فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التمدرس واللامساواة في الحظوظ
نشر في أكادير 24 يوم 07 - 11 - 2021


* التطور الكمي للتعليم والتفاوت فيه
ان الحركة التاريخية لمجتمعنا المغربي خلال العقود الاخيرة تدلنا على ان التربية في مجتمعنا، اثبتت قدرة محدودة على بناء صرح الامة وصياغة مستقبلها وفق امالها، بل كانت لها تأثيرات جانبية سلبية احيانا، وليس معنى ذلك ان التربية في المستقبل القريب والبعيد لا يمكنها ان تضاعف قدرتها على البناء وصنع المستقبل اللاحق بالسرعة المرجوة وفي الاتجاه السليم، ولأجل رفع كفاية التعليم ينبغي معالجة اسباب الضعف في عناصره الرئيسية: سياسات واهداف ومناهج وادارة..
التربية اليوم اصبحت قضية مصيرية للامة و ذات اولوية اجتماعية قصوى لذا تحاول كل الدول والحكومات السيطرة على الحقل التربوي وتكييفه مع سياساتها الكبرى والتحكم في مخرجاته حتى لا يكون التعليم عبئا ماديا وسياسيا واجتماعيا على الدولة والمجتمع، ومن اولويات الاهداف التي تسطرها الدول في سياستها التعليمية: تعميم التعليم على اوسع نطاق جغرافي وديموغرافي وعلى كل الفئات والطبقات المجتمعية وبدون ميز او استثناء مما نجم عنه تعاظم العديد من المشكلات الاجتماعية والثقافية والتربوية بسبب الصراعات التي دارت من حوله بين القوى الاجتماعية التي تتناقض مصالحها المادية والرمزية بغية الامتيازات الثقافية والاجتماعية التي يمكن اكتسابها من التعليم. كما ان هذه السياسة التعميمية للتعليم افرزت– كذلك- ظهور تحولات جديدة مست النظام التعليمي، ذلك ان معظم الابحاث الميدانية اشارت الى قضايا شائكة على مستوى البحث والدراسة من قبيل ( المدرسة والتنشئة) ( التمدرس و اللامساواة في الحظوظ ) (المدرسة الميز التربوي).
في هذا الاطار يمكننا الاسترشاد بمؤلف الباحث محمد مكسي (سوسيولوجيا التعليم بالوسط القروي)ابرز فيه بعض المتغيرات المدرسية التي تكون السبب في اللامساواة والميز التربوي من قبيل : المحيط المدرسي-المستوى التعليمي – نوعية المدرسة – نمط الشعبة- دور المدرس والاباء– الطبقة الاجتماعية- لغة التلقين…واغنى هذا البحث بمقاربة سوسيولوجية خصوصا الاحالة الى (بيير بورديو) و(باسرون) حيث بين انه لفهم النظام التربوي لا يكفي ان ننظر اليه بالصورة التي يوجد عليها اليوم لان هذا النظام التربوي هو نتاج للتاريخ والتاريخ وحده قادر على تفسيره. ويعني هذا من وجهة نظر الباحث ان تفسير التحولات التي تطبع النظام التعليمي اعتمادا على التاريخ ترد الى ضرورتين، الاولى نظرية(ادراك التحولات البيداغوجية وربطها بالتحولات التي تخترق البنيات الاجتماعية..) والثانية، عملية حيث المدرس حسب وجهة نظر دوركهايم لا يمكن ان يلعب دوره كاملا في التنظيم المدرسي الذي هو عضو فيه الا اذا استطاع التعرف على اجزاء هذا التنظيم والعلاقات القائمة بينهما.
ومن النتائج التي استخلصها الباحث من خلال تحليلاته وجود لا تكافؤ الحظوظ في نظامنا التعليمي، وخصوصا في العالم القروي.
