الاهتمام بالفلسفة هو طريق يُكسبنا آليات التفكير ويساهم في تجويد طريقة نظرتنا للأشياء وهو ما ينعكس إيجابا على حياتنا. ليست الفلسفة شَرا يُبعدنا عن الله، وإلا كيف نفسر ملازمة الفيلسوف سبينوزا طيلة حياته، لعائلة مسيحية متدينة ولم يؤثر فيها بأفكاره حتى أنه حين مات، كانت العائلة تؤدي صلواتها في الكنيسة. كما أن الفلسفة لا تملك الحقيقة وإلا كيف نفسر فلسفة توماس هوبز التي تُنظِّر للنظام السلطوي وفلسفة روسو التي تُنظِّر للديمقراطية. الفلسفة هي طريقة في التفكير والاهتمام بها ضرورة مجتمعية ولا وجود لفلسفة يمكنها هزم الدين. " الدين يُفسر للعقل ما هو عاجز عن تفسيره أو فوق طاقته كالقضايا الغيبية. بالمقابل الفلسفة باعتمادها على العقل تساعد على توضيح ما هو غامض من الشريعة وتُدعم بالأدلة العقلية ما أتى به الدين" الفيلسوف الكندي
نقصد بالمباحث المواضيع التي تطرقت إليها الفلسفة وتناولها الفلاسفة. اهتمت الفلسفة على مر العصور بالعديد من المباحث التي يمكن، من الناحية المنهجية، تقسيمها إلى ثلاثة فروع: الميتافيزيقيا ونظرية القيم ونظرية المعرفة. –1– مبحث الميتافيزيقيا: مصطلح "ميتافيزيقيا" يعني ما بعد علم الطبيعة. وأصل التسمية يعود إلى أندرونيقوس الذي عَمِل على تصنيف كتب أرسطو، وهو فيلسوف يوناني اهتم أساسا بعلم الطبيعة. لكنه احتار في تصنيف الكتب التي تطرقت لما بعد علم الطبيعة فسماها ميتافيزيقيا أي "ما بعد علم الطبيعة". وأرسطو نفسه كان يُسمي هذا المبحث "الفلسفة الأولى". ومع تطور الفلسفة أصبح هذا المبحث الميتافيزيقي وصفا لفرع الفلسفة الذي يهتم بدراسة طبيعة الواقع والوجود بشكل عام بما في ذلك الوجود الإلهي والأديان. ويُمكن تقسيم مبحث الميتافيزيقيا إلى أربعة مباحث فرعية: -أ- الأنطولوجيا: وهي مشتقة من الأصل اليوناني "أنطوس" الذي يعني الوجود، وتهتم الأنطولوجيا بدراسة ماهية الوجود ومُلحقاته من قبيل التَّغَيُّر، الزمان والمكان والعلاقة بينهما. من الأسئلة التي يتناولها هذا المبحث نجد: لماذا هناك شيء بدل اللاشيء؟ هل كان العدم المُطلق سابقا للوجود؟ ما هي طبيعة الواقع؟ هل هو واحد أم مُتعدد؟ هل الوُجود مادي أو روحي؟ -ب- الثيولوجيا: هو مُصطلح مُشتق من الأصل اليوناني "ثيوس" بمعنى إله. مبحث الثيولوجيا يُناقش موضوع الألوهية والأدلة على وجود الله وعلاقة الإله بالكون. من الأسئلة التي يتناولها هذا المبحث: هل الله موجود؟ ما طبيعته؟ إن كان هناك إله، لماذا هناك شر وآلام؟ وكيف وُجدت الآلام والشرور؟ -ج- الكوسمولوجيا: وهو مصطلح مشتق من الأصل اليوناني "كوسموس" الذي يعني الكون. الكوسمولوجيا تتناول جوانب الكون كوحدة قائمة بذاتها. ورغم أنها حاليا تُشير إلى أبحاث الفيزيائيين لفهم البنية الكبرى للكون، فإن هذه الأبحاث لم تُخرجها من دائرة الفلسفة، بل على العكس، لا تزال تنفخ الروح في مناظرات قديمة العهد حول بداية الكون وتفرده، وبالتالي نجدها تطرح أسئلة من قبيل: ممَّ يتكون الكون؟ ما هي مادته الأولية؟ هل للكون بداية؟ وهل ستكون له نهاية؟ هل الكون هو كل ما هناك؟ أم أن هناك واقع مفارق له؟ -د- الأنثروبولوجيا: وهو مصطلح مشتق من الأصل اليوناني "أنثروبوس" بمعنى إنسان. والأنثروبولوجيا تهتم بدراسة الإنسان وماهيته. ومن أسئلتها: ما هو الإنسان؟ ما هي مميزاته الأساسية؟ ما العلاقة بين ذهن وجسد الإنسان؟ ما هو أصل الإنسان وما مصيره؟ ما هي الإرادة وما معنى الحياة؟ –2– مبحث القيم: وهو مبحث يُصطلح عليه فلسفيا بمبحث "الأكسيولوجيا" من الأصل اليوناني "لوجيا" التي تعني علم أو نظرية، و"أكسيوس" التي تعني قيمة، وبالتالي المصطلح يُفيد نظرية القيم. مبحث القيم ينقسم بدوره إلى مباحث فرعية هي: الجمال، الأخلاق، الفلسفة السياسية والفلسفة الاجتماعية. – مبحث الجمال يتناول أسئلة من قبيل: ما هو الجمال؟ هل الجمال موضوعي كامن في الأشياء أم أنه ذاتي ونسبي يكمن في عين الرائي كما يُقال؟ ما هي معايير الحكم الجمالي؟ وما هو المعيار للتمييز بين الفن والأفن؟ هل للفن معنى؟ وكيف يمكن أن يكون له معنى؟ – مبحث الأخلاق يهتم بدراسة قضايا الخير والشر والصواب والخطأ، فهو يهتم بالأسس العامة للأخلاق، حيث يسعى لصياغة قواعد ومبادئ السلوك الأخلاقي وذلك بالإجابة على أسئلة من قبيل: ما هي المعايير التي يمكن أن نبني عليها الأخلاق؟ كيف نميز بين الخير والشر؟ على العموم مبحث الأخلاق يُحاول الإجابة عن أسئلة من قبيل هل الإعدام مبرر أخلاقيا؟ الإجهاض أيضا يطرح مسألة أخلاقية صعبة: هل الإجهاض حق؟ أليس الجنين جديرا بالحماية؟ كما يُناقش المبحث المشاكل الأخلاقية للتعديل الجيني وغيرها من المواضيع الآنية. – مبحث الفلسفة السياسية والاجتماعية ويهتم بالتصورات والنظريات المرتبطة بالتنظيم الاجتماعي خصوصا الحكومة والدولة، كما يعمل على تقويم هذا التنظيم الاجتماعي من وجهة نظر أخلاقية. لذلك نجد هذا المبحث يتساءل حول أصل الدولة والحكومة؟ وعن التقسيم المناسب للحقوق والواجبات؟ وعن العلاقة بين الفرد والمجتمع؟ وعن طبيعة العدالة وكيفية تحقيقها؟ وعن أصل القانون؟ هل هو دنيوي أم سماوي؟ أسئلة لا بد أن نطرحها على أنفسنا ونحاول الإجابة عليها حتى نكون مواطنين واعين ومسؤولين. –3– نظرية المعرفة: وهو مبحث يُصطلح عليه فلسفيا "الأبستمولوجيا" من الأصل اليوناني "إيبيستيمي" التي تعني معرفة. وهو مبحث يُعنى بطبيعة المعرفة: أساسها وحدود المعرفة البشرية. كما يبحث في مواقفنا المعرفية ومعتقداتنا وهل شَكَّلْناها بطريقة صحيحة أو خاطئة. هكذا نجد نظرية المعرفة تُحاول الإجابة عن أسئلة من قبيل: كيف نعرف؟ ما قيمة ما نعرف؟ ما هي الحقيقة؟ إلى أي حد، ما يُمثله الناس يُشبه ما هو موجود فعلا في الخارج؟ كيف نعرف أن حواسنا لا تخدعنا؟ من خلال هذه الأسئلة نلاحظ أن لنظرية المعرفة أهمية خاصة، فقبل أن نعرف أَيَّ شيء عن أَيِّ شيء، لا بد أولا أن نعرفَ كيف نعرفُ؟ وما يمكننا معرفته أصلا؟ في الختام، يجب التنبيه إلى أن تطور الفلسفة عبر العصور باعتبارها نشاطا فكريا يُسائل كل المواضيع والمجالات، جعل منها علما وتخصصا يهتم بمباحث أخرى متنوعة من قبيل فلسفة التاريخ، فلسفة القانون، فلسفة الدين، فلسفة العلوم، وكذلك فلسفة اللغة.