بكل شجاعة، أصبح جزء من العالم يعترف بها، يمضي المغرب قدما صوب إخراج الشعرة من العجين بسلاسة، في ملف شائك، بعيدا عن منطق كرة القدم ين فريقين اثنين، كادا يقسمان سابقا المغرب، في جولة 2004، التي حملت تاريخيا اسم مدونة الأسرة، فكلا الغريمين يتعايشان اجتماعيا وسياسيا تحت سقف واحد اسمه المغرب. يمضي المغرب قدما في ملف اجتماعي شائك، بهدوء شديد، وبسرعة تعرف الرباط فقط أسرارها، من أجل أن ترسوا سفينة النسخة الثانية من قانون الأسرة بكل هدوء. واقعيا، يقف المغرب على أبواب مرحلة جديدة في تدبير قانون الأسرة، في سياق حلقات مسلسل لمراجعة لقانون الأسرة الصادر في العام 2004. هدأ بال المغاربة، كما هي عادتهم تاريخيا، عندما أطل العاهل المغربي الملك محمد السادس، على شاشة القناة الأولى للتلفزيون المغربي، يترأس جلسة عمل حول قانون الأسرة الجديد، فعمليا لم يصل النص القانوني الجديد إلى مرحلة النسخة النهائية، ولكن انطلقت المرحلة الأخيرة قبل الوصول إلى التصويت النهائي في غرفة البرلمان، في ختام الماراطون التشريعي المغربي. تعيش الأسرة المغربية اضطرابات مرجعها التشتت الوجودي بين النموذج التاريخي المغربي للأسرة، وبين نماذج قادمة من رياح منصات التواصل الاجتماعي، فهل يتوقف المغاربة عند نموذج الأجداد مع تطويره كما فعلوا مع الجلباب والقفطان وأوصلوهما إلى العالمية؟؟؟ في الحياة المغربية قصص كثيرة لمعاناة أطفال الطلاق، واجتهادات قضائية جاء وقت تغييرها، وقصص نساء يغادرن بيت الزوجية بخفي حنين، وتبقى لائحة مآسي الأسر المغربية أطول. لا يختلف عاقلان أن هنالك هجوما من رياح دولية، ضد الأسرة باعتبارها النواة الأساسية لاستمرارية المجتمعات، من بوابة التوالد الطبيعي، كما أراده رب السماء لما جعل في الأرض خليفة، فيما أصوات ترتفع تتحدث عن منحى آخر تراه هي مناسبا كمستقبل للأسر. لا توجد الوصفات الناجعة لتطوير الأسر في قاعات مكيفة من صنف خمس نجوم، ولا يمكن تحويل الرجل إلى عدو المرأة من باب حقوق النساء، ولا تحويل المرأة إلى شيطان وتعليق كل قصص الفشل عليها. يركب المغرب سفينة الحكمة في القضايا الكبرى، يمعن الإنصات، قبل الضغط على الأزرار المناسبة لكتابة النصوص الجميلة التي تخرج الأزمات إلى بر الحلول. إلى جانب القضايا التي يترقب المغاربة حلولا قانونية لها في قانون الأسرة الجديد، هنالك حاجة ماسة إلى أن ينظر المجتمع المغربي وجهه في المرآة، خصوصا في مسألة مفهوم الأسرة لأن القوانين لا تقدم المفاهيم التي يمارسها المجتمع عمليا؛ هذه إحدى القراءات التي تتراكم بفعل الممارسة. فبالتأكيد أن الأسرة المغربية في العشرين عاما الأخيرة سجل تغييرات، وأن أحلام المغاربة ارتفع سقفها عاليا. وفي الختام، أترك لكم للإطلاع من جديد، 16 نقطة، من المفاتيح التي يعلق عليها كثيرون آمالا في المغرب، لاستقرار اجتماعي مغربي موصول منذ قرون: فمن بين ما تم اعتماده، تأسيسا على مقترحات الهيئة والرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى * أولا: إمكانية توثيق الخِطبة، واعتماد عقد الزواج لوحده لإثبات الزوجية كقاعدة، مع تحديد الحالات الاستثنائية لاعتماد سماع دعوى الزوجية، وتعزيز ضمانات زواج الشخص في وضعية إعاقة، مع مراجعة للإجراءات الشكلية والإدارية المطلوبة لتوثيق عقد الزواج. * ثانيا: إمكانية عقد