لا حديث في وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام سوى عن صورة قُبلة حميمية، تزعم بعض الروايات أنها جمعت رجل أعمال أسترالي وقع مؤخرا عقودا في المغرب تخص الهدروجين الأخضر، والسيدة ليلى بن علي وزيرة الطاقة. تناول الجميع هذا الموضوع، الغريب والخطير في نفس الوقت من جوانب عديدة. لكن البعض، اعتقد أن حدث القُبلة مناسبة سانحة وهدية جميلة، ليرد حزب العدالة والتنمية الصاعة صاعين لما تعرض له أعضائه من تشهير وسب وقذف في أحداث تخص حياتهم الشخصية، وبعيدة عن مهامهم في الشأن العام. ظرفاء التواصل الاجتماعي بحثوا في مواقع الحزب فلم يجدوا أي حديث عن حادث القُبلة في الشارع العام. فبدأت الأسئلة تُطرح تباعا: هل الحزب لا يريد "رد الصرف" لما تعرض له خلال ولايته السابقة؟ هل بلغ الحزب من الحكمة ما يجعله مترفعا عن ثقافة "رد الصاع صاعين"؟ ظرفاء التواصل الاجتماعي ليسوا من طينة من يستسلم بسهولة. لا يمكن أن لا يدخل الحزب على خط قُبلة الوزيرة، ولو من باب طرح الأسئلة. فما تعرض له في ولايته السابقة لم يحدث في تاريخ الحكومات المغربية. فراحوا يبحثون في حسابات الشوباني وماء العينين ومحمد يتيم لعلهم يجدوا ما يزيد في الإثارة والتشويق. فلم يجدوا أي إشارة للحدث ولو بالهمز واللمز. لم يفهم القوم ما الذي يقع. هل قيم الحداثة التي لا تخوض في الحياة الشخصية للناس، انتقلت إلى حزب يوصف بأنه محافظ؟ وهل الخوض في أعراض الناس والتدخل في الحياة الشخصية أصبحت من سمات أحزاب تقول عن نفسها إنها حداثية؟ إنها حياة سياسية نعيشها بالمقلوب. حزب يوصف بالمحافظ لا يتدخل في الحياة الخاصة، ويحترم خصوصية الآخر ولو اختلف معه. وحزب يصف نفسه بالحداثي لا يُفوِّتُ فرصة تخص الحياة الخاصة لخصومه إلا وحشر أنفه فيها، وجند مواقع إعلامية لا نعرف من يُفرِّخها. لم يفهم ظرفاء التواصل الاجتماعي الحكمة التي مارسها حزب العدالة والتنمية حين نأى عن نفسه الخوض في موضوع القُبلة رغم ما عاناه أعضائه في السابق. نعود للبلاغ التكذيبي الذي أصدرته السيدة الوزيرة. نعرف أنها تقدم نفسها كحداثية تنتمي لحزب حداثي. ومن مقتضيات الحداثة أن مجرد الوقوع في شبهة يقتضي استقالتها ووضع نفسها تحت تصرف أي تحقيق في الموضوع. هذه هي الحداثة التي نلمسها في موطن نشأتها في القارة الأوروبية. لم تقدم استقالتها لأن الحداثة في وطننا الحبيب مُختزلة في القُبل في الشارع العام والعلاقات الرضائية وقضاء الليل في الفنادق دون الحاجة لعقد الزواج. طيب… اكتفت السيدة الوزيرة ببلاغ، لكن جمهور التواصل الاجتماعي اعتبره بلاغا غير مقنع. كما أن ارتباك السيدة الوزيرة أمام وسائل الاعلام وارتباكها في البلاغ الذي أرسلته ثلاث مرات إلى وسائل الاعلام (الأول بدون توقيع والثاني يحمل شعار الوزارة ثم الثالث موقع ويحمل شعار الوزارة)، يطرح أكثر من علامة استفهام. قصة صورة القُبلة الحميمية، نشرتها صحيفة أسترالية. وإذا كان الأمر كذب وتشهير، فكان يجب على بلاغ السيدة الوزيرة التوجه مباشرة وبكل جرأة إلى الصحيفة الأسترالية، لأن الأمر لا يمسها وحدها، بل يمس حكومة ودولة وشعبا. بدل التوجه بالوعيد للمواقع الوطنية التي نقلت الخبر عن مصدره وأرادت معرفة جواب الوزيرة. ثم إن غياب تضامن حزبها وسكوت السيد رئيس الحكومة، فيه من الدلالات ما يجعل أن الأمر خطير ومتشعب. البلاغ غير مقنع لأن الصحيفة الأسترالية نشرت مقالا ترد فيه على بلاغ السيدة الوزيرة، وتتحدث عن تفاصيل لقاء في المقهى ومبيت في فندق ذكرته بالاسم. ثم إن الصورة فيها طرف ثان هو الملياردير الأسترالي، الذي سكت عن الموضوع رغم أنه المعني الرئيسي، علما أن مقربين منه، حسب نفس الصحيفة، أقروا بوجود علاقة بين الاثنين منذ عامين وهو ما تحدثت عنه مواقع وطنية. إذا صحت هذه الأخبار، فهذا يعني أن علاقة الفاعل الأسترالي في الطاقة النظيفة مع السيدة الوزيرة، تسبق بكثير الصفقة التي فاز بها في المغرب. فيجب إذا فتح تحقيق حول تضارب المصالح. والغريب هو أن الفترة التي تواجد فيها الملياردير الأسترالي في باريس، هي نفس الفترة التي غابت فيها السيدة الوزيرة عن جلسة البرلمان، وحضر مكانها السيد بايتاس مخبرا البرلمانيين أنها في مهمة رسمية خارج الوطن. فتفاجأ الجميع بهذه الصورة وبالمقال الذي يعطي تفاصيل دقيقة. احترموا ذكائنا أيها الحداثيون، وكفى من استغلال المال العام. لو سافرت السيدة الوزيرة من مالها الخاص، وكانت في إجازة قانونية، لما كان من حقنا الخوض في الموضوع. الوزيرة شخصية عمومية، وتتقاضى تعويضا عن كل تنقل إلى الخارج، ومن حق دافعي الضرائب أن يستفسروها عن هذه الصورة في الشارع العام في باريس. فالوعيد وخطاب اللجوء إلى القضاء لا يستقيم في مهمة خارج الوطن ممولة من المال العام. نعم… نريد من السيدة الوزير أن تلجأ إلى القضاء الأسترالي، لمقاضاة الجريدة الأسترالية حتى نغير القناعات الخطيرة التي بدأت تترسخ في أذهاننا. سعيد الغماز