عندما نتحدث عن الذكاء الاصطناعي فنحن نتحدث عن ثورة صناعية رابعة، وهو ما يصطلح عليه بصناعة 4.0. الثورة الصناعية الأولى تجلت في اختراع الآلة البخارية، والثورة الصناعية الثانية ارتبطت بصناعة الفولاذ والكهرباء والسكك الحديدية. فيما تجلت الثورة الصناعية الثالثة في اختراع الرقائق الإلكترونية والكمبيوتر. هذه الثورات الصناعية الثلاث، لم يكن فيها العالم العربي والإسلامي حاضرا، وبالتالي أهدر فرصا لتحقيق ثورته الصناعية، وفوَّت عن نفسه مراحل تاريخية لتحقيق الإقلاع الصناعي. فما هو موقع العالم العربي والإسلامي من الثورة الصناعية الرابعة؟ إذا أردنا تبسيط مفهوم الذكاء الاصطناعي، فإننا نكتفي بالقول إن هذه الصناعة الجديدة، تتشكل من ثلاثة أعمدة رئيسية. العمود الأول يتجلى في تجميع البيانات، والعمود الثاني يتعلق بشبكة إرسال هذه البيانات كشبكة الأنترنيت مثلا، فيما العمود الثالث يتلخص في منصة لمعالجة البيانات المُحصل عليها تتألف من منظومة البيانات الضخمة والتخزين السحابي (الكلاود) والذكاء الاصطناعي. عندما نتحدث عن الذكاء الاصطناعي فإننا نتحدث عن بروز عالم جديد، ونتحدث كذلك عن الانتقال من مقومات صناعية أصبحت تقليدية، إلى صناعة جديدة تحمل عنوانا عريضا "الذكاء الاصطناعي". لقد شكلت الثورة الصناعية الثالثة، منعطفا هاما في انتقال العالم من مرحلة معتمدة على ذكاء الإنسان، إلى مرحلة جديدة جعلت الذكاء الإنساني يتحول إلى برمجيات يشتغل بها جهاز الكومبيوتر. وأصبح هذا الجهاز يتحكم في الآلة وينوب عن الإنسان في ذكائه. لكن الثورة الرابعة، جعلت الذكاء الاصطناعي قابلا بأن يتواجد في كل مناحي الحياة البشرية، وفي جميع التخصصات العلمية كالتعليم والطب والفلاحة والصناعة وغير ذلك. ولم يعد الذكاء الاصطناعي يكتفي بأداء الأدوار التي برمجها الذكاء الإنساني في الآلة لتقوم بها كما هو محدد في البرامج الحاسوبية، بل تعدى ذلك ليصبح هذا الذكاء الاصطناعي يُحاكي القدرات الذهنية البشرية، وقادرا على التعامل مع أحداث مستجدة لم تتطرق لها تلك البرمجيات، ويتعامل بتلقائية كما كان سيفعل الذكاء الإنساني مع هذه المستجدات. إننا نعيش في فترة ينتقل فيها العالم من الآلة المُبرْمَجَة إلى الآلة الذكية، من طب الأمراض إلى الطب الذكي، من المدينة العمرانية إلى المدينة الذكية، من الفلاحة الكثيفة إلى الفلاحة الذكية، من الصناعة الإنتاجية إلى الصناعة الذكية… ثورة الذكاء الصناعي ستَضُخ في الاقتصاد العالمي أكثر من 15 تريليون دولار حسب دراسة لمعهد ماكينزي الأمريكي. وهي ثروة بطبيعة الحال لن يستفيد منها سوى الدول التي دخلت مجتمع المعرفة من بابه الواسع. فالذكاء الاصطناعي لا يقوم على أساس الثروات الضخمة، ومدى تمكن المجتمع من التصنيع أو على الاستثمارات الضخمة. بل إن الثروة التي تتيحها ثورة الذكاء الاصطناعي مبنية بالأساس على الذكاء الإنساني وعلى تمكنه من المعرفة والتكنولوجيا الحديثة. وهو أمر متاح للجميع ولكل الدول التي رأت في هذه الثورة فرصة سانحة لدخول منتدى الكبار في العالم، بما في ذلك دول العالم العربي والاسلامي. لم نستفد من الثورات الصناعية السابقة، لكننا أمام فرصة سانحة لتحقيق ثورتنا الصناعية ليكون لنا نصيب من ثروة الذكاء الاصطناعي. لكن ثورة الذكاء الاصطناعي تمر عبر مجتمع المعرفة. فهل نحن قادرون؟ سعيد الغماز /باحث في التنمية وتكنولوجيا المعلومات والاتصال