الزواج، بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج، دون حضور الشاهدين المسلمين في حال تعذر ذلك. * ثالثا: تحديد أهلية الزواج بالنسبة للفَتى والفَتاة في 18 سنة شمسية كاملة، مع وضع استثناء للقاعدة المذكورة، يُحدد فيها سن القاصر في 17 سنة، مع تأطيره بعدة شروط تضمن بقاءه، عند التطبيق، في دائرة "الاستثناء". * رابعا: إجبارية استطلاع رأْي الزوجة أثناء تَوثيق عقد الزواج، حول اشتراطها عدم التزوج عليها، من عدمه، والتنصيص على ذلك في عقد الزواج. وفي حال اشتراط عدم التزوج عليها، فلا يحق للزوج التعدد وفاء منه بالشرط. وفي حال غياب هذا الاشتراط، فإن "المبرر الموضوعي الاستثنائي" للتعدد، سيُصبح محصورا في: إصابة الزوجة الأولى بالعقم، أو بمرض مانِع من المعاشرة الزوجية، أو حالات أخرى، يُقدرها القاضي وفق معايير قانونية محددة، تكون في الدرجة نفسها من الموضوعية والاستثنائية. * خامسا: إحداث هيئة، غير قضائية، للصلح والوساطة، يكون تدخلها مطلوبا، مبدئيا، في غير حالة الطلاق الاتفاقي، مع حصر مَهَمتها في محاولة الإصلاح بين الزوجين، والتوفيق بينهما في ما يترتب عن الطلاق من آثار. * سادسا: جعْل الطلاق الاتفاقي موضوع تعاقد مباشر بين الزوجين، دون الحاجة لسلوك مسطرة قضائية، وتقليص أنواع الطلاق والتطليق، بحكم أن التطليق للشقاق يُغطي جُلها، وتحديد أجل ستة (6) أشهر كأجل أقصى للبت في دعاوى الطلاق والتطليق. * سابعا: تأطير جديد لتدبير الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية، مع تثْمين عمل الزوجة داخل المنزل، واعتباره مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية. * ثامنا: اعتماد الوسائل الالكترونية الحديثة للتبليغ في قضايا الطلاق والتطليق، مع قَبول الوكالة في هذه القضايا باستثناء مرحلة الصلح والوساطة. * تاسعا: اعتبار حضانة الأطفال حقا مشتركا بين الزوجين، أثناء قيام العلاقة الزوجية، مع إمكانية امتداده، في حال الاتفاق، بعد انفصام العلاقة الزوجية، وتعزيز الحق في سُكْنى المحضون، بالإضافة إلى وضع ضوابط جديدة فيما يخص زيارة المحضون أو السفر به. * عاشرا: عدم سقوط حضانة الأم المطلقة على أبنائها بالرغم من زواجها * حادي عشر: وضع معايير مرجعية وقيمية تُراعى في تقدير النفقة، وكذا آليات إجرائية تساهم في تسريع وتيرة تبليغ وتنفيذ أحكامها. * ثاني عشر: جعل "النيابة القانونية" مشتركة بين الزوجين، في حال قيام العلاقة الزوجية وبعد انفصامها؛ وفي الحالات التي لا يَتَأتى فيها الاتفاق بين الزوجين، على أعمال النيابة القانونية المشتركة، يُرجع، في ذلك، إلى قاضي الأسرة للبت في الخلاف الناشئ، في ضوء معايير وغايات يحددها القانون؛ * ثالث عشر: تحديد الإجراءات القانونية التي يتعين على المحكمة سلْكها، من أجل ترشيد القاصر، وتعزيز الحماية القانونية لأمواله، وفرض الرقابة القضائية على التصرفات التي يُجريها وليه أو وصيه أو المقدم عليه. * رابع عشر: حق الزوج أو الزوجة بالاحتفاظ ببيت الزوجية، في حالة وفاة الزوج الآخر، وفق شروط يحددها القانون. * خامس عشر: تفعيل مقترح المجلس العلمي الأعلى، بخصوص موضوع "إرث البنات"، القاضي بإمكانية أن يهب المرء قيد حياته ما يشاء من أمواله للوارثات، مع قيام الحيازة الحُكمية مقام الحيازة الفِعلية. * سادس عشر: فتح إمكانية الوصية والهبة أمام الزوجين، في حال اختلاف الدين. بقلم عادل الزبيري.