… أ تعلمين جارتي؟ اليوم عدت إلى العلبة الكرتونية الملفوفة بلصاق لاصق حيث أرشيفي ، تلك العلبة النائمة بجوار أخواتها القديمة تحت منضدتي الزجاجية الملفوفة بالحديد … و هناك ، وجدت إحدى يومياتي المكتوبة على شكل رواية قصيرة ، كنت قد كتبتها منذ سنوات خلت لتخلد في أوراقي بين مؤلفاتي … اليوم ، ارتأيت أن أشاركك هذه الكلمات المنحوثة في كتابي السري هذا ذو الغلاف الأحمر ، كما دونت فيه لأول مرة ، دون أن أغير فيها شيئا . “حدث هذا قبل أن يتغير شكل جارك ، و يصير شابا عجوزا …” مازلت أذكر أيامي السالفة ، حين كنت أنا ، و لم أصبح ما أنا عليه اليوم ، حيث كنت أنا ، بشكلي ، بنَفَسِي ، بقوتي ، بجسدي … مازلت أذكر ، و لا أنكر أبدا مدى نضالي و كفاحي لأعود كما كنت ، إذ اكتفيت من كل شيء ، اكتفيت من جل ما يدور بداخلي و يعتصرني راغبا بتدميري … اكتفيت . لا يعني هذا بأنني سأستسلم للأمر ، أبدا ، فالاستسلام ليس من شيمي ، و أنت أدرى بأمري ، سأقاتل و أكافح حتى النهاية ، إن فزت ، بالتأكيد سأعود كما كنت ، و إن خسرت ، سأصبح مجرد ذكريات تخلدها كلماتي و جل لحظاتي . #الشاب_العجوز_ 1 – شبيهتي … قبل مدة قصيرة ، في أحد المهرجانات السينمائية ، التقيت بفتاة جميلة ، شعرها الأسود الناعم منسدل ، و على رأسها قبعة سوداء كقبعتي الرمادية ذو الخطوط السوداء ، و في عينيها ، نظارات شمسية ، و في يدها حقيبتها النسائية و كذا سترة سوداء ملفوفة على اليد نفسها … و هي ترتدي قميص أبيض ، و قلادة ذهبية في عنقها ، و سروال أسود ، و كذا نعال أسود في قدميها ، أسلوبها في ارتداء الملابس كأسلوبي تماما ، فقط هو مختلف عنه بعض الشيء … هي في 27 أو ربما 28 من عمرها ، غير أنها تبدوا صغيرة رغم طول قامتها … أ كان لقائي بها صدفة؟ لا أدري ، كل ما أعرفه أنها هي الأخرى مخرجة أفلام قصيرة مشاركة بأحد أعمالها في المهرجان . رأيتها أول مرة في قاعة الطعام بعد وصولي إلى الفندق … بادلتني النظرات بابتسامة لطيفة لثواني ، لتنغمس في الحديث مع إحدى الفتيات المشاركات ، لأنغمس أنا الآخر في الحديث مع أحد المشاركين و الذي يشاركني الغرفة . … بعد تناولنا لوجبة العشاء ، ارتأت إدارة المهرجان بأن يُعرف كل مشارك بنفسه للمرة الثانية بعد أن عرف بعض المشاركين بنفسهم قبل تناولهم لوجبة الغذاء عند الظهيرة ، كنت أنا من ضمن المشاركين الذين لم يحضروا وقتها ، إذ اتجهت إلى غرفتي لأرتاح فور وصولي إلى الفندق … صار الكل يعطي نبذة تعريفية عن نفسه ، فما إن حان دوري ، حتى اكتفيت بقول اسمي كالعادة ، لا أحب أن أتحدث عن نفسي ، أعمالي هي من ستتحدث عوضا عني ، و هذه إحدى قواعدي . شرع مدير المهرجان بإلقاء خطبته الأولى “خطبة ما قبل النوم” ثم عادت الحرية للجميع بعد انتهاء كلمات المدير الطويلة ، لأتجه صوب المسبح رفقة كتاب و فنجان صغير به حليب ساخن و جرعة سكر إضافية كالعادة “أحب السكريات كثيرا هههه” ، جلست ، ثم شرعت في القراءة … يبدوا أنني في صدد بدأ قصة جديدة ، بينما كنت أقرأ ، تسللت إلى أفكاري صورة الفتاة التي بادلتني النظرات “بابتسامة لطيفة” ثم غرقت في أفكاري متذكرا جل ما حدث في غرفة الطعام ، يا إلاهي ، هي حقا تشبهني ، أ هي من الأشخاص ال 40 الذين يشبهونني؟ كل ما أعرفه ، أنها حقا تشبهني في تصرفاتي و كذا أسلوبي في ارتداء الملابس ، بل و طريقتها في الحديث ، أعجبني الأمر كثيرا … بينما أنا تائه في أفكاري ، شعرت بيد تحط رحالها بجانبي الأيمن ، لأخرج من بحر أفكاري ناظرا إلى صاحب اليد لأجد شبيهتي واقفة خلفي و يدها ممدودة نحوي و ابتسامة مرسومة على شفاهها ، قمت بمد يدي نحوها ، ثم صافحتني قائلة : – هل يمكنني الجلوس برفقتك؟ – بالتأكيد يا آنسة إلهام ، تفضلي نظرت إلي بابتسامة قائلة – أرى أنك حفظت اسمي بسهولة يا … قاطعتها ، ثم مددت يدي نحوها مرة أخرى قائلا : – مصطفى ، أموريطوس ، هل سبق و أن سمعت بهذا الاسم؟ تبا ، عشقي للسينما الهندية أثر بي كثيرا ، كان ردي هذا مقتبسا من حوار شاروخ خان في أحد أفلامه الهندية … نظرت إلي و هي ضاحكة ، ثم مدت يدها و صافحتني مرة أخرى – نعم ، سبق لي أن سمعت باسم مصطفى قبل قليل ، غير أنني لم أسمع باسم أموريطوس أبدا – هذا أنا آنستي ، الأموريطوسي الوحيد في العالم – الوحيد؟ – نعم ، الوحيد ، لا أحد يحمل هذا الاسم غيري – و ماذا يعني؟ – العاشق ، المحبوب … – بأي لغة؟ – لغتي بقيت تنظر إلي و هي مستغربة – أختي إلهام ، ماذا هناك؟ ماذا بك؟ – أ تعلم؟ – ماذا؟ – شكوكي باتت تتأكد – أي شكوك؟ – لا تدعي السذاجة ، أنت تعلم عما أتحدث – مهلا ، عما تتحدثين؟ نظرت إلي و هي ضاحكة – ألم أخبرك بأن شكوكي باتت تتأكد؟ لا شك أنك لاحظت الأمر قبل أن ألاحظه ، على أي ، انسى الأمر ، ما هذه إلا البداية . تبا ، أقسم أنها تفكر شأني ، بل و تتحدث شأني ، لو كانت في مثل سني لقلت أننا توأمين ، غير أنها تكبرني بسنوات ، هل هذه صدفة؟ أم أن القدر أرادنا أن نلتقي؟ #لحظات1شبيهتي #رواية_قصيرة 2 – أنجلي … تبادلنا أطراف الحديث إلى حدود الخامسة صباحا ، ثم اتجه كل منا صوب غرفته ، دخلت إلى غرفتي و وجدت زميلي في الغرفة نائما على سريره ، و هاتفه الصغير بين يديه اللتان تضمانه على صدره ، على ما يبدوا ، نام و هو سعيد ، مطمئن البال … نظرت إليه ، ثم فتحت حقيبتي و أخرجت منها ملابس النوم ، غيرت ملابسي ، و ذهبت إلى دورة المياه لأعود إلى سريري و أستلقي فيه بعد أن غسلت أسناني ، لأتسلق أمواج أفكاري و السعادة تغمرني ، يا سلام ، أ حقا التقيت بإلهام؟ أ حقا تشبهني؟ هل كل هذا حقيقي؟ ربما أحلم ، قمت بِعَضِّ يدي فشعرت بالألم ، كل هذا حقيقي إذا ، سأخبر أنجلي بكل هذا لتشاركني فرحتي – مهلا ، عن أي أنجلي تتحدث يا أموريطوس؟ – أنجلي ، حبيبتي – حبيبتك؟ أ نسيت بأنك انفصلت عنها؟ أ نسيت جل ما ارتكبته في حقك من أخطاء؟ أ نسيت بأنك أبعدتها عنك بعد كل هذا؟ – تبا ، لماذا تذكرني؟ لماذا ترغب بأن تفسد سعادتي؟ – أنت من ذكر نفسك بها يا رفيقي ، أ نسيت؟ – لم أنسى – لماذا إذا تتهمني؟ – آسف ، جراحي القديمة لم تلتئم بعد ، ناهيك عن الجراح الجديدة – أعلم – صدقا مازلت أحبها ، لم أنساها يوما رغم كل ما اقترفته و عالمها اللعين في حقي – أنا على دراية بكل ما حدث و ما يزال يحدث معك – بوركت رفيقي – على أي ، ماذا ستفعل الآن؟ – كعادتي ، سأخبر كتابي و أخلد كلماتي هذه شأن جل كلماتي السابقة – هذه فكرة جميلة ، اكتب إذا – سأكتب لاحقا – حسنا ، كما تريد غيرت سفينة أفكاري اتجاهها بعدها ثم أبحرت صوب بحر أنجلي ، أنجلي ، هذا اسم حبيبتي المستعار ، أنا من أطلق عليها هذا الاسم ، و أحب أن أدللها به ، بقيت أفكر فيها إلى أن سلبني النوم من نفسي ، لألتقي بها بعدها في أحلامي … كان حلما رائعا ، تمنيت لو بقيت نائما لمدة طويلة ، غير أن زميلي في الغرفة أبى إلا أن يقاطع أحلامي تلك و يوقظني من أجل أن أحضر نفسي للذهاب إلى إحدى الورشات التكوينية التابعة للمهرجان طبعا بعد أن نتناول وجبة الفطور في قاعة الطعام . عذرا ، نسيت أن أتحدث عن زميلي هذا ، اسمه كريم ، هو في 24 أو 25 من عمره غير أنه يبدوا و كأنه في الثلاثينيات من عمره ، له شعر طويل بعض الشيء ، و لحية و شارب ، يرتدي ملابس عصرية “ذو الثمن الباهض” … أيقظني بحب و مودة ، و كأنني أخوه الصغير ، نظرت إليه بابتسامة ، فقال بنبرة لطيفة – استيقظ يا أخي ، فوجبة الفطور تنادي – حسنا أخي أحب الأشخاص اللطفاء كثيرا ، ناهيك عن الأشخاص المحترمين و البسطاء العفويين ، أما الأشخاص الذين لا يحترمون غيرهم و يتدخلون فيما لا يعنيهم … فأنا أكرههم كثيرا . – لقد كان حسن هنا ، و قد ذهب لتوه – حسنا ، أتمنى أن لا يقوم بإلقاء خطبة كخطبة يوم أمس نظر إلي كريم و هو يضحك ، قائلا – آمل ألا يفعل ذلك – “عالله أودي” حسن ، هو من منظمي المهرجان ، شاب في الثلاثينيات من عمره ، يحب ارتداء البذلات الرسمية السوداء … شكرت كريم ، ثم نهضت من مكاني ، و فتحت حقيبتي السوداء الكبيرة ، و التقطت منها منشفتي الصغيرة و فرشاة و معجون أسنان ، ثم اتجهت صوب دورة المياه و السعادة تغمرني ، مفكرا في أحلامي التي رأيتها في منامي … اتجهت رفقة كريم إلى قاعة الطعام ، كان على يمين باب القاعة الكبير ، طاولة مستطيلة كبيرة ، عليها ما لذ و طاب من المأكولات و المشروبات ، و طاولة صغيرة بجانب الطاولة المستطيلة الكبيرة ، عليها صحن فارغة صغيرة و أخرى متوسطة