تعتبر المسألة البيئية ذات أهمية خاصة في مجال تدبير السياسات العمومية فهي تمثل مجالا أفقيا يتخطى الحدود القطاعية، وصيرورتها لا تتسم بالخطية فهي ذات دينامية تحددها التقاطعات والتداخلات بين مختلف القطاعات. ورغم هذه الأهمية فقد ظلت قضايا البيئة خارج الأولوية وتخضع لمنطق التعامل الشكلي البروتوكولي وللأساليب الاستعراضية والإيقاعات المناسباتية… حملة نظافة من هنا…، وعرض تحسيسي من هناك.. مع إغفال القضايا الأساسية التي تمس جوهر البيئة وعلى رأسها إشكالات الاستغلال الفظيع لعناصر البيئة والموارد الطبيعية في إطار أنظمة الريع المستشرية في البلاد. وقد جاء البرنامج الحكومي الأخير ليناير 2012، مطمئنا بخصوص القطع مع هذا النوع من السياسات… فأولى وبشكل غير مسبوق أهمية كبيرة لقضايا البيئة والموارد الطبيعية ونسجل من ضمن ما جاء به من التزامات وتعهدات: - الالتزام الصريح بحماية وتثمين الموارد الطبيعية. - اعتبار الحكامة الجيدة مدخلا للمحافظة على البيئة والاستغلال المستدام للموارد الطبيعية ومن ذلك مثلا الالتزام بتعويض أساليب التراخيص والامتيازات في مجالات استغلال المقالع والصيد البحري… بدفاتر تحملات تقوم على أساس المساواة وتكافؤ الفرص. - الالتزام بنهج سياسة بيئية متكاملة ومندمجة بإصلاحات جذرية مع تفعيل المخططات والاستراتيجيات ذات البعد البيئي وخصوصا من ذلك التفعيل المؤسساتي والقانوني والإجرائي للميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة. - إعطاء أهمية خاصة للموارد المائية وإقرار إستراتيجيات تروم الفعالية والاستدامة في تدبيرها مع العمل على تثمين وضمان استدامة الثروة البحرية والغابوية . - الالتزام بجعل المغرب وجهة سياحية مرجعية في مجال التنمية المستدامة. - العمل على تقليص التبعية الطاقية بتنويع مصادر الإنتاج وتخفيض الكلفة وتحسين النجاعة. إجمالا فالبرنامج الحكومي ارتكز في هذا الموضوع على ثلاثة أسس: - ترسيخ مبدأ أفقية السياسة البيئية على المستوى المنهاجي. - الالتزام -وكأساس للتدبير- بالحكامة الجيدة المؤسسة على مبادئ الموضوعية والتكافؤ في استغلال الموارد البيئية والطبيعية. - العمل وفق مخططات وبرامج مندمجة محددة وواضحة المعالم. نعتبر ما ورد في البرنامج الحكومي بهذا الخصوص طموحا وكافيا لتجاوز مخلفات السياسات المتعاقبة في هذا المجال ولكن عملية التنفيذ والتنزيل لن تكون سهلة وهينة لأن الأمر مرتبط بمجال بقي ولعقود طويلة تحت رحمة ميكانيزمات الريع بكل تلاوينها وتحت وطأة لوبيات الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبقي كميدان للامتيازات والمكافآت المختلفة… لتحقيق هذه الطموحات اعتقد بضرورة توفر مجموعة من الشروط الأساسية على رأسها: توفر الإرادة السياسة الكافية من أجل اتخاذ قرارات تاريخية شجاعة غير مسبوقة في هذا المجال.. وهذا أمر مطلوب وبإلحاح، والإشارات التي تصدر هذه الأيام جد مشجعة ومنها بالخصوص قرار وزير التجهيز والنقل الخاص بنشر لوائح المستفيدين من “كريمات” النقل. توفر السند الشعبي اللازم والذي سيحفز هذه الإرادة السياسية وهنا يمكن الجزم بأن المواطنين لن يكونوا إلا مع الذهاب بمثل هذه القرارات والمبادرات إلى أقصى الحدود… إقرار الآليات المؤسساتية والتشريعية اللازمة للقضاء على الريع في مجال الموارد البيئية والطبيعية. وفي هذا الإطار أقترح مجموعة من الإجراءات العملية أعتبرها كمداخل أساسية للقطع مع اقتصاد الريع في هذا المجال: (1) الاعتماد الفعلي ومن غير استثناءات ولا قيود على مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص: وذلك في مجال استغلال الموارد الطبيعية وهنا يتعين وبدون تردد الالتزام بما ورد في البرنامج الحكومي بخصوص العمل على الحد من الاحتكارات والاستثناءات والعمل على تعويض نظام التراخيص والامتيازات في مجال استغلال المقالع والصيد البحري مثلا بدفاتر تحملات تحدد الشروط الموضوعية للاستفادة منها في إطار المساواة وتكافؤ الفرص، مع اللجوء أيضا إلى طلبات العروض المفتوحة. وينبغي ايضا في هذا الإطار التعجيل بتنفيذ هذه الالتزامات مع وقف النزيف ومعالجة الوضعيات الحالية ومواكبة كل ذلك بالتعديلات والمبادرات القانونية اللازمة وأيضا تفعيل دور مجلس المنافسة وتقوية صلاحياته بهذا الخصوص. كما أنه يتوجب بهذا الخصوص تجاوز منطق المعايير الغير موضوعية في استغلال الموارد الطبيعية ومن ذلك مثلا: - اعتبار المقالع ملكا لأصحاب الأرض (المادة 3 من قانون المقالع) وهذا من منطلق أنه إن كانت الأرض ملكا لشخص فلا يحق له استغلالها كيف شاء لأن الضرر البيئي لن يتوقف عند هذه الأرض. - إعطاء الحق لمالك الأرض أن يمارس القنص في أراضيه دون إذن بالقنص (الفصل2 من ظهير 1923 المتعلق بمراقبة الصيد). ففي الحالتين يخول امتلاك الأرض حقوقا قد تضر ممارستها بالبيئة وبحقوق الآخرين. - وأيضا تحقيقا للشفافية والمصداقية في مجال تسليم تراخيص الاستغلال، نعتقد من الأجدر أن تكون الهيئات التي يسند إليها ذلك ذات تمثيلية موسعة يكون فيها حضور للمجتمع المدني وللمختصين، فمثلا في مجال تدبير المجالات المحمية يتوجب إنشاء مجالس خاصة بتمثيلية متنوعة تتكلف بإصدار التراخيص والمصادقة على مختلف إجراءات التدبير الخاصة بالمحميات عوض أن يبقى ذلك موكولا بالإدارة وبشكل حصري. (2) إعادة الاعتبار لهبة التشريعات و للقواعد القانونية: فرغم الاعتراف الرسمي بالتجاوزات الخطيرة في مجال استغلال المقالع مثلا من خلال الدورية المشتركة ل8 يونيو 1994 ومنشور الوزير الأول رقم 06/2010 بتاريخ 14 يونيو 2010، ورغم الأرقام المهولة المسجلة والمصرح بها رسميا بهذا الخصوص ومنها كون %55 من الرمال المستعملة غير مصرح بها مما يعني أن أزيد من 11 مليون متر مكعب من تلك الرمال لا تستفيد من مداخلها لا الجماعات المحلية ولا الجماعات السلالية… ورغم كل ذلك لم نسمع بتطبيق القانون وتنفيذ الجزاءات بهذا الخصوص والمنصوص عليها في المواد 55 إلى 60 من القانون 01-08 المتعلق باستغلال المقالع الذي بقي مع الأسف موقوف التنفيذ لسنوات طويلة. ويعتبر قانون دراسة التأثير البيئي 09-03 مفتاحا أساسيا لفرض احترام البيئة وحسن تدبير مواردها في مختلف الأنشطة والاستغلاليات ولدى يكتسي تطبيقه أهمية خاصة في هذا المجال. وعموما نعتبر هنا أن إعادة الاعتبار لهبة القانون وللقاعدة القانونية سيمثل عاملا حاسما في التصدي لهذه التجاوزات. (3) إجراء تعديلات جذرية في القوانين ذات العلاقة باستغلال الموارد الطبيعية: فمن المخجل أن نجد العديد منها يعود إلى زمن الحماية فظهير 5 ماي 1914 هو الذي يؤسس لقانون المقالع الحالي، وظهير 21 يوليوز 1923 هو الذي يشرع لمراقبة الصيد، وظهير 1919 هو الذي ينظم قضايا أراضي الجموع وظهير 10 أكتوبر 1917 هو الذي يقنن استغلال المجال الغابوي، ومعظم هذه القوانين تؤسس لممارسات الريع في الموارد الطبيعية، مما يلزم بضرورة إجراء مراجعات جذرية في نصوصها وتحديثها بشكل يتلاءم مع مقتضيات العصر ومستلزمات الدستور الجديد والبرنامج الحكومي الأخير. (4) تمكين المؤسسات