نظم حزب العدالة والتنمية يوم السبت بمدينة أكادير، مهرجانا خطابيا أطره الأمين العام للحزب عبد الإله بنكيران. لم أحضر لهذا اللقاء الحزبي لكي أنصت لكلمة بنكيران، فأنا كغيري، أعلم جيدا أن خرجات الرجل، تحظى بمتابعة إعلامية كبيرة. وهذا سيجعل كلمته متوفرة في أكثر من منبر إعلامي، الأمر الذي سيجعلني أنصت لها بكل أريحية في الوقت الذي يناسبني. حضَرتُ هذا اللقاء، لأعرف مكانة الرجل في عاصمة سوس، ولأتابع عن قرب التساؤلات التالية: كيف سيكون عدد الحضور؟ كيف سيتفاعل الحضور مع مضامين الكلمة؟ وما موقع الحزب في المشهد السياسي في سوس؟ بما أن اللقاء انعقد بالقاعة الكبرى لبلدية أكادير، التي يرأسها السيد عزيز أخنوش، فقد ساد الاعتقاد لدى المتتبعين، أن بنكيران سيوفر حيزا كبيرا للحديث عن حكومة أخنوش، وسيوجه لها انتقادات غير مسبوقة، في عقر جماعة يرأسها السيد رئيس الحكومة. لكن يبدو أن بنكيران، غلَّب جانب احترام الضيافة، وكانت انتقاداته لعزيز أخنوش متسمة بنوع من اللباقة في النقد واللياقة في التعبير. سوف لن أتحدث عن مضامين كلمة بنكيران، لأنها كلمة تطرَّقَتْ من جهة، إلى قضايا نجتمع حولها كمغاربة، وهي تلك التي تتعلق بوحدتنا الترابية، ودعمنا للقضية الفلسطينية. ومن جهة أخرى تحدَّثَتْ عن قضايا تهم الشأن السياسي. وهي قضايا يمكن أن نتفق، كما يمكن أن نختلف حولها. ما يهمني في هذا المقال، هو الحضور وطبيعة تفاعله مع كلمة بنكيران. والهدف هو معرفة أسرار هذا الاهتمام الشعبي بخرجات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وهذه المتابعة الكبيرة له من طرف وسائل الإعلام، وهذا الاهتمام الذي يحظى به حتى من خصومه. فرغم أنهم يُرَوِّجون أن حزبه تقهقر وفقد قوته، تجدهم أشد الناس اهتماما به، وأكثر الناس حرصا للرد عليه. حرصهم هذا هم أدرى بأسبابه. الحضور الذي ملأ القاعة الكبرى بكاملها، وبقي آخرون واقفون في جنياتها، وآخرون يتابعون اللقاء في بهو البناية من خلال شاشة تلفاز...هذا الحضور لا يعكس حزبا حصل فقط على مجموعة نيابية لا يتجاوز عددها 13 نائبا. كما لا يعكس حزبا في أكادير، لم يحصل سوى على 5 مستشارين في الانتخابات الجماعية. الأمر الذي يجعل عقول المتتبعين حائرة أمام هذا الفارق بين قوة الحزب في الشارع، وقيمته في البرلمان والمجالس الترابية. بعيدا عن الأرقام، وعدد الحضور، هناك أمور لا يفهمها إلا من حضر اللقاء، وتابع عن كثب، تفاعل الحاضرين مع كلمة بنكيران. باختصار شديد، كل من تابع الكلمة من داخل القاعة، سيلمس حضور عُمقِ السياسة، أو لنقل السياسة العميقة على وزن الدولة العميقة. فالرجل تحدث عن قضايا الوطن وهموم الأمة، بِلُغةٍ سياسية تفاعل معها الحضور، بطريقةٍ تُحاكي تفاعل الطالب مع المعادلة الرياضية حين يجد الحلول لها. اللقاء كان مناسبة لكل متتبع، لكي يشعر عن قرب بمعنى تقريب السياسة من المواطن، ومعنى ممارسة السياسة بالجرأة الضرورية والمسؤولية المطلوبة. انعقد اللقاء في عاصمة سوس، وكان من بين الحضور من جاء من مختلف المناطق السوسية. وقيمة الحزب في جهة سوس، لا تعكسه قيمة الحضور لهذا اللقاء فحسب، بل تعكسه تلك المشاهد من الساحة المتاخمة لبناية البلدية بعد انتهاء اللقاء... تجمعات وحلقات ونقاشات، وكأن لسان حال الحضور، يريد فتح النقاش، وإبداء الرأي في ما جاء في كلمة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية. فالسياسة بلا نقاش جثة ميتة، والنقاش بلا سياسة يفرز الكائنات الانتخابية. وهو حال سوس في هذا الوقت. من رأى ليس كمن سمع، ومن حضر كلمة بنكيران، ووقف على طبيعة تفاعل الحضور معها، سيفهم عمق السياسة، وأثر الكلمة. وهو ما لن يفهمه من اقتصر على المتابعة من خلال المنابر الإعلامية.