خرج السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بتصريح أثار ضجة كبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي. يقول تصريح السيد الوزير "حنا علمانيين"، وهو ما اعتبره كثيرون، تصريحا غريبا، لأنه لم يصدر من وزير ينتمي لحزب سياسي، وإنما هو تصريح من شخص يتحمل مسؤولية وزارة سيادية مكلفة بتدبير الشأن الديني. تصريح السيد الوزير، أثار نقاشا كبيرا في المجتمع المغربي، استنكره علماء ودعاة، وانتقده مثقفون ومفكرون وسياسيون. وكانت بعض التصريحات حادة في انتقادها حيث جاء في رد وزير سابق "تكلم على راسك آسي…". واستغل تصريح السيد الوزير، بعض دعاة العَلمانية، محاولين الركوب على خرجة أحمد التوفيق، لشحنها بأفكارهم وتحميلها هلوساتهم النفسية. أمام هذه الضجة الإعلامية، ووسط هذه الردود الكثيرة، سواء المساندة أو المنتقدة، اختار السيد الوزير الرد فقط على ذ. عبد الإله بنكيران. لم يرُد أحمد التوفيق على من ذكره بالاسم، وتناول تصريحه بشكل مباشر في خرجات مخصصة فقط للرد عليه. لكنه اختار الرد على بنكيران الذي تطرق لموضوع العَلمانية في بعض الكلمات فقط، ومن خلال كلمته في مهرجان خطابي. بنكيران لم يخصص خرجة إعلامية لتناول تصريح السيد الوزير، لكن هذا الأخير اختار الرد فقط على بنكيران لأسباب لا يفهمها إلا السيد الوزير. سياق حديث السيد الوزير عن العَلمانية، يأتي في إطار حواره مع وزير فرنسي. والكل يعلم أن العَلمانية ليس لها مفهوم واحد، وتطبيقاتها تختلف من بلد لبلد. فعَلمانية فرنسا تُعتبر نموذجا متطرفا ومتخلفا للعلمانية المطبقة في الدول الاسكندنافية مثلا. كما أنها عَلمانية متردية قياسا لتلك المطبقة في ألمانيا. ويكفي أن نشير أن العَلمانية تضمن حرية المعتقد والممارسة التعبدية في كثير من البلدان. لكن في فرنسا، نجد عَلمانية متخلفة لأنها تتنكر لمبادئ العَلمانية، وتتدخل حتى في لِباس الأشخاص وما يضعونه فوق رؤوسهم. أمام هذه الحقائق، يمكننا القول إن تصريح السيد الوزير "حنا علمانيين" لم يكن مناسبا في سياق الحديث عن عَلمانية فرنسا التي تنكرت لمبادئ ومفاهيم الفكر العلماني. ثم إن الكثير من الدول العَلمانية، نجدها غارقة في التخلف والتردي الاقتصادي، لأنها دول عَلمانية وليست ديمقراطية. والأمثلة كثيرة خاصة في افريقيا وأمريكا اللاتينية. فمن الخطأ جعل العَلمانية مرادفة للتقدم والازدهار والنماء. فالذي يجب التركيز عليه هو الديمقراطية التي تفتح أبواب التنمية التي تنتظرها الشعوب، وليس العَلمانية التي تُدخل البلاد في جدل إيديولوجي عميق، لا يوفر منصب شغل ولا عيش كريم…لا يحقق إقلاعا اقتصاديا ولا طفرة تنموية…ففرنسا تقدمت بالديمقراطية التي وفرت الاستقرار والحكامة وحرية الصحافة واستقلالية السلط، وليس بالعَلمانية. لذلك نجد دولا عَلمانية، لكنها غارقة في التخلف. لم تُحرز الصين هذا التقدم الكبير بالعَلمانية، وإنما أحرزته حين انسجمت مع السنن الكونية القائمة على أساس الاستفادة من التاريخ والثقافة وحضارة البلد…تقدَّمت الصين حين اعتبرت أن دولة القانون لها الأسبقية على الديمقراطية في دولة المليار وأربعة مليون. لكل بلد تاريخ وثقافة وحضارة، والتنمية والتقدم رهين بحسن التعامل مع هذا الإرث المجتمعي. فليست هناك وصفة لإحراز التنمية بعيدا عن التاريخ والثقافة والحضارة، بما فيها عَلمانية فرنسا. ومن تخلى عن موروثه الثقافي والحضاري، سوف لن يحقق التنمية، وإنما سيصير نسخة مشوهة لمن يريد السير على خطاهم. عَلمانية فرنسا، كانت نتيجة لطغيان الكنيسة، وتحالفها مع نظام ملكي، وأنكرت العلم وحاربت العلماء. أفقرت الشعب الفرنسي وفرضت عليه الإتاوات وصكوك الغفران، لينعم القساوسة في بذخ جعل الشعب الفرنسي يثور تحت عنوان "اشنقوا آخر قسيس بأمعاء آخر ملك". ذاك تاريخ فرنسا، وثقافة فرنسا، وحضارة فرنسا. والمغرب ليس دولة كبيرة، لكنه دولة عميقة، لها جذورها التاريخية والثقافية والحضارية. وطريق التنمية المنشودة، واضح هو تطبيق السنن الكونية، المرتبطة بالتاريخ والثقافة وحضارة بلدنا. وهو النهج الذي سارت عليه كل البلدان التي حققت التقدم والازدهار. ففرنساوالولاياتالمتحدةالأمريكية دولتان عَلمانيتان وفق ثقافة كل بلد وتاريخه وحضارته. فإذا كان الإجهاض مسموح به في فرنسا، فكثير من الولاياتالأمريكية تُجرِّم قوانينها الإجهاض، عِلما أنها قوانين عَلمانية. فهل يتحدث السيد الوزير عن عَلمانية فرنسا أم عَلمانية أمريكا؟ التنمية والازدهار لا يتحققان إلا بخلق نموذج منسجم مع تاريخ المغرب، وثقافة المغاربة، وحضارة الأمة المغربية…ما عدا ذلك، سوف لن ننتج سوى نسخة مشوهة من عَلمانية فرنسا، وسنتحول إلى دولة عَلمانية بلا تنمية…. سعيد الغماز