ونحن على مسافة أيام من إقفال ستين سنة على القدر الإلهي الجَلل على المدينة تتراءى لك قصبة أكادير أوفلاّ كإحدى شواهد ما تبقّى من هذه الذاكرة.. ولعلّ السّر الإلهي في صمودها قد يعود إلى تذكير البعض ممن يختزل تاريخ المدينة بين فترتي الاحتلال وتاريخ زلزال أكادير.. والحال أن من يستقرئ الوثائق سيجد أهمية هذه القصبة المصنفة ضمن التراث الوطني بموجب ظهير شريف صادر سنة 1944. بحمولة تاريخية تعود إلى خمس قرون بدءاً بأول هزيمة للجيش البرتغالي أمام الجيش المغربي انطلاق من هذا الموقع / القصبة منتصف القرن 16م.... حتى أن هذا الانتصار شكّل منعطفا هاما في التاريخ المغربي بتوالي هزائم الجيش البرتغالي في المواقع الساحلية المغربية الأخرى التي كان يحتلها،.. آخرها معركة وادي المخازن.. القصبة أيضا.. وطوال ثلاثة قرون من الزمن (16-18) تعتبر من المراكز التجارية الدولية في المبادلات التجارية البحرية بين الدول الأوروبية وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء... طبعا ما كان لهذه القصبة أن تلعب هذا الدور الحاسم إلاّ بهذا التصميم المعماري الفريد من سور خارجي مدعم بأبراج.. باب مصمم بشكل دائري.. منازل وأزقة وساحات صغرى بكل المرافق الاجتماعية من جامع كبير ومستشفى وخزينة، كما تتضمن معبداً وسط "الملاح" إلى جانب المسجد وضريح للا يامنة، وبساحات واسعة لإقامة الحفلات والأهازيج الشعبية والأفراح... لم يبق من هذه الذاكرة بعد 60 سنة إلاّ سور القصبة وبكل ما يتعرض له من إهمال وتآكل من جهة.. وتشويه وتعسّف لتاريخ وذاكرة مكان.. دون أن يكون هناك في هذه المدينة من يترافع وبصلابة وقوة من أجل المصالحة مع هذا التاريخ وهذا المكان... وحتى مبادرات المجتمع المدني المحدودة في هذا الجانب- لقلة الامكانيات – سيتمّ ايهامها بجديّة مشروع تأهيل هذه القصبة وإعادة الاعتبار إليها كمعلمة شاهدة على عمق تاريخ المنطقة... هو المشروع الذي نظمّ من أجله الأيام الدراسية بإشراف السلطات الولائية.. وبكل الحضور الوازن.. والخطب الوردية.. و تدخلات الخبراء والمهندسين والمهندسات.. زاد من قناعة الجميع خارج القاعة وأسوار الولاية أن المشروع سيعرض أمام أنظار جلالة الملك أثناء زيارته للمدينة... والآن وبعد الزيارة... ألا يعدو أن يكون وهْماً وسرابا تمّ الترويج له لغرض في نفس يعقوب.. زاد من ذلك قرار الإغلاق المؤقت لعملية الصعود بوسائل النقل الخاصةمن جهة.. ومشاريع تهئية مشاريع على مرمى حجر من القصبة... وبما يغري هذا الموقع البانورامي القصبة بعض الأعين.. ونحن نتابع ما يقع بالمحطة السياحية تغازوت.. تبقى كل الشكوك مشروعة لذلك يحزّ في النفس حدّ الغصة في الحلق والمرء يتابع كيف أنّ مدناً مغربية تتصالح مع ذاكرتها وتاريخها.. آخرها مدينة الصويرة مروراً بكل المدن العتيقة وما تعرفه من ترميمات لمواقعها الأثرية.. يحزّ في النفس وأن تلاحظ كيف لشخص واحد وانطلاقاً من وضعه الاعتباري داخل هرم الدولة غيّر وجه مدينة... كالصويرة وبنكرير والصخور الرحمانة.. ونحن هنا قد حوّلنا البعض إلى منصة تستقطب أكبر عدد من المتفرجين لإحدى السهرات الموسمية يحزّ في النفس حد الصراخ وبعد ستّين سنة أن نكتشف أن الإنارة العمومية ما زالت تحتاج إلى تأهيل.. وتكفي هذه النقطة وغيرها و المدرجة ضمن برنامج التأهيل الحضري ( 2020-2024 أن تسائل جميع ذوي القرار بالمدينة والجهة.. وبمختلف مواقعهم ورتبهم وألوان ربطات عنقهم.. لم يعد الأمر مقبولاً أن يتحوّل منصب والي سوس ماسة إلى مقعد للتقاعد والإسترخاء.. ولسنا عجلة احتياط.. أو محطة للعبور... وللمدينة أبناؤها وبدرجة عالية من الكفاءة والتجربة والفعالية... و بدرجة أكبر..هذه العاطفة الصادقة على المدينة وتاريخها... بقلم يوسف غريب