من المسؤول عن المشاكل التي تعيشها الدارالبيضاء في مختلف المجالات؟ ما نصيب من يتولون شأن المدينة ؟هل الإعلام الذي يزور اسم رئيس مجلس المدينة ويسميه باسم مستورد غير قادر أيضا على تزوير الحقائق؟هل الحل من أجل خلاص الدارالبيضاء يكمن فحسب في تغيير الوجوه الحالية بأخرى ،و في إسناد المسؤوليات بشكل اعتباطي؟ هل مكونات المجتمع المدني البيضاوي غير معنية بفرض الإصلاح التغيير، أم تعتقد أن وجودها يختزل فقط في الجري وراء مزايا الدعم و المنحة؟هذه التساؤلات و غيرها أوحى بها الخطاب الملكي الأخير الذي ما زالت أصداءه مدوية. لقد اعتبر خطاب الملك بمناسبة افتتاح البرلمان، يوم الجمعة 11 أكتوبر 2013 ، كالصاعقة التي خلخلت أركان أوساط نافذة في عاصمة المغرب الاقتصادية. الجهات و اللوبيات التي تناهض التغيير الديمقراطي لم يرقها مضمون الخطاب الملكي،و لن تتردد في تسخير مختلف الأساليب لتأويل خطاب الملك.بعض وسائل الإعلام الموالية لهذه الأوساط ،و المسخرة من قبل اللوبيات، ستواصل بدورها نشر كل ما من شأنه خلط الأوراق و طمس الحقائق . لم أتتبع الخطاب الملكي مباشرة،و في المساء لما استمعت لبعض التقارير و أطلعت على تغطية بعض وسائل الإعلام الرسمية،اعتقدت أن الخطاب لم يأت بجديد،سيما أن التغطيات المذكورة لم تشر لا من بعيد و لا من قريب للانتقادات الصريحة الموجهة لمن يتولون تدبير شأن الدارالبيضاء.و من اكتفى ،مثلي، فقط بسماع و قراءة هذه التقارير سوف لن يعلم بما قاله عاهل البلاد في موضوع تسيير أكبر تجمع سكاني و قطب اقتصادي بالمملكة. نموذج عن هذا التقاعس الإعلامي نجده في التقرير الذي أنجزته وكالة المغرب العربي للأنباء مباشرة بعض الخطاب الملكي،و جاء في هذا التقرير ما يلي:".. واعتبر صاحب الجلالة أن الانتدابين البرلماني والجماعي هما عماد الممارسة السياسية التشاركية حيث قال جلالته :إننا نعتبر الانتدابين البرلماني والجماعي، عماد الممارسة السياسية التشاركية، التي ارتضاها المغاربة، والتي لن تستقيم في غياب أحدهما" موضحا أنه لا فرق بين الانتدابين لأن الأهم يبقى هو أن يقوم كل منهما بمهامه الوطنية والمحلية، وبواجباته تجاه الناخبين، الذين وضعوا ثقتهم فيه". هذا التقصير الإعلامي الذي تعاملت به بعض وسائل الإعلام المغربية، مع موضوع هو من أهم القضايا الذي أثارها الخطاب الملكي، يعكس تقاعس مسيري مؤسسات إعلامية و فشلهم في مواكبة مسيرة التغيير الحقيقي و في التوظيف الأمثل للموارد البشرية التي تزخربها مؤسسات الإعلام العمومي. لقد شدد ملك البلاد في خطابه على أن المشكل الذي تعاني منه العاصمة الاقتصادية يكمن بالأساس في ضعف الحكامة.و بالإمعان في تشريح الخطاب للوضعية في الدارالبيضاء سيتبادر للأذهان ما مفاده أن ما تعيشه هذه المدينة، المترامية الأطراف، لم يعد يطاق أو يستحمل.