول الضفة الجنوبية في إطار من التشارك والتنسيق وبعيدا عن لغة الإحسان، ودعم السبل السلمية لتدبير الأزمات والصراعات التي خلفت الكثير من الإكراهات والصعوبات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تظل مسؤولة في جانب مهم منها عن تفشي الظاهرة. وقد تمحورت جلسات الدورة الرابعة ل"حوارات تونسية" حول "قراءة في الوضع الجيو- سياسي الحالي في المنطقة الأور-متوسطية"، و"انعكاسات الوضع الجيو-سياسي على العلاقات الأور-متوسطية"، و"الهجرة"، و"الوضع الجيو- سياسي والثقافة"، و"فضاء مفتوح للأحزاب السياسية"، و"تموقع المجتمع المدني في ظل الانعكاسات الجيوسياسية"، و"مشروع طنجة: مع من وكيف".