كثيرا ما يلفت انتباهنا تلك البناية المطلة منذ عقود على الشارع الرئيسي لمدينة تنغير،المقابلة لمقر الباشوية. إنها بناية''مركز القاضي المقيم'' أو ‘'النواة المصغرة للمحكمة الابتدائية'' ، أو ‘' دار سيدي القاضي'' . وبالرغم من أنها لم تعف الساكنة من متاعب شد الرحال، وعياء السفر، وحجم التهميش..؛ فلطالما كانت ملاذا للكثير من ذوي القضايا المرتبطة بالأسرة والأحوال الشخصية خاصة قضايا الطلاق التي عطنت رائحتها في الآونة الأخيرة بعد عقود زواج لا تكاد تتجاوز بعض الأشهر على أقل تقدير . المركز بناية قديمة مهترئة لا تغطي مساحتها إجمالا إلا بعض الأمتار المربعة، رغم بعض الترميمات من هنا وهناك. ويعاني من خصاص مهول في الموارد البشرية ، وعدم تسوية وضعية بعض الأجراء..؛ حيث يضم المركز بالإضافة إلى مكتبي القاضي المقيم ونائب وكيل الملك، مكاتب بعض الموظفين المعدودين على رؤوس الأصابع، وعون واحد ورجل أمن خاص. و يباشر فيه خمسة موظفين في مكتب النيابة العامة عملهم في غرفة مساحتها لاتتجاوز 3/3 مترمربع بدون أدنى شروط العمل المهنية، وبدون التوفر على جناح خاص بالأرشيف. و يطالب موظفو المركز بتعميم الاستفادة من تعويضات الحساب الخاص، بما في ذلك التعويضات الجزافية والخاصة على جميع الموظفين بدون استثناء. ومنذ دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ سنة 2004، ومع الارتفاع الملحوظ في الكثافة السكانية التي عرفتها مدينة تنغير في السنين الأخيرة خاصة منذ إعلانها عمالة جديدة، والقضايا المختلفة تتقاطر كالمطر المنهمر على المركز القاضي المقيم في مشهد نترك للمارة والزائرين والمتاقضين وصفه والتعليق عليه؛ ازدحام على الأبواب، واكتضاض داخل قاعة الحكم، وطابورات طويلة رجالية ونسائية لا تنتهي، تمتد إلى خارج القاعة في صفوف ملتفة وملتوية قرب الأزقة المجاورة، من مختلف مناطق تنغير ونواحيها، وقد يمتد العمل في بعض الأحايين إلى ساعات متأخرة من الليل بدون تعويض الموظفين عن ساعات العمل الإضافية، ويستمر هذا المشهد طيلة أيام الأسبوع خاصة الأيام الأولى منه. كل ذلك لم يحرك ساكنا ولا متحركا للتفكير في حلول عاجلة تريح المتقاضين والساكنة، ودون أن يقض هذا الوضع مضجع المسئولين على الصعيد المحلي والوطني. فغالبية القضايا المعروضة على القاضي المقيم، قضايا الطلاق بالدرجة الأولى، ثم قضايا أخرى مختلفة تمس الأسرة بشكل عام، وبعض القضايا الجنحية والمدنية و الأحوال الشخصية مثل كفالة الأطفال المهملين. وتبقى ظاهرة الطلاق بتنغير تطرح أكثر من علامة استفهام كبيرة محيرة، إذ سجل بالمركز حالة واحدة للصلح بين الطرفين من بين مئات الحالات المعروضة، فيما باقي القضايا تعرض على المحكمة الابتدائية بورزازات. و يعزو بعض المهتمين والباحثين والفاعلين ارتفاع حالات الطلاق؛ إلى ضعف التربية الأسرية، وإلى عامل التأثر بالثقافة الغربية، و بالثقافة السلبية للمدن المغربية الكبرى، ناهيك عن عوامل أخرى تحتاج لمزيد من الدراسات والأبحاث . و من بين الحالات التي أحيلت على القاضي المقيم، حالات استثنائية لتعدد الزوجات في حالة نادرة كالعقم والمرض. و بالنسبة للقضايا الأخلاقية والآداب؛ فقد سجلت حالات استثنائية لقضايا الخيانة الزوجية، بالأخص الحالات المقبوض عليها تلبسا. كما عرضت أيضا حالات كانت تتهيأ لإعداد أوكار للدعارة بمجموعة من الأحياء بمركز المدينة. فكيف يمكن استساغة كون إقليم مساحته تعادل مساحة بعض الدول في العالم، وتعداد ساكنته تصل إلى أزيد من 300 ألف نسمة بدون محكمة ابتدائية؟ و إلى متى سيعرف هذا الملف طريقه إلى الحل ؟ و هل ستظل دار لقمان على حالها أم أن حليمة تريد البقاء على عاداتها القديمة ؟