شهر رمضان من جديد , رمضان بأي حال عدت يا رمضان سوف تفرغ زاكورة من أهلها خصوصا مع تزامن شهر رمضان مع فصل الصيف الذي يحبه الجميع إلا أبناء النخيل ربما لأنهم أدركوا جيدا معنى أن تكون صائما لأربعة عشر ساعة ونصف وفي درجة حرارة قد تتجاوز الخمسة و الأربعين في كثيرا من الأحيان، أن تظل في الماء العذب طول النهار تسقي النخل و الزرع، دون أن تسقي نفسك، هذا كله لا يعفي الكثير من سكان المنطقة من أنشطتهم اليومية الشاقة أحيانا، اللهم بعض التغير في المواعيد، منهم من يضطر لسقي زراعته ليلا غير آبه بالخطر الذي يتهدده من عقارب و أفاعي بل وكلاب ضارية أحيانا ومنهم من يبدأ عمله مبكرا مباشرة بعد الفجر أي قبل أن تطل الشمس بأشعتها الملتهبة، كغول يختبئ وراء الجبل، يخيف كل صائم يشتاق إلى شربة ماء مع أول ساعات النهار، لا مجال للهرب من حرارة الجو لا مكيفات لا مسابح لا شواطئ، واد درعة الذي بنيت عليه حضارة البلاد فقط يخفف من حرارة الجو لكنه ليس في متناول الجميع. فقط الرجال الذين يتوفرون على وسيلة نقل هم فقط من يمكنهم أن ينال جزء من متعة السباحة في بعض أماكن تجمع الماء بالوادي … لا شيء أبدا يمكن أن يلطف الجو هنا في زاكورة غير رفيقة الإنسان الزاكوري الأبدية " النخلة" حيث يستظل بظلها كأم حنون تحميه من حرارة تكاد تقتله. مرت خمس ساعات من اليوم لم يتبقى إلا تسع ساعات وينتهي اليوم ويفوز بأعظم تواب أجر الصائم عند الله كبير جدا تضطره الحرارة أحيانا إلى أن يتمنى لو كان هذا اليوم هو آخر أيام رمضان، ما أجمل أن تجلس في كرسي يدور 360 درجة وتهني الجميع بقدوم الشهر العظيم ثم حين يشتد الحر في منتصف اليوم تذهب بسرعة البرق إلى البحر أو المسبح أو تغلق باب غرفتك المكيفة، لتستمتع بصومك وتنال الأجر و الصحة و العافية، لكن الحمد لله بقدر معاناتك يكون الجزاء، و الرضى بما كتب لنا الله أمر لا نقاش فيه. منتصف النهار تقريبا مر نصف يوم من الصوم ويبقي النصف الآخر هو الأصعب، لم تترك مكان في بيتك إلا ونمت فيه أو بالأحرى غفوة فيه لا نوم في الخمسة والأربعين درجة مئوية تحت الظل، كل مداخل "الغربي" محجوزة مسبقا، هنا لا شيء يتحرك في منتصف النهار، لتفرغ الشمس الأزقة من صخب الصغار ولعبهم و من زقزقة العصافير. لا مفر من عطش اليوم الذي يزداد كل دقيقة، يجعلك تردد النكت، تقرأ القصص، تشاهد البرامج الوثائقية، تفعل أي شيء ليمر الوقت بسرعة. أذان صلاة العصر، بداية نهاية "نكبة" اليوم كله، الكل سيرتاح ما عدا النساء لا راحة لهم، سيحضرن الفطور يسقين الغنم إن وجدت، يطبخن الحساء، ويحضرنا الحليب و القهوة والعصير، هنا تفعل النساء كل شيء وتضاف لها أتعاب أخرى زيادة على المعتاد. ستغرب الشمس قريبا وسيعود الماء ليروى عروق الإنسان ستغيب الشمس وتحمل معها أثقال اليوم كله. تعود الحياة من جديد للأزقة و الشوارع، بين هذا يحمل سجادة متجها إلى المسجد وآخر يبحث عن بائع السجائر يحتاج أن يشعل صدره الذي ارتاح اليوم كله من الدخان. وتلك الأم المسكينة التي لا تكد تبرح المطبخ صغيرا كان أو كبير لا تنتهي من مهمة حتى تجد نفسها في مهمة أخرى من فطور إلى عشاء ثم سحور، وتنتقل الجدات من جارة إلى أخرى كأنها تبارك ليلتهن. سيمضي رمضان ككل عام وسيصوم أهل زاكورة ولو بلغت الحرارة حدا لا يطاق … كل شيء سينتهي وستضل الذكريات الجميلة لهذا الشهر الفضيل في الذاكرة خالدة. اسأل شياب زاكورة وشبابها عن رمضان سيقول الجميع بصوت واحد: رمضان كريم يا أخي.