عاش الطاقم الطبي بمستعجلات مستشفى انزكان الليلة الماضية الأحد 14 يوليوز 2013 ليلة رعب حقيقية ، حين وجد الطاقم الطبي و افراد الحراسة الخاصة انفسهم في مواجهة شخص في حالة هيجان مدعوما بثلاثة عناصر اخرين ، مما جعل الطاقم الطبي و معهم العشرات من المرضى الدين كانوا في العناية المركزة بالقسم ، يضطرونا إلى إخلاء قاعة المراقبة و الانعاش والاحتماء بفضاءات داخل المستشفى في انتظار حضور رجال الشرطة من دائرة المداومة. البداية كانت مع شخص قدم رفقة تلاث اصدقاء لتلقي العلاج حوالي الساعة السابعة و عشرون دقيقة بعد تعرضه لحادثة سير على متن دراجة نارية . دخل قسم المستعجلات و علامة الهيجان بادية عليه ، حاول رجال الحراسة الخاصة الحديث معه و توجيهه فرفض مصرا على التوجه مباشرة الى الطبيب المداوم ، تقدم الاخير فأجرا له الفحوصات الضرورية، و امر احد الممرضين بمتابعة حالته ، و اثناء شروع الممرض في تقديم الاسعافات الاولية للمصاب راح الاخير يتهكم رفقة اصدقائه من رجال الحراسة الخاصة و الممرض المعالج نفسه … انتهى الممرض من تضميد الجروح ، ارتفع صوت ادان صلاة العشاء و الممرض المسكين و معه رجال الحراسة الخاصة لم يتناولوا بعد وجبة الفطور الرمضانية حرسا منهم على ان تمر الامور في امن و سلام رغم كل الاهانات ، غادر الشاب المصاب المستشفى و هو يهمس لاحد اصدقائه " يالله نمشيوا نفطروا و نرجعوا ليهم "، تنفس طاقم القسم صعدا رغم ما سمعه . الساعة العاشرة ليلا يعود الشاب المصاب رفقة نفس الاشخاص ، دخل القسم و هو يصرخ " فين هو ذاك الطبيب ، انا بغيت نشوف الطبيب " اصطحبه احد رجال الحراسة الخاصة الى قاعة المراقبة و الانعاش حيت كان الطبيب المداوم الدكتور البوحاحي يراقب المرضى و اغلبيتهم من النساء و الاطفال ، انسحب رجل الحراسة ليعود الى مكانه في الباب الرئيسي ، فجاءات سمع صوت الطبيب و المرضى بالقاعة يستغيثون ، سيدة حامل تخرج من باب القاعة مهرولة " عتقوا الروح اعباد الله " سقطت على الارض و لولا لطف الله لتعرض جنينها لمصيبة ، حملها زوجها على وجه السرعة خارج المستعجلات و كيس " السيروم " معلق بها . تدخل رجال الحراسة الخاصة و انقدوا الموقف و حالوا دون وقوع مصيبة اكبر. في هذه اللحظة كانت الهواتف النقالة للطاقم الطبي تحاول الاستنجاد بالمسؤولين عن الصحة بمدينة انزكان ، كالمندوب الاقليمي والحارس العام و… بعد فشلهم في ربط الاتصال برجال الشرطة عبر الخط 19 ،لكن الرد الذي جاء من طرف المسؤول الاول بقطاع الصحة بإنزكان كان مبعثا للسخرية حينما اشار الى احد المتصلين ببرودة " انا غادي نتأصل بالبوليس " ، تخلف السيد المندوب عن الحضور و حضر الى عين المكان قائد الملحقة الحضرية الجرف رفقة رئيس الدائرة الحضرية لإنزكان ، هذا الاخير الذي نقل الخبر مباشرة الى مسؤوله الاقليمي الاول . حضر رجال الشرطة كدلك و اقتادوا المهاجم و و ضعوه رهن الحراسة النظرية الى غاية متوله امام انظار و كيل جلالة الملك ، في حين هرب احد اصدقاءه . ربع ساعة من الجحيم تقريبا قضاها الطاقم الطبي بين الفر والكر للنجاة بأرواحهم من بطش أشخاص غير مدركين لأفعالهم . هي حالات تتكرر باستمرار بين الفينة والأخرى بمستعجلات المستشفى الاقليمي بإنزكان ، وتجعل الأطباء والممرضين و رجال الحراسة الخاصة خصوصا في الليل يقومون بمهامهم تحث التهديد. و هنا و في حديته عن الاعتداء صرح لنا " م – م " الذي اصيب بجروح على مستوى يده في الهجوم و يعمل كحارس أمن خاص بالمستعجلات ، ان سبب هذا المد العدواني الذي يتحول في كثير من الأحيان إلى إجرام مع نهاية الأسبوع ، أولا إلى انفتاح المستعجلات على الشارع مباشرة ، وعدم توفر رجال الحراسة الخاصة على وسائل للدفاع عن أنفسهم، ثم إلى الاكتظاظ الذي يعرفه القسم حيث يستقبل المرضى مصحوبين بأقاربهم الذين قد يتجاوز عددهم الستة في بعض الاحيان . ليبقى السؤال المطروح، هو كيف يمكن لكل هؤلاء القيام بمهامهم في مثل هده الظروف التي تتسم بالرعب وفي غياب حماية أمنية بالليل ؟. لقد أضحت كل مداخل المستشفى الاقليمي بإنزكان واجهة للمشاحنات وللكلام النابي بين المواطنين والحراس الذين تحولوا إلى