و بما أن أوضاع الدارالبيضاء لا تساعد البتة على الاستقرار،و تهدد في أي حين بالاضطرابات، فقد كان من الضروري دق ناقوس الخطر و التعجيل ببداية حلول ساعة التغيير و المحاسبة. المشاكل التي تتخبط فيها الدارالبيضاء هي نتيجة منطقية للعقلية التي تحكمت و تتحكم في تدبير شأنها،و هي من صنع الرموز التي تعاقبت على تسييرها و خضوعها للوبيات الضغط المتعددة. نفس المصير ستنتظره غدا عاصمة المغرب الاقتصادية،و باقي المدن و القرى،ما لم يتم ربط مخططات المعالجة و التنمية بإعمال ميكانيزمات الحكامة و ربط المسؤولية بالمحاسبة و الالتزام بالمفهوم الجديد للسلطة.و نفس المآل ستظل الدارالبيضاء تتخبط فيه ما دام إسناد المسؤوليات يدخل في نطاق الترقي الاجتماعي ووفق معايير المحاباة و الزبونية، و يتم في ظل التهميش الممنهج للكفاءات وللنخب وتغييب قواعد المحاسبة. سأتفادى،في هذه الورقة،العوامل الأساسية المتداولة والتي يعرفها الجميع،و سأتناول دور النخب و ما يسمى فعاليات المجتمع المدني ثم دور الإعلام. في هذا المضمار،يلاحظ المتتبعون أن عدد الجمعيات بلغ ذروته في السنوات الأخيرة،سيما منذ انطلاق ما يعرف بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،و ازداد عددا مع تعدد منابع الدعم العمومي و الخاص،الداخلي و الخارجي.و إذا كانت التقديرات الأخيرة تفيد أن عدد الجمعيات منذ 2012 فاق التسعين ألف جمعية على الصعيد الوطني ،فإن مدينة الدارالبيضاء تحوي نسبة كبيرة من هذا العدد الهائل.المشكل لا يكمن طبعا في عدد الجمعيات،لكن أمام تدافع جل الجمعيات على الربح و قضاء المآرب الخاصة لمؤسسيها، و استعمالها في المصالح الضيقة،ضاعت أدوار مهمة منوطة بمكونات ما نسميه المجتمع المدني الذي ينبغي أن يكون واجهة أساسية تساهم في فرض التغيير و تكريس قيم الديمقراطية و الحكامة. هذا الوضع الموبوء ساهم في إبعاد فعاليات مهمة تحبل بها المدن والقرى. وحتى لا تتهم هذه الفعاليات بأنها تشارك في تكريس الميوعة و ثقافة الارتزاق فقد فضلت عدم الانخراط في العمل الجمعوي أو المساهمة في تأطيره،سيما عندما يتبين لها من هم وراء تأسيس الكثير من الجمعيات.و للتذكير إن إحصاء للمندوبية السامية للتخطيط سنة 2007 أفاد أن حوالي 10 في المائة من مسيري الجمعيات هم من المنتخبين و الموظفين والمسؤولين. وقت إعداد هذا البحث كان عدد الجمعيات يقارب خمسين ألف 50 ألف جمعية فقط. و الواقع اليوم يقول أن العديد من الجمعيات تأسست بناء على إشارات من جهات معينة أو أشخاص معينين و لأهداف معينة،و يتولى تسييرها على الورق أفراد من أصناف مختارة؟؟؟. العامل الثاني الذي قد يتحمل نصيبا من المسؤولية في ما آلت إليه الدارالبيضاء يتعلق بالإعلام . بالنسبة لهذا الأخير،لا أحد يشك في ما قد يساهم فيه في مجال التنمية و الديمقراطية.و الإعلام الذي يخدم التنمية و الديمقراطية،وفق القواعد المتعارف عليها، لا بد أن يكون إعلاما حرا و لديه المناعة الكافية للجهر بالحقيقة و حماية أخلاقيات المهنة.هنا لا أود الحديث وبالتفاصيل المملة أو المشوقة،عن تعامل جزء من هذا الإعلام بصفة خاصة مع الدارالبيضاء و مع قضاياها و مشاكل ساكنتها.في هذا الصدد ،سأختزل الأمر في تلك التسمية/ الأضحوكة التي ابتكرها الإعلام المغربي و أطلقها ، ثم أصبحت جل الأقلام ترددها لدى حديثها عن رئيس مجلس مدينة.فبدل استعمال رئيس مجلس المدينة أصر الإعلام المغربي ،أو جزء كبير منه، على تسمية رئيس مجلس المدينة بالعمدة نقلا عما يحصل في فرنسا.