المسؤولة عن تطبيق القانون من الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة: فهذه المؤسسات تفتقر إلى المستلزمات المادية والبشرية اللازمة للقيام بأعمال المراقبة والتتبع والتنفيذ الخاصة بتطبيق القوانين التي تحد من سوء استغلال الموارد الطبيعية ومن ذلك نسجل الخصاص الكبير في: شرطة الماء المنصوص عليها في قانون الماء 10-95. المأمورين المنتدبين لمراقبة استغلال المقالع (قانون 01-08). موظفي الإدارة المؤهلين المنصوص عليهم في المادة 36 من قانون المحميات (قانون 07-22). (5) تبسيط المساطر وتفادي الإجراءات البيروقراطية: فمثلا في مجال استغلال المقالع ومن أجل الحصول على الرخصة يتم إيداع الملف لدى المديرية الإقليمية للتجهيز التي تعرضه على اللجنة الإقليمية لتتبع المقالع، وضمن هذا الملف نجد نسخة من دراسة التأثير على البيئة التي تشمل باقي مضامين الملف… فلماذا لا يتم تخويل اللجنة الجهوية لدراسة التأثير على البيئة صلاحية إصدار تراخيص المقالع تفاديا لهذه المسطرة البيروقراطية التي تؤدي إلى عدم وضوح المسؤوليات وتخلق ظروف عدم الشفافية. (6) إعادة النظر في دور المؤسسات المتخصصة في هذا المجال: ونسجل من تلك المؤسسات: أ- قطاع البيئة التابع لوزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة، والذي تنص المادة الأولى من مرسوم تنظيم اختصاصاته على: المساهمة في حماية الموارد الطبيعية لتفادي كل تبذير أو إتلاف من شأنه عرقلة التنمية المستدامة. إقامة الأجهزة الملائمة لحراسة حالة البيئة. والحال أن هذا القطاع بعيد كل البعد عن أداء هذه الأدوار بالنظر إلى: ضعف الإمكانيات المادية والبشرية المخولة له. كون اختصاصاته غير واضحة ويبقى دائما في الهيكلة الحكومية قطاعا ثانويا داخل وزارات شاسعة التخصصات. ب- المندوبية السامية للمياه والغابات: والتي تناط بها مسؤوليات أساسية في حسن تدبير الملك الغابوي والأحواض المائية ومراقبة تطبيق القوانين بهذا الخصوص، وكان من المأمول في ظل الدستور الجديد أن تتحول إلى قطاع وزاري… وهي حاليا تعرف إشكالات قانونية حقيقية…منها الخاصة بتدبير الملك الغابوي في عملية تحديده مثلا. ج- المجلس الوطني للبيئة: والذي تأسس منذ 1980 وتمت إعادة هيكلته سنة 1995، وأنيطت به مهمة حماية وتحسين البيئة حسب المادة (2) من مرسوم الوزير الأول (20 يناير 1995)… ولكنه بقي بعيدا كل البعد عن لعب دوره فدوراته لا تنعقد بشكل منتظم وهيكلته تضم ممثلي القطاعات الرسمية فقط، ويمكن أن يضيف ممثلين للجمعيات المهنية والمتخصصة والهيئات الخاصة بقصد الاستشارة لا غير. د- المجلس الأعلى للماء والمناخ: والذي من مهامه إبداء الرأي ودراسة مخططات التنمية المندمجة لموارد المياه بالأحواض المائية ولاسيما توزيع الماء بين مختلف القطاعات المستعملة وبين مختلف جهات البلاد أو نفس الحوض، وهذا في إطار مقتضيات المادة (13) من قانون الماء 10-95. ه- المجالس الجماعية: فحسب القانون 00-87 المتعلق بالميثاق الجماعي فقد تم تخويل اختصاصات أساسية في مجال المحافظة على البيئة لهذه المجالس (المادة 40)، ولكن الوضع الذي تعيشه العديد من المجالس الجماعية وضعف إمكانياتها المادية والبشرية يجعلها غير قادرة تماما على حماية البيئة، ومن الخطأ أن نعرض تدبير هذا المجال لمخاطر نتيجة تقصير الجماعات المحلية. فمثلا ووفق المادة (21) من قانون المحميات فعدم إبداء الرأي من طرف المجلس الجماعي في أجل معين بخصوص تدبير المحميات والموارد الطبيعية وسكوته يعتبر بمثابة عدم