فور تعاقب الكثير فالكثير من الانكسارات و خيبات الامل و الخذلان ، فإننا نمسي ذواتا برغماتية ، تتبرمج على تقبل هول الصدمة الذي يتلاشى بعد المرة الاولى و الثانية .. التاسعة فالعاشرة ؛ كي تصير صدمات باردة ، ننسى كونها صدمات عادة! فتلتبس أوجه الاختلاف او الائتلاف بين البشر ، لنرى الجميع سواسية .. مثلا هذا الشاب ، أنيق الهندام ، بشوش الوجه ، يقبع كما أقبع أنا تماما ، غير أنه دائم إنتقاء زاوية تحضنه وحده ، وأنا لايهم، وإن كنت وسط الالوفات فإنني أحفظ بقعتي من أي مس عبثي . مرات عديدة لمحته يرمقني بعين طريقة العام الفارط ، لم يتغير كثيرا غير أنه رسب ! كثيرا ما أقول كيف سقط في فخ الرسوب ، لأنه يدهشني بمعلوماته الغنية أثناء الحصص .. أعي أن وراء هدوئه التام أشياء عميقة . أعود لأتذكر نفسي ، داخليا أنا مكتفية بذاتي ، أحب توددي بأنا فقد بالغت في إهمالها ، لكن خارجيا صديقي المقرب يقول أنني مكتفية بذاتي حد الافراط ، حد الوحدة ! هذا الرفيق -يعرفني منذ ثلاث سنوات- فتات تبقى لي من مصطلح الصداقة الحقيقية ، يرى هذا أنني وضعت سلاحي جانبا و هاجرت بعيدا عن الحياة الاجتماعية . لأرى أنا أنني فقط بفترة تأمل عميق ، أدقق النظر بكل هذه الاقنعة المتساقطة أمامي و من حولي وبكل أرجاء هذا القالب الذي نتنفس فيه ليس الا . و أضيف له مبررتا له ما يلحظه عني ، أنني أولا لا ألقط راحتي بين هذه الارجاء ، ثانيا ما جرف الزمن أو بالاحرى بعض البشر بي ، لا يجبر بأحاديث عابرة .. حاليا على الاقل! ربما فقط فقدت طعم الحياة لوهلة ، طعم لاأقوى إسترجاعه بل أصطنعه مؤقتا ، إرضاءا لنصف مني يدفعني لذلك ، وكذلك حفاظا على صورتي العامة أمام غرباء قرباء . إضافة إلى أنني أبغض الحديث عن ما بي ، ليقيني المتصفصف أن غزل الكلام سيترك التتمة للصمت أو لدموع -أمقتها- تحرق خذوذي .. (لمن لا يعرفني حق المعرفة و يقرأ صفيحة حروفي ، فإنني لا أتحدث عن حبيب خذلني أو ماشابه تعويذات العشق ، بل أعمق بكثير .. ) على رصيفي المتذبذب أمشي ، يحملني على صدره و يطبطب شعري الباهت .. ، بكل زوايا هذا البلاط أتذكر يذكرني .. : " لم تنسي كي تتذكري " جملة توقف تلعثم الحروف . هنا و هناك وايضا هنا ، تعرفت على أشخاص ساهموا في تدمير بهجتك ! غريب حق الغرابة ! لما البشر سيئون لدرجة تفوق العادي ، لما ؟ تتخذ رفيقا ليدعمك في أسوء حالتك و يقتسم البسمة للحظات ، يفعل طبعا لا أنكر ذلك ، لكن لأسباب وجيهة بل ساقطة غالبا . كيف يمكن أن يود و يجد المرء النشوة في سلب الحياة من أحد .. من أين لكم هذا الحق ؟ اللعنة . اللعنة ، لما علي التفكير ؟ أنا أصلا لا أفكر كثيرا بهذه الامور حاليا ، أنا فقط أفصح لك بين السطور ياقارئ كي تفهم و توقن أن لا تتعمق بمعاشرة أحد ، أترك هامشا بالغا في الاساسية تستطيع به ترميم نفسك بعد استيفاء علاقتك مع اشخاص كانوا جزءا لا يتجزء من حياتك.. الوحدة ، شعور أي شخص هدمت علاقاته مع الآخر بطريقة همجية ، فتكت رغبته في الاجتماع و ساده التقوقع .. هكذا يعيش المرء بين تيارات الانكسار و أنقاذ الماضي ، ليواصل الترنح على إيقاعات الحياة كسلحفاة تحارب عهر البشر ! الوحدة ، هو كذلك كل ما يريح هذا الشخص المتأمل في جوهر العلاقات ، والذي يضمر في تأمله إنعزالا يضم بدوره خشية خافتة و باردة حول أي صدمة موالية .