لقد طرح الباحث عدة تساؤلات من قبيل انه اذا كان الاقرار باللامساواة في التعليم مسالة واردة، فكيف يمكن تفسيره وقياسه؟ وما طرق القضاء عليه؟ وهل تتعلق اللامساواة وعدم تكافؤ الفرص بالتفاوتات الطبقية؟ وهل يعني هذا ان تحقيق المساواة في الحظوظ ازاء التعليم رهين بالقضاء على التفاوتات الاجتماعية في شتى ابعادها؟
هذه الاسئلة وغيرها حتمت على الباحث قراءة مجموعة من المنظورات والمقاربات المحافظة و الليبرالية، لكنه اكد على ان لا تكافؤ الحظوظ التعليمية تعد من اعقد المسائل التي تواجه النظام التربوي المغربي.
* تكافؤ الفرص او الانصاف: مفهوم متعددالاستعمالات
(الانصاف وتكافؤ الفرص هو ضمان الحق في الولوج المعمم الى مؤسسات التربية والتعليم والتكوين عبر توفير مقعد بيداغوجي للجميع بنفس مواصفات الجودة والنجاعة دون اي شكل من اشكال التمييز) مشروع قانون الاطار رقم 17-51 الخاص بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي – الباب الاول – المادة 2 – هكذا يعرف المشرع التربوي مفهوم تكافؤ الفرص التعليمية، فهل المفهوم ثابت او متغير؟؟
مبدا تكافؤ الفرص التعليمية يلفه الكثير من الغموض وتتعدد الرؤى اليه، فالتفسير المحافظ حول هذا المفهوم ينظر الى الناس على انهم خلقوا بمواهب مختلفة ومتنوعة و كل فرد يستخدم مواهبه حسب ظروف محيطه، كما ان المؤسسات التعليمية تقوم على اختيار الموهوبين فقط لإعدادهم وتأهيلهم لخدمة المجتمع والدولة، اما التفسير الثاني فهو ليبيرالي وظهر مع تطور الاقتصاد الحر وتوسع الرأسمالية العالمية مما يتطلب استغلال كل الطاقات والمؤهلات البشرية لخدمة هذا الاقتصاد الجديد. ولذا جاء مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية دالا على ان كل فرد حين يولد الا ولديه مقدار من الكفاية والذكاء اللذين يمكن قياسهما بوسائل شتى مثل اختبارات الذكاء والتحصيل وغيرها، ويجب الاعتماد عليهما وحدهما في التقييم بدلا من الاعتماد على الطبقة الاجتماعية او الخلفية الاقتصادية كأساس للانتقاء داخل المؤسسات التعليمية،
والتفسير الثالث لمفهوم تكافؤ الفرص التعليمية يركز بشكل اكبر على الظروف الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، ويدعو الى المساواة في المسيرة التعليمية من بداية الولوج الى نهاية التخرج، ويشدد على ظروف سير العمل في المدرسة كما يركز على دور كل ذلك في ايجاد الصعوبات المدرسية لمختلف الطبقات الاجتماعية.
من اهم شروط ايجاد تكافؤ في الفرص التعليمية، توافر تكافؤ في الظروف الاجتماعية والاقتصادية للأفراد في المجتمع، ذلك ان تكافؤ الفرص التعليمية لا يعني مجرد فتح ابواب التعليم بالمجان لكل افراد المجتمع من دون الاعتبار لأحوال هؤلاء الافراد الاسرية المتباينة، وبصرف النظر عما هم عليه سلفا من فروق صارخة في المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وانما معناه انه في الوقت الذي تفتح فيه ابواب التعليم على مصراعيها بالمجان لكل الافراد سيصبح هؤلاء الافراد متكافئين ولو بمقدار في ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية وستصبح هذه الظروف بالحد الذي لا يسمح بضياع فرص التعليم على احد او تهديدها او التأثير فيها.