أذرع بشرية في مواجهة المواطنين الذين منهم من يتضور ألما أو في حالة صحية يرثى لها. المواطنون انفسهم يعتبرون ما يحدث في المستشفى أمر غير مقبول، فاطمة مواطنة تبلغ من العمر 47 سنة تنحدر من حي تراست ، التقيناها بقسم المستعجلات تسال عن المسؤول او المسوؤلة عن جهاز الفحص بالصدى " الراديوا " ، علامات الغضب بادية على وجهها و التعب اخد منها ، مرة تصرخ و مرة تهدا و تقول بالم شديد " و الله كون عندي الفلوس ما نجيش لهنا اربعة ايام اعباد الله و انا هنا سير واجي " و تسترسل بحرقة و بصوت مرتفع مصحوب بالدموع امام الملا قائلة " كلشي واقف ف هاد السبيطار ، الراديو خاسر ، المواعد باش تشوف الطبيب في شهر و شهريين …" . حتى تشبع الموت تقول لها سيدة اخرى كانت جالسة بجانبها متهكمتا . اما رشيد فهو موظف يبلغ من العمر 35 سنة ينحدر من فاس يريد الحصول على شهادة ادارية لزوجته التي وضعت مولودها بالمستشفى ، يقول رشيد من الساعة الثانية عشر بعد الزوال كلشي كيخرج و ما بقى للمرضى ما يديروا في المستشفى ، و يا زهر و سعدات لي تلقى مع شيء حد من الاطر خدام بضميروا وهم قليلون باش يوجهوا و يشدوا بلا ما يتسنى و يطيع وقتوا في ردهات المستشفى ، و يقول ليه غير سير حتى لغداء راه كلشي خارجين " ، هولاء جزء من عينة من المواطنون التقيناهم بالمستشفى و هم يؤكدون على انا لا أحد ينصت لمعاناتهم في المستشفى ككل بالليل كما بالنهار ، ليظل الشجار والتشابك وسيلتهم الوحيدة للتعبير بأعلى صوتهم عن سخطهم واستنكارهم للوضع المتردي للخدمات الصحية بالمركز. و هنا أصبحت المواجهات بالمستشفى ، بين الطاقم و المواطنين يومية حسب قول احد الاطباء بالمركز . هذا ما يجعل الأمور تسير نحو الأسوأ، حيث كل يوم يفاجأ الممرضون أو الأطباء بمريض أو مرافقه وقد انتفض غاضبا كلما طلب منه الانتظار قليلا كما حصل اليوم ، ويتلفظ بكلمات بديئة يقذفها في وجه الطبيب والممرض و افراد الامن الخاص . " احنا ولينا كنخافوا على حياتنا " ، يقول الطبيب المداوم الدكتور البوحاحي ، قبل أن يضيف «أغلب المواطنين لا يعلمون أننا نعمل في ظل النقص الحاد في الموارد البشرية وضعف البنيات التحتية والتجهيزات و الخصاص الذي يعيش على إيقاعه المستشفى فيما يخص اللوازم الضرورية للعمليات الجراحية والأدوية ….حتى راديوا ماخدامش ، اللهم انا هذا منكر …" ثم أردف قائلا «ما يهم المرضى هو الحصول على العلاج بأي ثمن ولو كان بالقوة..". و هي امور و وقائع يؤكدها احدى الممرضات التي استرسلت بدورها في الحديث عن المعاناة التي تجعل نساء ورجال الصحة معرضين للتهديدات أثناء تأديتهم لعملهم، وطالبت بحمايتهم من طرف الدولة قائلة «أنا بغيت غير نعرف واش احنا خدامين مع الدولة و في مؤسسة ولا في الشارع؟!». الاعتداء خلف موجة من الاستنكار في صفوف الفريق الصحي العامل بهذا المستشفى، وأعاد وضع تدبير وتسيير هذا المرفق العمومي فوق طاولة التشريح. فقد أكد لنا أكثر من مصدر بأن المستشفى الذي يعيش بدون مدير منذ مدة، قد هزه زلزال الإفلاس على كل المستويات. وترجع هذه المصادر ذلك إلى التسيير السيئ والملغوم ، حيث اضحى المستشفى مستباح امام كل الأوبئة الاجتماعية إلا للقانون وقدسيته. فلم يعد يمتلك هذا المستشفى من العمومية إلا الاسم . الإفلاس الذي يعيشه قطاع الصحة بالإقليم عامة وهذا المستشفى خاصة، سبق أن طرحته العديد من الفعاليات المدنية والسياسية في أكثر من مناسبة رسمية أمام أنظار المسؤولين و على راسهم عامل الاقليم، الذي هو نفسه تقول مصادر مقربة منه انه مستاء من تدبير القطاع. هي اذا حلقة جديدة من حلقات احدات العنف والاعتداء في المستشفيات العمومية ليس فقط على مستوى انزكان بل على المستوى الوطني ، احداث تعرف ارتفاعا متزايدا في ظل الخلل الذي تعيش على إيقاعه المنظومة الصحية ببلدنا جراء ممارسات المسؤولين على طول العقود الماضية . وضعية أصبح معها مهنيو الصحة يعانون من تهديد مستمر في ظل الخصاص المهول في الموارد البشرية. وهو ما يؤجج شرارة المواجهة اليومية بين نساء ورجال الصحة والمواطنين الذين يجنحون إلى العنف كوسيلة للتعبير عن سخطهم على تردي الخدمات الصحية .