نوّرني يرحمك الله، واعذر سذاجتي وجهلي: هل من أجل الزيادة في الأسعار، وضرب القوة الشرائية للمواطن، وارتفاع فواتير الماء والكهرباء، ورفع الدعاوى ضد المعطلين، وتهديد الصحافة والصحفيين، وإذلال رجال التعليم، والاقتطاع من أجور المضربين، وتمديد سن المتقاعدين، وتوزيع المناصب على المحظوظين والمقرّبين، والرفع من تعويضات البرلمانيين، وتشكيل حكومة مكوّنة من أربعين كائنا وكائنة، يتقاضون الملايين، ناهيكم من تفاقم الإجرام، وتصاعد وتيرة السرقات، واغتصاب الأطفال والطفلات، ورواج المخدرات، وبروز الزلات، في صفوف مَن يتظاهرون بالورع والتقوى، وتراجُع جودة الخدمات، في الإدارات والمستشفيات، وانهيار العمارات والبيوتات والمساكن على أدمغة العباد، وتزايُد زواج القاصرات، وتكرار اغتصاب الأولاد من طرف شواذ دنّسوا البلاد، وتفاقُم أعداد المنتحرين، واستياء أهل القضاء ورجال العدالة، وتكاثُر حوادث السير القاتلة، وإفلاس صندوقي التقاعد والمقاصة، وتجرُّؤ الحثالات علينا في الداخل والخارج، والتحاق الأعداد بداعش والنصرة، وتنوّع واغتناء موسوعة الرشوة، ما ظهر منها وما بطن، واتساع ثقب في كيس خزينة الدولة بسبب التهريب الذي بلغ حسب العارفين مليار سنتيم شهريا، في رقعة محدودة بالشمال، وعلى طريق لا يتعدّى طولها 60 كيلومترا، حتى فسدت أخلاق الواقف والماشي فيها؛ ثم مأذونيات النقل يتوفر الميسور على خمسٍ أو ستٍّ منها، وكل سنة تُفتَح "گورنة" خاصة بالسمسرة فيها، ثم سيارات فارهات تستهلك وقود الدولة بلا جدوى، وهي بالآلاف المؤلّفة، ثم أحزاب وهنت، وجمعيات خابت، تتلقى دعما مقابل لا شيء، ومنها من خان، وأمام الأعداء لان، وكفر بالوطن ومقدّساته، ثم قيم انحلّت، وديون انتفخت، وخيانات انتشت، وخلايا إرهابية من سباتها استيقظت، ثم للبؤس ظُفْر قد أطلّ ونابُ.. فهل من أجل هذا صوّت الشعب؟ أمن أجل هذا أزبد وأرغى بنكيران في الحملات، ودق بالدف، وغنى، وجوّد ورتّل حتى أبكى الناس الشجى؟ يا حسرة على العباد! وإليكم الآن بعضًا من أقواله ونماذج من أفعاله ثم الخبر مقدّس والتعليق حرّ.. قال بنكيران، إنه لا يقرأ مقالات الصحافة المغربية، ونحن نقول له إذن لابد وأنك تكتفي بالصحافة المدّاحة أو المعادية للبلاد أو الإخوانية؛ ورئيس حكومة لا يقرأ صحافة بلده ولا يرد على ما تقوله، لا يستحق شرف لقبه ووجب إسقاطه فورا، لأن هذه الصحافة هي التي تدافع عن الوطن ومقدساته وقضاياه، في الوقت الذي ترفع فيه أنت شعار "رابعة" ثم تصلي إلى جانب صاحب الجلالة نصره الله، تماما كما كان يفعل "عبد الله بن سلول" مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أم أنا مخطئ لا سمح الله!؟ ثم سمعتُ بنكيران يعترف بأنه توسّط لابنه، وهو ما فعله معاوية لابنه يزيد، ثم خاطبه قائلا: "يا بني، قد ذلّلتُ لك الصعاب، وأخضعتُ لك الرقاب" وبنكيران هو كذلك أخضع بعض الرقاب في كل القطاعات دون استثناء؛ أم أنا مخطئ لا سمح الله!؟ لقد توسط لابنه، ثم رفع دعوى ضد أبناء الوطن المعطّلين، ولم يتوسّط لمعاق من حزبه، فالتحق بداعش من أجل الشغل، لأن المعاق معفي من القتال.. والملاحظ، هو أنه في الوقت الذي يغلق فيه بنكيران أبواب الشغل أمام الشباب، تجد "داعش" تفتحها وتهيب بالعاطلين وحملة الشهادات بالالتحاق بها لتسلّم مناصبهم وبأجور مغرية؛ وسياسة بنكيران تخدم "داعش والنصرة" أم أنا مخطئ لا سمح الله!؟ ثم تجد بنكيران يحرّك السّكين في الدّبرة، حيث يستفز الشعب في قوته، وفي تقاعد موظفيه، ثم يسمي الإضراب تغيُّبا، ويقتطع من الأجور، ويظهِر فحولته على المواطنين، ويرسِّب اليأس، ويخزّن الغضب في أعماق المغاربة كل يوم، ويستنسخ سياسة "خوان بيرون" ذات يوم في الأرجنتين، حتى أتاه اليقين.. ثم تراه يتحدث عن الإصلاح في الإدارة والتعليم، وفي الوقت ذاته يهدد الموظفين، ويشقي نساء ورجال التعليم.. منذ شهر في فرنسا، صرّح الوزير الأول بأن حكومته قد تخلت عن سياسة التقشف، لأنه لا ينبغي المساس بمستوى ونمط عيش الفرنسيين، وكان ذلك بفضل الوزراء المنسحبين، فلماذا لم يقلّده بنكيران كما يقلد فرنسا في سلبياتها؟ لماذا لم يقلّدها في تخفيض عدد الوزراء مثلا؟ فالرفع من الأسعار، والتمديد في سن التقاعد، والخصم من رواتبهم، وإغلاق باب التشغيل، وتجميد الأجور، واستهداف جيوب المغاربة، كل ذلك لا يتطلب حكومة أربعينية وبرلمانا غثائيا؛ فهذه سياسة يمكن أن يقوم بها بائع متجول لو أنك نصّبته رئيس حكومة، وأحس أنك جاد.. فتلك الملايين تدفع للمبدعين وأصحاب "l'imagination" في السياسة، والذين يعرفون كيف يأتون بالموارد، دون المساس بقوت الشعوب. فلو كان هؤلاء الوزراء يستحقون الملايين لتهافتت عليهم الدول والشركات ولما كانت فيهم من الزاهدين..