مبدا تكافؤ الفرص التعليمية استخدم من قبل الباحثين والدارسين من منظورات فلسفية واجتماعية وتربوية مختلفة، لكن بالنسبة لمنظمة اليونيسكو يعني غياب كل اشكال التمييز التربوي من قبيل ( التفرقة – الاستثناء – التفضيل الذي يجري على اساس الجنس او اللغة او الدين او المعتقدات السياسية – الاصل الاجتماعي – الوضع الاقتصادي…وينشا عنه الغاء المساواة في المعاملة في مجال التعليم او الاخلال بها ) تقرير عن التربية في العالم – اليونيسكو 1993
* التفاوت وعدم تكافؤ الحظوظ ظاهرة عالمية
التفاوت وعدم التكافؤ في الفرص التعليمية هي من المظاهر المستشرية في منظوماتنا التعليمية، لان التعليم في وطننا يهادن الفقر بدلا من ان يتصدى لمحاربته بالمواجهة المباشرة والشاملة او تضييق الخناق عليه، كما ان نسبة كبيرة من الاطفال الذين ينتمون الى اسر فقيرة هي اصلا تعاني من انتشار الامية في صفوفها مما يزيد من ضعف ممتلكاتهم الرمزية، و يعيق تسلقهم ونجاحهم التعليمي والمهني.
غياب تكافؤ الفرص والتمييز التربوي لا يقتصر على بلدنا او وطننا العربي فقط، بل يكاد يكون ظاهرة عالمية، ففي فرنسا مثلا كانت نسبة الفرص المتاحة امام ابناء الطبقات العليا لدخول النظام التعليمي والنجاح فيه الى نسبة الفرص المتاحة امام ابناء العمال الزراعيين هي 8 الى 1. كما تفيد نفس الاحصاءات بان لأبناء الطبقة العليا فرصا تفوق 7 اضعاف فرص ابناء العمال الزراعيين، و5 اضعاف فرص ابناء العمال في الصناعات مما يسمح لأبناء الفئة الاولى من اختيار انواع الدراسة التي تؤدي الى الدراسات العليا المطلوبة والممتازة، في حين يتكدس ابناء الفئات الاجتماعية الدنيا في الصفوف التعليمية التي تؤدي الى التعليم والتكوين المهني القصير الامد.
وبينت هذه الدراسة ان 74%من ابناء العمال يتأخرون دراسيا في حين ان 86%من ابناء الفئات العليا ينهون دراستهم الابتدائية في الوقت المحدد او يتقدمون على هذا الوقت.
ان التجربة الفرنسية المثقلة باللاتكافؤ وبالتمييز التربوي تكاد تعكس تجارب بلدان البحر الابيض المتوسط الجنوبي.
4-عدم التكافؤ واللامساواة في الحظوظ من نتائج التمييز التربوي
التعليم هو وسيلة لنشر العدل والمساواة، واداة لزيادة تلاحم المجتمع وتماسك افراده، والية لتخفيف حدة التباين الطبقي وردم الهوة بين الفقراء والاغنياء، لكن الواقع كثيرا ما يكون مغايرا لذلك حيث صارت وظيفة النظام التربوي احيانا اعادة انتاج التمييز الاجتماعي والمحافظة على بنية المجتمع القائم واعادة انتاج علاقات النفوذ الطبقي فيه حتى اعتبر بعض التربويين ان اللامساواة في المجتمع هي احدى نتائج التمييز التربوي.
ان النظام التربوي في كثير من دول العالم يستبدل دوره التغييري والاصلاحي ويتحول الى عامل من عوامل تثبيت الظلم واللامساواة في المجتمع لأنه هو نفسه يفتقر الى الصلاح والعدالة والتكافؤ.