الحجم و سكاكين و ملاعق و كذا مناديل … التقطت صحنا فارغا متوسط الحجم ، و ملأته ببعض المأكولات التي أحبها ، ثم جلست في إحدى الطاولات الفارغة ، لينضم إلي كريم ، و تنضم إلينا إلهام و زميلتها في الغرفة ، جلست إلهام بجانبي الأيسر ، و صرنا نتحدث . طيلة أيام المهرجان الأربعة ، و أنا و إلهام لا نفارق بعضنا البعض ، حتى ظن الجميع بأننا مرتبطين … هو في الحقيقة هناك علاقة وطيدة تربطنا ، غير أنها علاقة أخوة و لا شيء آخر عدى هذا ، نعم إنها أختي الكبيرة الثانية من والدين مختلفين ، أحبها و أحترمها كثيرا … أخبرتها بأسراري ، و أخبرتني هي الآخرى بأسرارها ، تحدث لها عن أنجلي ، و كانت إلهام هي الوحيدة التي شعرت بي و فهمت كلماتي ، كيف لا؟ و هي بالكاد تشبهني؟ و طريقة تفكيرنا متقاربة؟ إنها شبيهتي . #لحظات2أنجلي تساؤل و تشابه – 3 … في مساء اليوم الثاني ، خرجت من الحمام بعد استحمامي فور عودتنا من الورشتين التكوينيتين التابعتين للمهرجان ، لأجد كريم ، زميلي في الغرفة ، و الذي صار صديقي فيما بعد ، جالسا على سريره ، و هو يكتب شيئا في هاتفه ، تحدث إلي دون أن ينظر إلي بتاتا – جميلة هي حبيبتك يا أخي ، الكل يتحدث عنكما ، كن حذرا نظرت إليه و بنبرة تساؤل أجبته و أنا بالكاد أعرف عما يتحدث – عماذا تتحدث يا أخي؟ – عن حبيبتك التي تقلدك أزلت نظراتي عنه ، و أنا أضحك – و من أخبرك بأنها حبيبتي؟ – أنتما دائما معا ، منذ يوم أمس ، حتى اليوم لم يفارق أي منكما الآخر منذ الصباح ، إذا …. – إذا ماذا؟ – هي حبيبتك ، فما من شيء يربط الشاب بالفتاة عدى الحب و الجنس نظرت إليه ، و بنبرة عصبية – ما هذا التفكير الحيواني الملوث؟ من هذا الأحمق الذي أخبرك بهذا؟ أراد أن يقول شيئا غير أنني استمريت في الحديث – هناك علاقات كثيرة تربط الشاب بالفتاة غير ما ذكرته لتوك ، لنفترض بأنها حبيبتي ، ما شأنك أنت و غيرك بهذا؟ هذه حياتي ، و أنا حر فيها … نظر إلي ، و هو لم يفهم شيئا ، ربما لم يكن يتوقع مني كل هذا ، أو ربما أدرك بأن كلماته الفضولية قد استفزتني مما جعله يرى ردة فعل لم يكن يتوقعها مني ، على أي هكذا أنا ، ما بداخلي أبوح به ، و بالأخص إن تدخل شخص ما فيما لا يعنيه … – شيء آخر ، هذه آخر مرة نتحدث فيها حول هذا الأمر ، أ سمعتني؟ من دون أن أنتظر أي إجابة منه ، التقطت حقيبتي السوداء ذو الحزام الواحد ، و وضعت فيها كتابا “رواية” و كذا كتابي ، و قلمي الأسود الذي أرسم به كلماتي ، ثم ارتديت قبعتي الرمادية ذو الخطوط السوداء ، و التقطت سترتي الرمادية التي لا تفارقني ، ثم غادرت الغرفة صوب قاعة الاستقبال الخاصة بالفندق ، جلست هناك وحيدا و الغضب يتملكني . لماذا يتدخل الآخرون دائما في ما لا يعنيهم؟ لماذا يحشرون أنفسهم اللعينة فيما لا يخصهم؟ لماذا يتحدثون عن غيرهم؟ ألم ينهيهم الرسول عن اجتناب الفضول؟ ألم ينهيهم عن النميمة و الغيبة؟ أي مسلمين هؤلاء؟ تبا ، راقبوا أنفسكم ، اصلحوا عيوبكم ، و لا تتدخلوا فيما لا يعنيكم … من عساه يفهمك؟ أعلم بأنني غريب و مختلف عن هؤلاء ، و اختلافي عنهم واضح ، دائما ترمقه نظراتي . – من أنت؟ – لا أدري؟ – من تكون؟ – و من يدري؟ – ماذا تفعل في هذا المكان؟ أين كنت قبل أن تأتي إلى هذا العالم؟ ما هو مصيرك؟ لمَ أنت موجود؟ – توقف ، كفاني أسئلة . كانت هذه بضع أسئلة من أسئلتي الكثيرة التي أطرحها على نفسي في كل مرة ، لم أخبر أحدا عنها ، عدى كتبي السالفة و أغنيتي الهندية التي ألفتها و قمت بإخفاءها إلى أن أعود إليها فيما بعد … إلى حد الآن ، أنا عالق بين الكثير من الأشياء … بقيت جالسا في غرفة الاستقبال إلى أن انضمت إلي أختي إلهام و زميلتها في الغرفة ، لنغوص في بحر حديثنا ، ريثما يجتمع جل المشاركين و تأتي وسيلة النقل لتأخذنا إلى المؤسسة حيث سيتم عرض الأفلام القصيرة المشاركة في المهرجان . #لحظات3تشابهوتساؤل – 4 العاشقة الصادقة بشرى ، كان هذا اسم زميلة إلهام في الغرفة ، فتاة في 26 من عمرها ، ترتدي ملابس محجبة ، و نظارات بصرية في عينيها ، و خاتم في أصبعها ما قبل الأخير في يدها اليسرى ، خجولة للغاية ، صوتها حنون ، كم هي لطيفة ، تحدثت لنا عن قصة حبها ، ثم عن حبيبها الذي أهداها الخاتم الفضي حيث الحرفين الأولين من اسم كل منهما ، و الذي لا يفارق أصبعها أبدا ، منذ أن وضعه فيه حبيبها لأول مرة … يا سلام ، لم ينقرض العشاق الأوفياء بعد ، آه كم أعجبني هذا … قصتهما كمعظم القصص الغرامية ، لن أتحدث عنها أبدا ، أفضل أن أحتفظ بها في ذاكرتي ، فلا يجوز أن نتحدث عن أسرار الآخرين و لو كان هذا أحد كتبي السرية التي لا يعلم بأمرها أي أحد عداي ، فلن أتجرأ و أتخطى حدودي و أفشي سر أي كان ، لأنني أعرف تمام المعرفة بأنه سيأتي يوم تنكشف فيه جل الأحرف و الكلمات المكتوبة في هذا الكتاب بعد مرور مدة على اندثاري و رحيلي عن هذا العالم … أتراي سأجد ما أبحث عنه قبل حدوث هذا؟ لا أدري . لأخبرك أيها القارئ عن مدى حب بشرى و عشقها لحبيبها ، و مدى خوفها عنه ، سأتحدث عن جزء صغير من أحداث قصتهما ، ربما سيبدوا الأمر عاديا بالنسبة لك ، غير أنه يعني الكثير بالنسبة لي ، “إذ أرى فيه أشياء كثيرة” … في الآونة الأخيرة ، أخبرتني أخته(1) بأنه مضطرب ، حتى أنه لم يعد يحب الذهاب إلى عمله ، ينام كثيرا ، و بعد أن يستيقظ من نومه العميق ، يغادر المنزل دون أن يكلم أحدا ، أين عساه يذهب؟ لا أحد يدري ، حتى هاتفه المحمول يتركه في غرفته ، تغير كثيرا ، مما جعل الخوف يتملكني ، كيف لا؟ و نحن لم نعد نتحدث كثيرا منذ انفصالنا؟ – مهلا ، أترى بشرى تتحدث عن قصتي؟ – قصتك؟ – نعم قصتي – كفاك هلوسة ، فلا شأن لقصتك بهذا – ستفهم قصدي فيما بعد – حسنا ، سنرى مازلت أحبه رغم كل شيء ، و أعرف أنه مايزال يبادلني الحب هو الآخر – أوه ! إنها تتحدث بلسانك يا عزيزي أموريطوس هو حبيبي ، و يوما لن أنكر أحاسيسي ، بالرغم من أنني أتظاهر بعدم حبي له ، فأنا مجنونة بحبه ، و هذه الكلمة ، قليلة في حق مشاعري نحوه “باتت الدموع تنهمر من عينيها” ، ماذا عساي أفعل من أجله ليعود إلى طبيعته؟ و الله لا أدري ، أخبرت ابنة عمي التي أحكي لها أسراري بالأمر ، فطلبت مني أن آخذ صورته لأحد الرقاة الشرعيين ليرقيها بكلام الله لعله يعود كيفما كان … كانت تسرد لنا هذه القصة و حزن عميق في عينيها حيث تنهمر أمطار ذو لون أسود خفيف . ذهبت رفقة ابنة عمي إلى منزل أحد الرقاة الشرعيين ، و جلسنا فور دخولنا على أريكة رفقة نساء ، خارج إحدى الغرف لننتظر لساعات إلى أن حان دورنا … أعطيت الصورة للراقي ، ليتلوا عليها ما تيسر من الذكر الحكيم ، لأفقد نفسي لمدة دون أن أدرك ماذا يحدث من حولي … حين استيقظت من غيبوبتي التي دامت لساعة و خمسة عشرة دقيقة ، وجدت نفسي ممددة على الأرضية ، و ابنة عمي جالسة على بعد مسافة مني ، و في يدها منديل تمسح به الدموع التي تنهمر من عينيها ، ناظرة إلي و الخوف يكاد يسلبها من نفسها ، بينما أتأمل المكان بنظراتي ، تحدث إلي الراقي ، سائلا إياي عن حالي – كيف تشعرين الآن يا ابنتي؟ فما إن تغلغل سؤاله هذا إلى أذناي ، حتى شعرت بالدوار و الغثيان ، و ألم غريب يعتصر يداي ، قام الراقي من مكانه ، و خرج من الغرفة مسرعا لإحضار دلو صغير ، بينما اقتربت مني ابنة عمي و عانقتني بقوة ، و هي باكية ، دون أن أعرف سبب بكائها … (1) أخت الشاب الذي تحبه بشرى . أحضر الراقي الدلو ، و صرت أتقيأ شيئا أخضر اللون ، كلما تقيأت ، شعرت بالنيران تخرج من بطني ، إلى أن هدأت العواصف التي كانت تهيج بداخلي ، لأعود إلى طبيعتي … تملكتني الرعشة ، و انهمرت دمعتان من عيناي رغما عني ، و أنا أستمع لكلمات بشرى التي تتحدث عن الرقية … لا أعرف لماذا؟ أ لأنني مسحور كما أعتقد؟ أم أن كوابيسي اللعينة بلغت مبتغاها مني؟ تبا . دخل حسن ، و طلب منا أن نتجه صوب وسيلة النقل التي تنتظرنا خارج الفندق ، نهضت من مكاني ، ثم خرجت من الفندق رفقة إلهام و بشرى ، لنتوقف بعدها على بعد مسافة صغيرة من السيارة الكبيرة التي ستقلنا إلى قاعة العروض ، لتستأنف بشرى سردها للقصة … أخبرني الراقي بأنني كنت “مسكونة” من طرف جنية حقودة ، و أنني مسحورة ، و الشخص الذي قام بهذا ، أراد أن يفرق بيني و الشاب الذي أحبه ، و قد أخبرتهم الجنية بأن حبيبي مسحور هو الآخر ، تملكني الخوف لبرهة ، و بعد ثواني قال بأنه قام بإبطال السحرين معا ، و بأنه خلصني من الجنية الحقودة ، فتحت حقيبتي ، و أخرجت منها ورقة نقدية ، و أعطيتها له بعد أن أعطاني قنينة ماء بلاستيكية كبيرة بها ماء ، و طلب مني أن أشرب منها في كل مرة ، و أن أملأها بالماء قبل أن تفرغ ، كي يبقى مفعول الرقية ساريا ، أخذت القنينة ، و غادرت المكان رفقة ابنة عمي … و نحن في طريقنا ، أخبرتني بجل ما حدث لي في منزل الراقي(2) . بعد أيام ، عاد حبيبي إلى طبيعته ، و عادت إلي سعادتي بعد أن تخلصت من حيرتي و قيودي الغريبة التي كانت تعتصر فؤادي ، مرَّ أسبوع ، و عدنا إلى بعضنا أنا و حبيبي … نظرت إليها إلهام ، و بابتسامة – هْمْ ، إذا هو الشخص الذي كنت تتحدثين معه ليلة أمس؟ بابتسامة خجولة أجابتها بشرى – نعم ، و معه كنت أتحدث اليوم فور استيقاظي من النوم صباحا ، و قريبا سيأتي إلى منزلنا ليطلب يدي من والدي نظرتُ إليها ، و بابتسامة – واو ، هذا جيد ، أتمنى لكما التوفيق من صميم قلبي أجابتني بابتسامة خجولة – شكرا لك أخي تذكرت أنجلي مرة أخرى ، نعم حبيبتي أنجلي التي أبعدتها عني منذ شهرين ، لأسافر عبر أفكاري نحوها ، تاركا كل من إلهام و بشرى الواقفتين بقربي تتحدثان … مازلت أتألم ، بليغة هي جراحي ، عميقة هي أكثر مما تتصور … #لحظات4العاشقة_الصادقة – 5ألم و اعتراف كان ذاك لقائي الثاني و الأخير بها ، بعد اعترافنا بأحاسيسنا ، كانت تلك أول و آخر مغامرة قمنا بها معا ، كثيرة هي الأحلام التي نسجناها معا ، كثيرة هي الوعود التي قطعها كل منا للآخر ، مازلت أتذكر وعودي لها ، لم و لن أنساها ، بالرغم من أنها أذنبت في حقي كثيرا ، و جعلتني أعاني ، بأكاذيبها الواضحة ، بتناقضاتها ، بمقايضاتها ، بمساومتها لي ، بسماحها لغيرنا بالتدخل بيني و إياها ، بسماعها لكلمات الآخرين عوض صوت فؤادها … مازلت أذكر إجابتها المتسرعة تلك ، حين أخبرتها بأنني سآتي رفقة أسرتي الصغيرة ، لأطلب يدها من أهلها الذين يعلمون بالأحاسيس التي نكنها لبعضنا ، لأتزوج بها لاحقا و آتي بها إلى عالمي بشكل نهائي ، أجابتني بسرعة ، من دون أن تفهم أحرفي – ” مصطفى ، أنا باقا صغيرة ، ماضحكش علييا إيلا كَلت ليك بلي باقا كانعس حدا ماما ملي كانخاف بالليل”. تبا ، قالت هذه الكلمات ، و هي تتلعثم ، و بنبرة تخوف و دهشة … ثم تحدثنا في الأمر ، و أخبرتها بأنني سآتي إلى منزل أهلها بعد أربع سنوات فوافقت … أحيانا حين نتحدث عبر الرسائل الالكترونية ، يجيبني شخصان آخران غيرها و أخاف أن أكذب إن قلت بأنهم 3 أشخاص ، و أنا أعرفهم تمام المعرفة ، فالفرق في التعبير و كذا الكتابة واضح جدا … حين تكون أنجلي بمفردها ، نمضي معا لحظات جميلة جدا عبر الرسائل و كذا المكالمات الهاتفية ، فما إن ينضم إليها شخص من هؤلاء حتى يتغير كل شيء ، ناهيك عن كذبها المستمر … على أي ، كتابي هذا قد أرخ كل شيء منذ بدايته ، ناهيك عن أرشيفنا الخاص ، و الذي أحتفظ به . أنا إنسان بسيط ، عفوي ، أحب البساطة و العفوية ، أحب الحقيقة و لو كانت مُرة ، أكره التعقيدات في علاقاتي مع الآخرين ، أحب الوضوح ، أكره الكبرياء الزائف و الغرور … صرت مختلفة يا أنجلي ، صرت غريبة عني ، لم أعد أعرفك ، أنجلي التي رأيتها أول مرة ، مختلفة تماما عن أنجلي التي أبعدتها عني منذ شهرين ، ماذا حدث لك؟ لمَ هذا التغيير المفاجئ؟ لا أدري ، أين أنجلي التي فعلت المستحيل من أجل حبيبها قبل أن يقع في حبها حتى؟ أين اختفت؟ أ تراها ستعود يوما؟ لا أدري . – صديقي ، عد إلى السطر – تبا لك ! ما أعجبني في قصة بشرى الغرامية ، أنها كانت مخلصة و وفية ، تفعل المستحيل من أجل حبيبها بالرغم من انفصالهما لفترة ، جميل هو الحب ، حين يكون عفويا ، بسيطا ، صريحا ، لا كبرياء فيه و لا غرور … هذا هو الحب ،أن لن يهمك أي شيء آخر عدى من تحب و أن تكون مخلصا له و تضحي من أجله ، و تقدر جل ما يفعله من أجلك ، و أن لن تسمح لأي أحد آخر مهما كان بأن يتدخل بينك و بين من تحب ، “ففي الأخير أنت من سيقضي حياتك معه و لا أحد غيرك” ، و أن تعبر عن أحاسيسك بكل عفوية … من عساه يفهم هذه الكلمات؟؟؟ اعتذر مني كريم في ما بعد ، كما اعتذرت منه أنا الآخر ، و انضم إلى الثلاثي الخاص بنا ، أنا و إلهام و بشرى ، قضينا معا لحظات جميلة لن أنساها يوما … نسيت ، كانت هناك فتاة جميلة ، أعجبت بي ، أخبرتني عبر “الإيميسين” حين مر يوم على عودتي من المهرجان ، غير أنني اعتذرت منها ، و أخبرتها بأنني أحب أنجلي رغم انفصالي عنها ، ضحكت علي هذه الأخيرة و قالت بأنني كلاسيكي … نعم أنا كلاسيكي ، لأنني أؤمن بالحب ، أنا كلاسيكي ، لأنني لست من النوع الذي يستغل الفتيات و يجعل منهن دورة مياه “مرحاضا” يقضي فيهن حاجته و يكمل طريقه تاركا إياهن خلفه ، نعم أنا كلاسيكي ، لأنني لا أحب التلاعب بمشاعر و أحاسيس الآخرين ، و لا أستغل كلمة الحب المقدسة لصالحي ، نعم أنا كلاسيكي ، لأنني مخلص لحبي و أحاسيسي و لا أخون أبدا ، كلاسيكي أنا ، نعم أنا كلاسيكي و أفتخر ، لأنني لست من النوع الذي يرتبط بثلاث أو أربع فتيات في يومين … قمت بحضر و حذف “الإيميسين” الخاص بها لأنني كلاسيكي ، هذا حالي ، و هذه طبيعتي . هذا يومي الرابع بمدينتي الحبيبة تيكيوين بعد عودتي من المهرجان … و أنا أكتب الآن ، أرى أمامي صورة أنجلي التي ترتدي ملابس سوداء ، و ابتسامة وردية ، خجولة ، مرسومة في شفاهها … كما رأيتها في الحي لأول مرة بعد اعترافنا بمشاعرنا ، بعد أن تنكرت فقط من أجلها كي أراها … مازلت أذكر … آه ، يالها من لحظات جميلة … أحبك أنجلي رغم انفصالنا ، أحبك ، هذه حقيقة أمري ، و يوما لن أنكر أحاسيسي . – ماذا عن قسمك؟ – يا الله ، اسمع ندائي .