شباط يدخل اليوم إلى كتاب «المغربات» السياسية من بابه الواسع، ويؤلف مسرحية مغربية تحت عنوان «المدرسة السياسية للمشاغبين»، فعوض أن يخرج من الحكومة التي يختلف مع الحزب الذي يقودها في كل شيء، يصر على أكل غلتها وسب ملتها… مذكرة شباط، التي قدمها أول أمس إلى حكومة بنكيران، كلها تناقضات، وهي الثانية من نوعها في تاريخ المغرب بعد تلك المذكرة التي كتبها عباس الفاسي يوم كان خارج حكومة اليوسفي، ينتقد فيها أداء العمل الحكومي، ولما دخل إلى وزارة الشغل، في بلاد تعاني أزمة شغل، ابتلع لسانه، وتورط في أكبر فضيحة سياسية في مغرب اليوم اسمها «النجاة»، وبقية القصة معروفة. الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال لا تعجبه أشياء كثيرة جاءت في القانون المالي لهذه السنة.. القانون الذي أعده نزار بركة، وزير المالية العضو باسم حزب الاستقلال في الحكومة (إلى الآن طبعا، مادام شباط لم يطرده من الحزب، ولم يتبرأ منه كوزير يمثل الاستقلال في الحكومة). شباط ينعى للمغاربة تآكل القدرة الشرائية للمواطنين نتيجة قرار الحكومة الزيادة في الأسعار. وشباط يحمّل الحكومة المسؤولية عن توسع الحركات الاحتجاجية في كل ربوع المملكة. وشباط يرفض تقديم الحكومة للتوازنات الماكرو-اقتصادية كمبرر لاتخاذ قرارات لاشعبية، والتقيد برؤية محاسباتية ضيقة للمالية العمومية. وشباط لا يقبل فرض ضرائب جديدة بأسماء مقنّعة على الطبقة الوسطى، والصحيح على الطبقة الغنية لأن تمويل صندوق التماسك الاجتماعي اقتضى فرض ضريبة جديدة على الشركات، وعلى أصحاب الرواتب الشهرية التي تتجاوز 30 ألف درهم. وشباط يعارض اقتراب الحكومة من صندوق المقاصة باعتباره يمثل كلفة السلم الاجتماعي، ثم إن شباط يرى في الحكومة «وحشا» يخيف رجال الأعمال المغاربة والأجانب، وهو يرى في وزراء حزب العدالة والتنمية «ثوارا جددا» يتحدثون لغة الثورات العربية، في حين أن «المغرب بلاد مستقرة فيها انتخابات قادت إلى التغيير الهادئ بتوافق مع جلالة الملك»، يقول الأمين العام لحزب الاستقلال… يجب أن نعترف لمذكرة شباط بأنها تفوقت على خطابات كل أحزاب المعارضة مجتمعة، وأن المعارضة لو اجتمعت على كتابة بيان تشهيري بالحكومة لن تصل إلى هذا المستوى، لكن، مع الاعتراف لشباط ب«سلاطة» اللسان ومهارات اللعب على كل الحبال، لا بد وأن نسأله بعض الأسئلة علها تكشف بعض الغموض الذي يعتري مواقفه ومواقف حزبه من الحكومة: إذا كانت لدى حزب سيدي علال كل هذه الانتقادات لمشروع القانون المالي، وكل هذه التحفظات على الاختيارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الواقفة وراءه، فلماذا صوت فريق الحزب في البرلمان لصالح المشروع، ووقف مناضلوه يدافعون عنه في وجه المعارضة، أليس هذا تناقض ما بعده تناقض؟ قد نفهم، إلى حد ما، وجود نزار بركة في وضعية تسلل وزارية لأنه لم يعد يمثِّلك في الحكومة، لكن الفريق البرلماني مازال تابعا للحزب، وكان باستطاعته أن يُسقط مشروع القانون المالي هذا؟ ثم ما الذي يبقيك في حكومة أنت وحزبك مختلفان معها كليا.. في سياستها واقتصادها واجتماعها وحتى سلوك وزرائها؟ الأحزاب تطلّق الحكومات على أسباب أقل من هذه، فما الذي يبقيك في سفينة تغرق؟ إذن، لنتوقف عن الضحك على ذقون المغاربة، وعليك، سيد شباط، أن تكون منسجما مع نقدك وتغادر الحكومة، وتشرع في التهييء للانتخابات القادمة، أما أن تضع رجلا في الحكومة وأخرى في الأغلبية، وتحاول أن تضعف هذه الحكومة فقط لأنك تريد أن تقدم مقابلا وزاريا للذين ساعدوك على إزاحة آل الفاسي من قيادة الحزب، فهذا أمر يضر بالعملية الديمقراطية. هناك انتقادات عديدة توجه إلى حكومة بنكيران لكن ليس المشاركون فيها من يحق لهم تأليف قصائد الهجاء فيها. المشاركون في الحكومة إما يدافعون عن حصيلتها، وإما يقلبون الطاولة عليها ويخرجون منها، أو كما يقول الفرنسيون: «على الوزير أن يقفل فمه أو يقدم استقالته». هذا هو المنطق السياسي السليم، أما خلط الأوراق فإنه يضعف الديمقراطية الفتية في بلادنا، ولا يضعف العدالة والتنمية.