هي أشهر ولت وأيام نخرتها الغربة والتعب .أيام وأشهر تتساقط كأوراق الخريف الهادئ وأخرى أنياب ذئب تتوارى بين لجج الليالي والسنون. أليس هذا هو الزمن . معانات على الطريق أموات محملين على نعش الحياة ..أنغام لا تطرب إلا الصم ومشاهد يراه البصير قبل المبصر . أليست هذه هي زاكورة . أيام وتشد الرحال إلى بلاد الجفاف عبر ضفاف الموت وسهول الألم ،لا سبيل غير تجرع مرارة الألم ,والعودة إلى الديار عبر طريق الموت .كارثة الحوز التي لا تزال تقرع مع ذكرها طبول الخوف و صعيق الموت .طريق أوقفت عقاريب الحياة في وجه الكثيرين ،ومنهم من لا يزال ينتظر و”تشكا” تنادي هل من مزيد .منهم من عانى الأمرين للحصول على شهادة الباكلوريا من مدرسة الألم والمعانات أو ما يسمى بلغة الطلبة تذكرة البطالة ليجد نفسه خريج جامعة الأموات ،ومنهم من نزح هارب من زحف معانات العيش ومرارة الحياة نحو الجنة الموعودة لينفض أنفاسه الأخيرة على مثن حافلة سريع الموت . إن الكتابة على بحر المعانات وقافية الألم ليس من باب التنميق ولا من باب الزخارف إنما لرصد الواقع بحقيقته المرة .كما أنها حقيقة معانات تبدأ أسطونتها من قلب وهوامش جوهرة الجنوب كما يحلو للبعض أن يسميها ونعذرهم لأنهم يسافرون نحوها عن طريق السكك السماوية، ولا يزورنها إلا ليلا حيث تخفي عنهم لجة الليل وظلامه الدامس ظلام العيش وتآكل الإنسان على ضفاف الكثبان الرملية . لا يعذر من لأول مرة يسمع باسم “زاكورة” على شاشات التلفاز بعد حادث الحوز أو خلال النشرات الجوية حيث زاكورة تدفئ المدن الآخرى وتتقاسم معهن حرارة النهار ويستمتعن معها بخمرة التمور، وينتعشن بدفء رمالها الذهبية. لكن للأسف زاكورة يتنكر لها الكل وينكر معروفها فلا أحد يرضي أن تكون له شريكة في تلوجه تارة وفي أسماكه تارة أخرى لذلك سميت زاكورة مدينة الكرم والكرامات .لأنها تعطي ولا تستفيد . أما على مستوى الإعلام فزاكورة تستحي أن تظهر على الشاشات .اللهم في بعض البرامج الوثائقية حول الفوائد الصحية للرمال والجو الحار طبعا لأن زاكورة لا تزور المستشفيات إلا عندما تكون في حاجة ماسة إلى شهادة طبية تتبث بقاءها على قيد الحياة وسلامتها من المعدات. أو بعض برامج السياحة الهامشية حيث يقدم معها السياح من الشمال محملين بأوجاع البرودة لتمتد أيديهم إلى بركات المدينة ،عفوا ليتمددوا على رمالها الدافئة ليغادروا وقد تركوا برودة العظام لأبناء زاكورة ولا تستثني البرودة المؤسسات حيث يغادرون محملين بجيوب ساخنة من أموال الشعب .عفوا رمال الشعب أو ما يسمى باللغة الحديثة السياحة الهادئة الخالية من الإزعاج أو الكسب الآمن مع بعض النقاط على الحروف. ومازالت صورة زاكورة البلد هي تلك المدينة القديمة البعيدة التي لا تحضر إلا في بعض الأفلام الوثائقية القصيرة ،أو برامج الحفريات والقبور وقلت القصيرة لأنها هي التي يستطيع المصور أن يحصل عليها قبل أن تصل الأخبار الجهات المسؤولة التي تتولى المهمة الأهم في صناعة الفيلم ألا وهي مرحلة “المنطاج ” حيث تمسح الطرقات الممسوحة أصلا وتضيف لها لقطات من بعض الأماكن التي لا تزال تشهد على بعض الزيارات الميمونة . ولا أزال أذكر قصة الفتاة التي لم تجد سبيل لمغادرة السيارة التي تقلها إلا الارتماء من فوقها وهي منطلقة بسرعة كبيرة . ولا أزال أبحث لها عن لغز حتى أدركتنى يوما في زاكورة وأنا أبحث عن وسيلة نقل .والقصة واقعية وقد حصلت على بعد ما يقارب عشرين كيلومتر من مدينة زاكورة ,وهي أن فتاة في مقتبل العمر كانت قادمة من المستشفى المحلى بين آلا لاف الأقواس عائدة إلى الديار ولم تجد المسكينة إلا سيارة حمل البضائع لتقيلها إلى متواها الأخير .والمحير في الحادثة أن الفتاة لما وصلت إلى عين المكان ارتمت من فوق السيارة لتنفض أنفاسها الأخيرة على إسمنت الطريق ملطخة بدمائها، واللغز الذي كان حيرني هو لماذا لم تطلب من السائق التوقف حين وصولها إلى مكان نزولها. والحال أنها لم تعتاد الصعود من الأبواب لذلك لن تتذكرها حين النزول، فقد كانت تارة تتعلق مع سيارة نقل البضائع وتارة أخرى على جرافة وتارة أخر على بعض الشاحنات وأخرى على ظهر دابة ونسيت أنها نسيت الباب حقا وما هذه إلا بعض ملاحم زاكورة العذراء .