لقد بين التقرير الوطني المنجز من طرف المندوبية السامية للتخطيط بتعاون مع صندوق الامم المتحدة للسكان(السكان والتنمية في المغرب – تقرير 2019) وجود الروابط بين الفقر والنمو، و بين تطور مرونة النمو– الفقر الارتفاع المتزايد لأهمية النمو في الحد من الفقر لكن على الرغم من ذلك(فان طبيعة النمو المقلصة للفقر لا يمكن ان تحجب الواقع القروي للفقر… حيث يضم الوسط القروي بوزن ديموغرافي يبلغ40% نسبة 79.4% من الفقراء و 64% من الفئات الهشة)- ص12 من التقرير اعلاه- وهو ما يهدد المكاسب التي حققها المغرب في مكافحة الفقر ويحد من تقليصه ويسهم الى جانب عوامل اخرى في استمرار عدم تكافؤ الفرص، كارتفاع معدل الارتقاء الاجتماعي بين الرجال اكثر منه بين النساء، وبين سكان المدن اكثر منه بين سكان القرى، لكن تظل الفوارق في التمدرس مصدرا هاما لعدم تكافؤ الفرص(فالعجز في مجال التعليم يمثل اكثر بقليل من نصف الفقر متعدد الابعاد ) ص12
والفقر متعدد الابعاد مثله مثل الفقر النقدي، لا يزال ظاهرة قروية بالأساس اذ تقطن نسبة 85.4% من السكان الذين هم في وضعية فقر متعدد الابعاد بالوسط القروي ويسبب في اختلال يصل الى 34% فيما يتعلق بتعليم الكبار، كما يساهم عدم تمدرس الاطفال بنسبة 21.3%في الفقر متعدد الابعاد، وعموما يفسر الخلل في مجال التعليم اكثر من نصف الفقر المتعدد الابعاد (55.3%).
يبقى الفرق في مستويات التعليم والتكوين مصدرا لانعدام التكافؤ في الفرص، فالتقدم بسنة في عدد سنوات الدراسة يحسن فرص الارتقاء الاجتماعي بنسبة 13.7%في المتوسط وفي مجال التعليم فان اي تلميذ يستفيد من التعليم الاولي يزيد احتمال تجنبه للهدر المدرسي بست مرات عن التلميذ الذي حرم منه.
5-تطور كمي وضعف كيفي وغياب تكافؤ الفرص
على الرغم من التطور الكمي الهام الذي عرفه قطاع التعليم، الا انه لا يزال هناك بعض العراقيل خاصة ما يتعلق بالهدر المدرسي الذي يمس بشكل خاص الفتيات بالوسط القروي، ويتزايد مستوى الهدر سنة بعد اخرى خصوصا بالتعليم الاعدادي والتأهيلي الذي وصل فيهما الى حدود 8% خلال الموسم الدراسي 2017.
وفيما يتعلق بالولوج العادل للتمدرس فانه تم تسجيل انخفاض تدريجي في معدل الامية التي استقر رقمها في 32.2%، لكن تبقى الساكنة النسوية اكثر تضررا من الامية (41.9% مقابل 22.1% للرجال) ويبقى الفارق اكثر وضوحا بالوسط القروي، حيث ان 60.1% من النساء اميات مقابل 34.9% من الرجال ) من نفس التقرير الوطني.
كما لا يزال تمدرس الاطفال الذين تتراوح اعمارهم بين 4 و5 سنوات يمثل الاشكالية الكبرى في غياب تكافؤ الفرص والحظوظ، وانه رغم الجهود المبذولة خلال العقد الاخير لا يتلقى عدد كبير من الاطفال اي تعليم اولي ومعظمهم يتواجد بالوسط القروي وخاصة الفتيات.
ان محدودية انتشار هذا التعليم الاولي العمومي خلق اشكالا اخر وهو احتكار هذا التعليم الاولي من طرف القطاع الخاص وبجودة غير متساوية. لذا فالتعليم الاولي لا يمكن تعميمه دون تضافر جهود جميع الفاعلين التربويين والاجتماعيين والشركاء الوطنيين والدوليين ( الوزارات – الجماعات المحلية – المنظمات الحكومية و غير حكومية)
ان الخصاص في التعليم الاولي هو عامل قوي في تعميق تفاوتات الولوج والنجاح.
