إذا كان البعض يعتقد أن ذاكرة مدينة أكادير توصف بالذاكرة المؤودة، حيث أن تاريخها دفن مع فاجعة الزلزال، فإن هذا الإدعاء يتهافت، خاصة إذا علمنا أن المدينة أخرجت أفقا جديدا مما تبقى من جذورها. طبعا أصبح لمدينة الانبعاث تاريخ جديد، في الثقافة والرياضة والفن والسياسة… وحتى لا يضيع الموروث الحضاري لجوهرة سوس، سنحاول في هذا المقال النبش والحفر في سياسة تدبير المدينة. يتعلق عملنا ينوع من الحفريات التي ترسم معالم الماضي السياسي، وخاصة الانتخابي للمدينة. غرضنا من هذه الحفريات هو استذكار واستحضار بعض النشكلات والملامح الانتخابية للمدينة، وذلك رغبة في اطلاع الأجيال الحالية على مسار تدبير الشان العام. وهذا عمل سيحيي الذاكرة وسيحميها من الانقراض. فما هي النخب السياسية التي تعاقبت على تسيير المدينة ؟ وما المتغيرات التي أثرت على التشكل الانتخابي بها ؟ مقاربة هذه التساؤلات سوف تتم انطلاقا مما عايشتاه وشاهدناه، ففي غياب الوثائق والدراسات الأكاديمية حول الموضوع سوف نعمل على الوصف والكشف عن بعض ماضي الانتخابات بالمدينة، دون تقويم، تاركين مهمة ذلك لحنكة القارئ الحاذق.. ومن بين ما توفر لدينا من هذا التاريخ نذكر : 1 – ما قبل سنة 1992 : خلال هذه المرحلة كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو المشرف المباشر وبالأغلبية المريحة على تدبير المدينة. فكان المرحوم " إبراهيم الراضي " هو رئيس المجلس البلدي، الذي يضم أكادير المركز وأنزا. وقد برزت في تلك المدة أسماء اكتسبت شعبية واسعة داخل الأحياء الشعبية مثل " عبد الله العروجي " الذي كان المستودع البلدي هو مركز تدبيره وتواصله اليومي مع عموم المواطنين. طبعا كانت هناك أسماء أخرى، مثلا : ارباطي، حوس، المرحوم راديف، متوكل، ….وكان الجميع يعمل ضمن نفس الفريق وبنفس التناغم والتجانس. علما أن المعارضة كانت شبه منعدمة باستثناء ثلاثة أعضاء من الأحرار كانوا قد خرجوا من رحم حي الخيام. 2 – انتخابات 1992 : شهدت هذه السنة تقطيعا إداريا جديدا على المدينة، فحي أنزا أصبح بلدية مستقلة، وأكادير المركز له نفس الخاصية، كما أن حي تكوين أصبح بلدية بعد أن كان جماعة قروية واسعة الأطراف، ونفس الشيء بالنسبة لبنسركاو الذي أصبحت هي الأخرى مدينة مستقلة. وهذا التقسيم الجديد سيكون له تأثير مباشر على الاختيار الانتخابي، خاصة أن التركيبة البشرية بمكوناتها الثقافية ستؤثر على الخريطة الانتخابية. وبالفعل، فمدينة انزا لونت باللون الاتحادي بالمطلق، واكادير حصل فيها حزب الوردة على أغلبية مريحة. هنا سيسود آهل " الحقيقة أولا "، وسيشرفون على تدبير بلدية انزا وبلدية تكوين مع الحفاظ على بلدية اكادير. وهنا لا ننسى كيان " المجموعة الحضرية " الذي سيشرف عليها حزب الوردة مباشرة لولايتين. وإذا كانت هذه الانتخابات قد شهدت حادثة خطيرة تمثلت في أفول نجم الرئيس السابق للبلدية، فإن نجوما أخرى ازداد لمعانها. يتعلق الآمر من جديد بمحمد الوثيق، المتمرس في الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، وعبد العروجي وبلخبيزي على مدينة انزا. ولكن هذه التجربة لن تدوم طويلا رغم أنها أنجبت برلمانيين مثل الراضي، حوس، بلخبيزي، ولاحقا العروجي. خاصة أن التجربة تزامنت مع انتعاش الكثلة والتزاوج بين الوردة واللون الوردي. نعم كان دستور 1996 سببا لانتخابات في غير الأوان. 