لا داعي للتذكير بأن القوانين الفرنسية هي التي أقرت تسمية العمدة و ليست الصحافة.و لا داعي للتذكير أيضا أن البون شاسع بين اختصاصات العمدة في فرنسا و الاختصاصات التي تسندها القوانين في المغرب لرئيس مجلس المدينة.و مرة أخرى سأتحاشى التفاصيل،و أذكر فقط بأن مقربين من رئيس مجلس الجماعة بالدارالبيضاء هم من أطلقوا اسم العمدة على رئيسهم أو ولي نعمتهم،و هم من شجعوا صحافيين على ترديد هذا الوصف لدى نقلهم لأخبار عن الدارالبيضاء و نشاط مجلسها.و العارفون لمجريات الأمور يدركون ثمن ترويج اسم العمدة و ما يقابل هذا الشكل من التزلف من طرف البعض... في نفس السياق ،يحضرني أيضا الاعتداء الذي تعرض له أحد الزملاء من طرف بعض من أسماهم "بلطجية" رئيس الجامعة الملكية المغربية للكرة الحديدية ،على هامش ندوة صحفية عقدتها الجامعة في ماي 2013 لتسليط الضوء على البطولة الإفريقية التي ستقام بمدينة الدارالبيضاء. و معلوم أن الاعتداء على الزميل جاء بعدما طرح سؤالا بخصوص المعايير التي اعتمدتها الجامعة بخصوص إسناد مهام تنظيم البطولة الإفريقية لإحدى الشركات وعدم احترام القوانين المنظمة التي تنص على إجراء طلب عروض لاختيار الشركة الأفضل.الزملاء في الصحافة الرياضية لم يدينوا الحدث كما ينبغي، و يتخذوا ما يلزم للاحتجاج الفوري،كما لم يتخذوا الإجراءات المفروض اتخاذها من أجل الدفاع عن الكرامة و المهنة. حالات إذلال الصحافيين من لدن مسؤولين كثيرة و متعددة،و نسبة كبيرة من هذه الإذلال يتم طمسه في حينه من طرف بعض المحسوبين على المهنة أو بعض الناشرين إرضاء للمسؤول المعتدي و حفاظا على ما يقدمه لهم من منافع... من هنا،إن الإعلاميين الذين يرضون بالمذلة سوف لن يخدموا سوى مصالح من يرمونهم بشيء من فتاتهم ،والإعلام الذي يزور اسم رئيس مجلس المدينة،و يتمادى في هذا التزوير ضد القوانين المنظمة للمجالس المنتخبة،قادر على تزوير الحقائق و خدمة أوساط أوصلت الدارالبيضاء إلى ما تتخبط فيه .و سيستمر في تنفيذ مهنية مغشوشة ما لم يعتمد مقاربة إعلامية مهنية تحترم القواعد و الأخلاقيات ،و تضع كهدف خدمة التنمية و الديمقراطية و الحكامة. و مدخل هذه المقاربة هي تسمية الأشياء بمسمياتها و الكف عن تريد تعبير عمدة الذي عادة ما يستعمل من أجل التقرب والتملق لحاجة في نفس من يرددوه. خلاصة القول،إن تغيير الوجوه الحالية بأخرى لا يكفي ،وإسناد المسؤوليات بشكل عشوائي لا يفيد مصلحة الدارالبيضاء،وإعادة إنتاج نخب جديدة بنفس المواصفات و الأساليب العتيقة لن يجدي فتيلا،و تقاعس مكونات المجتمع المدني و الإعلام لم يخدم على الدوام سوى الأوساط النافذة و الإنتفاعيين. إن مكونات المجتمع المدني البيضاوي الحقيقي ينتظرها الشيء الكثير،و لديها القدرة على المساهمة في فرض الإصلاح والتغيير و المحاسبة،شريطة أن تدرك هذه المكونات أن وجودها لا يختزل في مزايا الدعم و المنحة،بل في مواكبة انشغالات وانتظارات السكان ،و تشكيل شبكة لرصد قضايا الدارالبيضاء و متابعة اختلالاتها و تعقب نشاط هيئاتها و مسيريها.