6– الرؤية الاستراتيجية ورؤيتها للمساواة وتكافؤ الفرص
من اهم الصعوبات التي تعتري المؤسسة التعليمية هو وجود كثافة تفاعلية بينها وبين المجتمع لان كلاهما من نسيج واحد. ولأجل تحقيق المساواة الاجتماعية والحد من مظاهر الفقر الاجتماعي وتحاشي ظهور انواع جديدة من الطبقيات ذات الطابع المعرفي، لابد ان تكون منظومتنا التربوية فعالة ومؤثرة اولا للقضاء على الهدر المدرسي الذي يغدي التفاوتات الاجتماعية للنجاح في التعليم، وثانيا ضرورة مراجعة البرامج وتنويع المقررات الدراسية والممارسات البيداغوجية ومناهج التدريس قصد الرفع من الفعالية والمردودية الداخلية المؤثرة على جودة التعليم والتعلم (فالتلاميذ الذين يتقنون القراءة والرياضيات والعلوم في سن 15سنة لا تتعدى 27% )
ولأجل القضاء على الميز التربوي، ووقف الاختلالات تم تكليف المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (CSEFRS) بمهمة وضع خارطة طريق لإصلاح المدرسة المغربية وتحسين ادائها فخرج مشروع الرؤية الاستراتيجية ليمتد على الفترة 2015-2030 مستندا على عدة ركائز تتمحور حول ثلاثة افكار رئيسية:
مدرسة المساواة وتكافؤ الفرص.
مدرسة الجودة للجميع.
مدرسة الارتقاء الفردي والمجتمعي.
هذه الرؤية الاستراتيجية ارتكزت في وثيقتها على العديد من الدعامات لتحقيق مدرسة المساواة وتكافؤ الفرص ومنها : تعميم التعليم الاولي الالزامي، وتكوين وتأهيل المدرسين، وولوج ذوي الاحتياجات الخاصة الى التعليم، والنهوض بالمدرسة القروية، والتحسين المستمر للمردودية الداخلية للمدرسة، وتعميم التعليم الشامل والتضامني لجميع الاطفال دون اي تمييز، وتقوية الجهود لضمان تعليم مستدام يمكن من محاربة الانقطاع والهدر المدرسي والتكرار.
ان هذه الوثيقة الاستراتيجية تسعى الى خلق فرص "المساواة" او" تكافؤ الفرص" بين الجميع في الولوج الى المنظومة التعليمة والنجاح فيها، مما يؤدي الى تكوين المجتمع بطريقة تسمح بوجود اقل درجة من التفاوت في صورة القوة والتميز.
فهل تتحقق النبوءة؟؟
ان التكافؤ يجب ان يكون اداة اصلاح نافعة لمعالجة الطريقة التي كان الناس يتبوؤون بها الوظائف في مجتمع التفاوت الطبقي، اما وفقا لنسبهم او طبقتهم او رصيدهم المادي.
ان التكافؤ هو الذي يفتح امام كل فرد فرص الدراسة والتطور والعمل و يسمح له بولوج كل المناصب والا يحرم منها، لان احتكار المعرفة لا الاحتكار الاقتصادي هو الذي يسبب زيادة التفاوت بين الطبقات.
ان تكافؤ الفرص هو ببساطة تكافؤ فرص للمنافسة في مجتمع غير متكافئ، لذا فالآباء والابناء يعلمون تماما ان الطريق الى القوة والسلطة والتمييز في مجتمعنا هو التعليم، وهم لا يألون جهدا في سبيل الحصول على اعلى درجاته وشهاداته كفرصة في النهوض والارتقاء في السلم الاجتماعي.
انه لتحقيق المساواة الاجتماعية، والحد من مظاهر التفاوت الطبقي، وتحقيق التماسك بين افراد المجتمع وجماعاته، وتنمية الشعور بالانتماء الوطني والاعتزاز بالهوية، لابد من الربط بين المساواة الاجتماعية وطبيعة العلاقة بين منظومة التربية ومنظومة المجتمع ككل مدفوعين بفكرة ان المجتمع عليه ان يكون تابعا لنمط تربية تقلص الفجوة بين قمة المجتمع وقاعدته وتؤسس لمدرسة المساواة وتكافؤ الفرص.

ذ: محمد بادرة
الدشيرة – الجهادية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.