اللسان الطويل لخصوم المغرب الذين أَرْخَوا له العِنان لِيَهْذِي، كعادته، في السّبّ والقذف والتَّجَنِي على المملكة وضيوفها من كبار القوم العالميين بمناسبة عقد منتدى "كرانس مونتانا" بمدينة الداخلة، سرعان ما عاد إلى حجمه الحقيقي لدرجة أن هؤلاء الخصوم لم يستطيعوا أن يبلعوه من فَرْطِ الصّدمة العنيفة. نفس اللسان سيبلعه رئيس نيجيريا بعد أن عاد إليه رُشْدُه، وأقلع عن غَيِّهِ، وغَيّرَ رأيه. المثير للانتباه أنّ لسان الخصوم بقدر ما هو طويل بقدر ما أنّ حبل الكذب قصير. لذلك، فإن طُولَ هذا اللِّسان يتجاوز بكثير هذا الحبل، مِمَّا يجعله كثير الْهَذَيَان والدَّوَرَان في الفراغ. ولكي يملأ هذا الفراغ، اختار هؤلاء الخصوم أن يَصُبُّوا كل حقدهم على الشخصيات التي لَبّت دعوة المشاركة في منتدى الداخلة الدولي. وَصوَّبُوا فُوهَات مدفعيتهم الثقيلة، المملوءة بقذائف الكذب والقذف والسّبّ، نحو رئيس وزراء إسبانيا الأسبق، خوصي لويز زاباتيرو. ولم يكد الخصوم يُفْرِغُوا آخر طلقاتهم نحو الرجل حتى سقطوا صَرْعَى على الأرض من شدة الدّوْخَة التي انتابتهم لمّا انتهى إلى علمهم خبر الحضور اللاَّفت لوفد من جنوب إفريقيا يمثّل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وهو الحزب الحاكم في هذا البلد. وقد كان حضور هذا الوفد (نتومبينهل بيربيتيا مسيزا، وهي ابنة رئيس جنوب إفريقيا، إلى جانب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الحزب المذكور، ليندي روفوس راديبي) في أشغال منتدى الدّاخلة صفعة أخرى قوية على وجه الخصوم الذين راحُوا يضربُون أَخْمَاسًا في أَسْداس، ولم يعرفوا أين يُوَلُّوا وجوههم. ولمّا لم يجدوا، في النهاية، بُدّاً من ابتلاع لسانهم الطويل، اكتفوا بالتذكير بأن حضور وفد جنوب إفريقيا بمدينة الداخلة الحرّة يتناقض مع الشعارات التي يرفعها حزب نيلسون مانديلا منذ سنوات، وهي الشعارات المؤيّدة للطرح الانفصالي للخصوم، والمُعَاكِس للوحدة الترابية والسيادة الوطنية المغربية. هي انتكاسة دبلوماسية كبرى بكل تأكيد، خاصة حين نعلم أن ما يسمّى بسفارة الانفصاليين بجنوب إفريقيا تعتبر من أكبر وأغنى سفاراتهم نظرا للدعم السَخِيّ الذي تحظى به من طرف البلد المضيف (15 ألف دولار كل شهر)، إلى جانب التمويل الكُلِّي للسفارة من طرف النظام الجزائري باعتباره الرّاعي الرسمي للانفصاليين. ما يثير الضحك أن الخصوم لم يجدوا أيَّ تبرير يُعَلِّقُونَ عليه هذه الانتكاسة سوى ادِّعَاء أن سفيرهم فَضَّل القيام بزيارة تفقدية إلى قُطْعان الإبل التي يملكها على التنسيق مع السياسيين في جنوب إفريقيا من أجل مقاطعة منتدى الداخلة. إلى جانب الصفعة الإسبانية الشديدة، والْخَبْطَة الجنوب إفريقية العنيفة، جاءت الضربة القاضية من عند فيليب دوست بلازي، المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، الذي كان لحضوره أكثر من دلالة ومعنى خاصة أن الأمر يتعلق بكبير من كبار المسؤولين في المنتظم الدولي. أمام هذه الكوارث الدبلوماسية، لجأت آلة الدعاية الانفصالية إلى التقليل من أهمية حضور الممثل الأممي بالزَّعْمِ أنه حضور بروتوكولي، لا يعني أيّ شيء، ولا تأثير له على مسار ملف النزاع المفتعل بالصحراء، عِلْماً أن نفس الدعاية ظلت تُرَوِّجُ خبر عدم حضور "بلازي" بالداخلة وغيره من الشخصيات، بل تحدّث عن مقاطعة دولية كبرى للمنتدى.. لسانٌ آخر، من أَلْسِنَةِ الانفصال الطويلة، ابتلع نفسه بنفسه لما انتبه إلى قِصَرِ حبْل الكذب، وعاد عن غَيِّهِ ليعترف بعظمة لسانه بما فَاهَ به لسانه. يتعلق الأمر برئيس نيجيريا، أحد الأضلاع الثلاثة للقوى الدّاعمة للانفصال: غودلُوك جوناتان الذي أكدّ في بلاغ رئاسي أنه لم يُجْر ِ أيّ مكالمة هاتفية مع الملك محمد السادس، وأن كل ما تمّ الإعلان عنه خطأ ولا أساس له. وعبّر في البلاغ عن صدمته وتَفَاجُئِه وحرجه للجدل الذي أُثِير حول مكالمة خيالية ووهمية. ولمزيد من التوضيح قال إنه كان يرغب في التحدث مع ملك المغرب لكي يطلب منه دعمه لوزير نيجيريا في الفلاحة أدسينا أكينوونمي لمنصب المدير العام للبنك الإفريقي للتنمية؛ وأمر بإجراء تحقيق حول مصدر تسريب الخبر الوهمي هو الذي يعترف بجمهورية أكبر من الوهم وأعظم من الخيال.فهل يمتلك الشجاعة الكافية للتَخَلُّص من مسلسل الوهم الطويل الذي ظل حَبِيسَه طيلة عقود من الزمن ؟