الاعتراض عن مقترحات الإدارة…التي يتم تبنيها رسميا. عموما فتفعيل أدوار مختلف هذه المؤسسات وأخرى سيمكن من المساهمة الفعلية في حماية الموارد الطبيعية من كل ممارسات الريع، ولكن هذا التفعيل لن يتم إلا بإعادة هيكلتها ودمقرطتها وتمكينها من مستلزمات العمل المختلفة. (7) تفعيل مبدأي “المستغل يؤدي” و”الملوث يؤدي” وتنص المادة (2) من القانون 03-11 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة على هذين المبدأين وذلك في كل ما يرتبط بإنجاز وتدبير المشاريع الاقتصادية والاجتماعية وتقديم الخدمات، ويتعين التقيد بالمبدأين وإقرار معايير موضوعية وعادلة بهذا الخصوص مع العمل على حسن تدبير الإتاوات المستخلصة واستعمالها في أعمال إعادة تهيئة الأوساط الطبيعية المتضررة من الاستغلال والتعويض للسكان المتضررين بخلق أنشطة تنموية لفائدتهم وتحسين ظروفهم الاجتماعية.ويعتبر قانون دراسة التأثير البيئي رقم 12-03 ضمانة حقيقية لحماية الأوساط الطبيعية والمواطنين من أضرار المؤسسات المسببة للتلوث لو يتم الالتزام الفعلي بتطبيقه. (8) تقنين انفتاح المؤسسات المستغلة على المحيط: نسجل فقدانا للتوازن بين المؤسسات والوحدات التي تستغل الموارد الطبيعية ومحيطها سواء على المستوى الاجتماعي والاقتصادي أو البيئي، وكثيرا ما نجد أن مواقع للثروات الطبيعية تحيط بها أحزمة من الفقر والهشاشة، ويتعين تقنين العلاقة بين هذه المؤسسات ومحيطها حتى تتمكن الساكنة المحلية من الاستفادة من عائدات تلك المواقع إما بتوفير فرص للشغل أو إنجاز أنشطة اقتصادية وتبني مبادرات تنموية، تخصص لها نسبة معتبرة من عائدات الاستغلال (9) تفعيل مضامين الاتفاقيات والإعلانات الدولية التي صادق عليها المغرب بهذا الخصوص: و نسجل منها بالخصوص : -اتفاقية التنوع البيولوجي الموقعة بريو دي جانيرو ب5 يونيو 1992 وصادق عليها المغرب سنة 1995 وهي تلزم الأطراف المتعاقدة بالمحافظة على الموارد البيولوجية والنظم الايكولوجية من سوء الاستغلال مع المحافظة على كافة الحقوق بهذا الخصوص. -بروتوكول حماية البحر المتوسط من التلوث لمدريد 1994 وصادق عليها المغرب سنة 1999 وهي تلزم مختلف أنشطة الاستغلال والاستكشاف المقامة في مجال البروتوكول بالترخيص المسبق تفاديا لسوء الاستغلال والتدبير اللاعادل. -الإعلان العربي عن التنمية المستدامة –جدة2001- - الإعلان الإسلامي للتنمية المستدامة – منظمة الاسيسكو..جدة2002- (10) إيجاد حلول لإشكالات أراضي الجموع وهي إشكالات هيكلية حقيقية، وقد اجمع مختلف الفاعلين على ضرورة إيجاد حلول حقيقية لها، دون أن يتم فعل أي شيء بهذا الصدد لحد الآن لتبقى هذه الأراضي بمثابة خزان حقيقي لممارسات الريع والمكافآت الانتهازية والإفساد الانتخابي والتوجيه السياسي وكانت ولا تزال رمزا حقيقيا لسوء استغلال الموارد الطبيعية، حيث يمكن لسلطة الوصاية توجيه تفويت هذه الأراضي خصوصا لفائدة مشاريع وهمية -لا تنجز في الواقع- تحت يافطة مذكرة تشجيع الاستثمار مثلا… أو لفائدة محتكري المقالع وغيرها من خيرات الأرض. (11) إعادة صياغة أهداف التربية البيئية: يظهر أن الصياغات الكلاسيكية لأهداف التربية البيئية لم تف بالمطلوب فيما يخص ترسيخ السلوكات الضرورية للمحافظة على البيئة في مختلف أبعادها خصوصا في البعد المرتبط باستغلال الموارد الطبيعية في إطار اقتصاد الريع، حيث أن هذه الأهداف تتوجه إلى التصدي لإشكالات بيئية بسيطة متجاهلة إشكالات النهب والاستنزاف الخطير، في إطار الريع وهي إشكالات حان الوقت