لم يندمل الجرح الفسطيني بعد في القطاع مطلع عام 2009 و كانت غزة بجرحاها و ثكلاها و أيتامها تتنفس الصعداء بعد نهاية عدوان إسرائيل متم 2008،حين ذاك قرر المغرب بأن يكون إلى جانب نحو مليون و نصف مليون غزاوي فجاءت تعليمات رئيس لجنة القدس الشريف أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله بأن تتوجه بعثة عسكرية طبية مغربية إلى غزة،تم ترتيب كافة الأمور اللوجستيكية و علم العرايشي بذلك لكنه فضل عدم إخبار البعثة الإعلامية للقناة المرافقة للوفد المغربي حتى ليلة المغادرة من المطار العسكري للرباط سلا،في العاشرة مساء تلقيت إتصالا هاتفيا من مدير الأخبار آنذاك م.أ يأمرني بإصطحاب الجواز و حقيبة السفر و التوجه نحو المطار بعد نحو ساعتين،علمت بعد ذلك أن المهمة عرضت على زميل جنوبي لكنه رفض السفر بعد أن علم أن غزة هي الوجهة فهو لا يقوى على أجواء الحروب و على مشاهد أثار المقاومة و لا يمكن أن يكون موضوع متابعة من الإدارة لرفضه الإمتثال لأمرها هذه هي عدالة دار لبريهي،ولجت بيتي وشرعت في جمع الأمتعة و أخبرت الأسرة بالوجهة فأجهشوا بكاء لعدم معرفتهم بالمصير و كان الجواب أنا صحافي و لن أتخلى عن واجبي،فوجئت في مدخل المطار العسكري بمدير الأخبار و رئيس مصلحة اللوجستيك و زميل جنوبي سابق،سألتهم هل رتبتم أمر تعويضات السفر و أين هي تأشيرة الدخول إلى مصر؟كان جوابهم صادما سنتدبر الأمر عند الوصول إلى الأراضي المصرية فقد كنت مرفقا بزميلي مصطفى لصفر الفنان و الخبير في التصوير التلفزيوني،بشكل ساخر سألنا عسكري مكلف بتلقي واجب التأمين على السلامة في الطائرة هل تريدون أن يكون تعويض الوفاة كبيرا أو متوسطا يقول أحد أفراد القوات الجوية في إشارة إلى ما يمكن أن تتسلمه العائلة تعويضا في حال سقوط الطائرة لا قدر الله،بعد تأدية واجب الطائرة من مالنا الخاص في مهمة ملكية حلقت بنا الطائرة العسكرية في أجواء الرباط عند الواحدة و الربع صباحا مصحوبة بطائرة عسكرية أخرى،دامت الرحلة ثمان ساعات من التحليق المتواصل في الليل الدامس و كنا بين الفينة و الأخرى نتابع من عل أضواء المدن الساحلية الجزائرية و التونسية و الليبية في مسار الرحلة قبل الوصول إلى اأجواء المصرية و في ظل نظام غذائي مضطرب و غريب لا يعتمد وجبة كاملة بل وجبات متقطعة و مع معاناة أطرافنا السفلية من إنخفاض خارجي مريب للحرارة إلى أقل من أربعين درجة بفعل منافذ جانبية في الطائرة تسمح بتسرب الانخفاض الشديد للحرارة فلم نعد نشعر بتاتا بأن أقدامنا تنتمي إلى أجسادنا المتهالكة،إحساس غريب يشبه ما قد يعيشه المرء في الأحلام فقط،وصلت المجموعة المكونة من واحد و ثلاثين طبيبا و ممرضا و مساعد ممرض و أطر إدارية و شبه طبية بقيادة الكولونيل ماجور خالد الأزرق الأخصائي في جراحة العظام إلى مطار العريش عند الحادية عشرة و الربع من صباح اليوم الموالي،كنت و زميلي أول المغادرين للطائرة من أجل الشروع في تصوير مغادرة البعثة للطائرة،ما إن لمست أقدامنا الأراضي المصرية حتى تحدثنا إلى مسؤول مصري و آخر من السلطة الوطنية الفلسطينية و أخبرناهم أننا لا نتوفر على تأشيرة الدخول إلى مصر،إبتسم المسؤول الأمني المصري مستغربا كيف لفريق قناة حكومية يغطي مهمة ملكية إنسانية أن يكلف بتلك المهمة من دون أن تكون بلاده قادرة على ترتيب إجراءات السفر طبعا هو لا يعلم أن الذي يتحمل تبعات ذلك رجل في المغرب يدعى فيصل العرايشي لا يهمه أن يسافر فريق العمل من دون ترتيبات و لن يعاقب بسبب ذلك لأنه يوجد بعيدا عن دائرة المحاسبة،بعد دقائق أعاد إلينا المسؤول المصري جوازي سفرنا و قد كتب على إحدى صفحاتهما بخط اليد و بقلم أزرق اللون العبارة التالية "تأشيرة شهر لدخول مصر"،إنتقل الوفد إلى معبر رفح المصري البعيد بنحو سبعين كلمترا لأجل ولوج القطاع و في طريقنا نحو المعبر هاتفنا مرارا مدير الأخبار في الرباط لأجل تدبر موضوع تعويضات السفر فلا يمكن بتاتا أن نقوم بهذه المهمة و نحن لا نملك فلسا واحدا و في بلد أجنبي و أمامنا متاعب جمة في الإرسال و التنقل نحو مندوبية الإذاعة و التلفزيون المصري في العريش و في بلد لم نزره قط،من حسن حظنا أن الوفد المغربي لم يسمح له بولوج غزة في ذلك اليوم و هو ما أتاح لنا وقتا إضافيا تمنيت و زميلي أن لا يكون وقتا ميتا. يتبع في الحلقة المقبلة……….