3 – مخاض 1996 : رغم الحفاظ على نفس التقسيم الإداري، فان اكادير المركز شهد زلزالا انتخابيا غير معهود، ففي الوقت الذي آلت فيه بلدية تكوين للاتحاد الدستوري، وبقيت فيه بلدية بنسركاو على لونها وكذلك بلدية انزا التي بقيت اتحادية، فان إحراز الأغلبية باكادير لم يكن بالأمر الهين. وهذا راجع إلى النزول القوي والكثيف لحزب الاتحاد الدستوري بالمدينة. هذا الأخير حصل على عدد مهم من الأصوات والمقاعد، بل إن الاتحاد الاشتراكي لم يحصل على الأغلبية المعهودة. ولولا عنصر محسوب آنذاك على حركة الخطيب والمنتمي حاليا للعدالة والتنمية، وهو صالح الملوكي، ولولا بعض أعضاء حزب الاستقلال وخاصة مرشح حي مولاي رشيد ، الكورامي، لما آل التدبير للاتحاد الاشتراكي من جديد. ولقد مثلت واقعة أمين حزب الاتحاد الدستوري، وضبطه متلبسا بمنزل الاستقلالي الكورامي دافعا قويا للاتحاد الاشتراكي الذي اشرف على تدبير المدينة بشراكة مع أقلية استقلالية و عنصر لا منتمي. خلال مدة التسيير الجماعي كانت المعارضة قوية، علما أن الرئيس محمد البوزيدي كان مرنا بل اكثر مرونة. وكل ذلك ستكون له انعكاسات جديدة على انتخابات 2003. 5 – معضلة اللائحة 2003 : عرفت تلك الحقبة تغيرات شملت عدة مجالات منها : – تجميع البلديات الصغرى ضمن بلدية واحدة كبرى. فقد ألحقت بلديات بنسركاو وتكوين وانزا ببلدية اكادير المركز، كما حذف ما يعرف بالمجموعة الحضرية وتفويت منقولاتها لنفس البلدية. وهذا سيولد تغيير في البنية الديمغرافية ونسبة المشاركة. – اعتماد نظام اللائحة بدل الاقتراع الفردي، وهو ما سيولد الصراع حول موقع الترتيب الذي سينتج عنه الانشقاق داخل الأحزاب. – ظهور بعض ملامح الانشقاق داخل الدرع النقابي وحتى داخل حزب الاتحاد الاشتراكي. – عدم مشاركة حزب العدالة والتنمية في تلك الاستحقاقات. هذه العوامل ستتمخض عنها خريطة جديدة، فسيفساء حزبية تختلف بدرجات، فالاتحاد الاشتراكي، بقيادة طارق القباج، الوجه الجديد في مجلس المدينة، الذي حصل على الرتبة الأولى من حيث المقاعد لم يحصل على الأغلبية. وحزب الحركة الشعبية بزعامة ابراهيم زركضي، الوافد من جماعة الدرراكة، حصل على ما لا يقل عن تسعة مقاعد، بعد أن حصد نسبة مهمة من الأصوات بمدينة انزا بدعم من أحد كبار أعيان الصيد البحري، وحزب التجمع الوطني للأحرار حصل على ستة مقاعد بقيادة لحسن بيجديكن. وباقي الأحزاب حصلت على نصيب متواضع كحزب الاستقلال. أمام هذه الفسيفساء لم يجد الاتحاد الاشتراكي غير حزب الأحرار للتحالف وبتشكيل مكتب المجلس الذي سيأخذ فيه أعضاء التجمع مواقع مريحة، خاصة نواب الرئيس ومقرر الميزانية والإشراف على قطاع التعمير. ولو أن المحالف كان يبدو سليما فهو أشبه ببركان مازالت حممه تخيم بسوادها على مستقبل المدينة. وهذا التصدع سيظهر من جديد في آخر انتخابات. 2009 أو النفس الجديد : بقي التقسيم الإداري على حاله، بعد أن تم إلحاق سفوح الجبال بالمدينة، علما أن ذلك سيؤثر على المشاركة والتصويت بسبب الكثافة السكانية هناك. و نظرا لظهور معارضين لسياسة طارق القباج على مستوى المدينة، فإن هذا الأخير شكل لائحة من اختياره تضمنت وجوها جديدة. ورغم حالة الريبة والترقب التي سادت آنذاك، فان لائحة القباج خلقت المفاجئة. فهي حصلت على نسبة مهمة من المقاعد كادت أن تمنحها الأغلبية المطلقة – أكثر من 23 مقعد -. وهذا ما صدم العديد من متتبعي الشأن السياسي. وفي غياب الأغلبية تحالف القباج لتدبير البلدية مع أقلية العدالة والتنمية بطريقة شهد هو نفسه باتصافها بالتفاهم والتعاون. لكن ما شهدته المدينة مؤخرا من تصادمات وانشقاقات وصراعات وتكتلات يطرح عدة علامات حول مستقبل المدينة. والأيام القليلة القادمة ستحمل الأجوبة.