لم أعد أميل كثيرا إلى الكتابة في مواضيع محلية وجهوية إلا نادرا، كغيري من الكثيرين الذين ابتعدوا على مضض ، تاركين طواحن الهواء للورد دونكيشوت ديالامانشا ليحارب منها ما يشاء ، فالكتابة فيها او عنها لم تعد تجدي نفعا . كما لا أرغب في الإبتعدا كثيرا عن مجال الاختصاص المحتوم الذي قضيت فيه حيزا كبيرا من الزمن كمختص وباحث وصاحب ، الهجرة وحقوق الإنسان ، دون إغفال قضية صحرائنا المغربية والترافع عن سيادتنا ومقدساتنا الوطنية فهي أولوية الأولويات وقضية كل المغاربة . غير أني لا أستطيع الصبر حين تأخدني الغيرة كأحد أبناء أكادير ، المهووس بالثقافة الأمازيغية واللغة الأمازيغية ، وبالفكر والفن الأمازيغي ، رغم الخوف من السقوط في عدم الموضوعية ، وحتى غض الطرف عن بعض الأمور التي هي من اختصاص منتخبينا المحليين والجهويين ، ولو من باب إحترام الإختصاص ، وواجب التحفظ الشخصي ، غير أنني أحيانا أجدني مضطرا لأخرق هذه القاعدة للحديث عن مكونات ثقافتنا المحلية وموروثنا الوطني الأمازيغي المشترك ،و عن ذلك الحيف الذي لازال يعاني منه الكثير من ثراتنا المادي واللاماذي الأمازيغي بجهة سوس ماسة خاصة . فزاوية المخاطرة العلمية في الكتابة في مثل " أركان" ، و"زغفران تالوين "، وأكال( الأرض) ،و التين الهندي "أكراني" ،والرعي الجائر " والحق في الخصوصية الثقافية ، كحق من حقوق "الشعوب الأصلية " ، مواضيع تنجر نحوها عاطفتنا قبل عقولنا ، وتتطلب من نوعا من حق رد الجميل في الترافع عن جهة سوس ماسة ومدينة اكادير وضواحيها ، والتي هاجر لها الأجداد والأباء قبل الزلزال وبعده والتي جادت عليهم وعلينا بالكثير ، فلا أحد يجاحد فضل الأوطان . قبل الحديث عن "أركان" وشجرته المعطاءة ، سأبحر بك عزيزي المتلقي ، الى ما عرفته حبوب الكينوا قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة، في جبال الأنديز بالقارة الأميركية الجنوبية، حيث تعتبر بوليفيا والإكوادور والبيرو من أكثر الدول المنتجة والمصدرة لها، الكينوة التي عرفت أيضا باسم ذهب شعب الأنكا، وأم الحبوب، وحبوب المستقبل ، لفوائدها العديدة على صحة الإنسان . لم يكن ليأكل الكينوا إلا السكان الأصليون في جبال الأنديز، وذلك بأماكن مثل "تشالاباتا" التي تقع على ارتفاع 3 آلاف و800 متر فوق سطح البحر، إلا أنها صارت في السنوات الأخيرة معروفة لدى الغرب ليرتفع ثمنها بشكل كبير . لقد دفع البيروفيون الثمن غاليا اتجاه الكينوا ، فما كان طعاما للفقراء أصبح الآن مكلفا للغاية بالنسبة للكثيرين منهم ،بعد أن أعلنت الأممالمتحدة عام 2013 بأنه «العام الدولي للكينوا». الشيء نفسه ينطبق على الأركان في بلدي العزيز ، لست متفائلا بشأن هذا الجنون بزيت الأركان ، الزيت الذي كنا نستهلكه يوميا وكان لا يخلوا منه بيت خاصة في مناطق سوس وجزء من إقليمالصويرة ،المناطق التي تتوطن فيها شجرة الأركان، الأركان و هذا الزيت الدهبي الذي أصبح رفاهية للكثيرين والذي بدوره خصصت له الأممالمتحدة يوما عالميا و لشجرته ، والله وحده أعلم بالمنتوج المستقبلي الذي يأتي في قائمة إنتظارهم في إطار عولمة منتوجات الشعوب الأصلية … المغرب الذي عمل جاهدا على حماية الفلاحين الصغار وأراضيهم و تشجيع النظام التعاوني في هذا المجال ،فضلا على توجيه البحث العلمي إلى إعادة إمكانية زراعة شجرة الأركان ، و بما يحفظ قابليتها لإعطاء ذات المنتوج وبدات الجودة ، وهنا لابد من الإعتراف بمجهودات المعهد الوطني للزراعة والبيطرة بأيت ملول ، وما حققه من تحد في مجال كان مستعصيا الى وقت قريب ، مع العلم أن هناك مساحلات أقتلعت أشجارها ويعرفها الجميع إما نتيجة بعض الإستثمارات السياحية والترفيهية ، أو ما ثم إقتلاعه من أجل إنجاز الطريق السيار خاصة على مستوى غابة الأركان الممتدة من منطقة أركانة ، وصولا إلى أمسكرود و حدود محطة الأداء أكادير . زيت الأركان التي كنا نشم رائحتها من ابواب حاراتنا ، حينما كانت المرأة السوسية الشريفة تقوم بقلي "تزنين" ( نواة حبة الاركان والتي تستخلص منها الزيت ) على نار هادئة . هذا المنتوج الذي أضحت نسبة 99٪ منه ،وبنوعيه سواء المعد للإستهلاك أو المعد لصناعة مواد التجميل وغيرها ، موجه بنسبة كبيرة نحو التصدير التصدير ، وأضحت معه تلك المرأة السوسية العظيمة ، التي تشهد يداها على مر سنين عمرها ، على خبرتها في انتاج الدهب الأخضر وحماية شجرته ، أصبحت تعمل في تعاونيات ، يجني أرباح منتوحاتها مستتمرون بإسم مؤسسات وشركات مختلفة ، بينما لا يبقى للتعاونيات ولنسائها المرابطات إلا تقاسم ما بقي من أرباح قليلة . Your browser does not support the video tag. Your browser does not support the video tag. من أجلكن نساء الأركان ، ومن أجل حقكن في حماية منتوجكن و حقكن في الأرض وفي شجرة الأركان ، كتبت هذه السطور على مضض ، عسى أن يكمل مالم أستطع عليه صبرا من هو ألحن مني وأجدر علما ، والوقوف عما يحمي شجرة الأركان وحق المرأة السوسية في الإستفادة من منتوجها المحلي ، الذي خصص له معرض دولي بأكادير ، ومؤتمر دولي بمدينة الصويرة وجهة مراكشآسفي ؟؟! ذ/ الحسين بكار السباعي محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.