أن تتم معالجتها بيداغوجيا وإبراز خطورتها وتحسيس الناشئة وعموم المواطنين بذلك. (12) تعميم نشر المعلومة البيئية: إن تعميم المعلومة البيئية يمثل مدخلا أساسيا لحماية الموارد الطبيعية والمحافظة عليها و يمكن من إشراك العموم في صيرورة تلك الحماية وخلق رأي عام مساند للقضايا البيئية، ويمنع من تفشي الاستغلال الريعي للموارد الطبيعية. ونشر المعلومات البيئية سيمكن من زعزعة البنية السيكولوجية والاجتماعية لاقتصاد الريع في المجال البيئي، كما وقع حين تم نشر لائحة المستفيدين من “كريمات” النقل مؤخرا. (13) تفعيل دور الإعلام في هذا المجال: إن التناول السطحي للقضايا البيئية من طرف الإعلام لا يمكن من إثارة الإشكالات الحقيقية من قبيل المرتبطة بالريع في مجال استغلال الموارد البيئية، ويمكن مثلا لصحافة التحقيق أن تلعب دورا رقابيا في هذا الإطار، كما يمكن للبرامج البيئية الهادفة أن تمثل دعامة للتربية البيئية وأساسا لتقوية الشعور العام بضرورة مواجهة هذه الإشكالات خصوصا حينما تنطلق من قيمنا الحضارية الأصيلة عوض الارتكاز على الحلول المستوردة. ونجد مع الأسف فلسفة الإعلام تعتمد وترتكز على منطق تشجيع الاستهلاك والاستحواذ وتسوق لنماذج ولأشكال مختلفة من الريع وتعمل في إشهار مواد ناتجة عن دورة اقتصاد الريع من مثل مياه المائدة على سبيل المثل لا الحصر. (14) جبر الأضرار السابقة: إن الاستغلال الريعي للموارد الطبيعية لعقود طويلة خلف أضرارا جسيمة في مختلف الأوساط والمجالات الطبيعية، ويتعين جبر هذه الأضرار وفق ما نص عليه قانون حماية واستصلاح البيئة الذي ينص في فصليه الثاني والثالث على إلزام المستغلين بإصلاح التدهور الذي يلحقونه بالبيئة. ومن أجل استرجاع الخصوصيات البيئية والبيولوجية للمواقع المتضررة يمكن اعتبارها ولو لفترة محددة ضمن المناطق المحمية ويمكن هنا إقرار صنف جديد (صنف سادس) من المناطق المحمية المنصوص عليها في المادة (20) من قانون المحميات -07.22 – يهم المناطق التي تتوجب حمايتها بعد ما تعرضت له من استنزاف حاد.وهذا يتماشى أيضا مع مقتضيات اتفاقية التنوع البيولوجي الموقعة بريو دي جانيرو ب5 يونيو 1992 وصادق عليها المغرب سنة 1995 خصوصا منها الفقرة (و) من المادة الثامنة. دون إغفال ضرورة استرجاع الكثير من المجالات والفضاءات الطبيعية التي تم تفويتها في غياب أدنى شروط النزاهة أو التي تمت السيطرة عليها من طرف لوبيات وسماسرة الريع ومنها بالخصوص العديد من المواقع الايكوسياحية بالبلاد التي تركت عرضة للنهب وللتدهور البيئي…وأيضا ضرورة توقيف العديد من رخص الامتياز المقدمة لدوي النفوذ الموجهة لاستنزاف خيرات البلاد في أوساط طبيعية مختلفة كالبحر مثلا.. . أو التي تهم تفويض تدبير الماء وعيون الماء…من منطلق أن الماء يمثل قطاعا استراتيجيا لا يجب تفويته ووفق مبدأ أن الماء لا يمكن أن يتحول إلى مادة تمكن من تحقيق الأرباح كما تذهب إليه الكثير من الأعراف الوطنية والدولية والعديد من الهيئات المتخصصة منها مثلا جمعية العقد العالمي للماء…، ويعتبر تفويت مياه العيون المعدنية من أسوا واخطر أوجه الريع المعروفة في المغرب الذي يستفز الشعور العام ويمثل موضوعا تتوجب معالجته بجرأة خاصة. في اعتقادي فاتخاذ مجموعة من الإجراءات العملية وفق ما سبق ذكره إضافة للإجراءات العامة التي ستتخذ في إطار تحسين مناخ الحكامة المرتبط بتدبير مختلف السياسات العمومية سيمكن من تحقيق طفرة نوعية في مجال محاربة اقتصاد الريع في المجال البيئي و الموارد الطبيعية.