اجتمعت قلوب أرض الكنانة، حول رجل واحد شهدت كل الدلائل على أنه رجل المرحلة، وقد أسقط المصريون "الأوانْطَة" محمد مرسي من على الكرسي، حتى قرْقَبت أسنانُه، وهتفوا جميعا: السيسي هو رئيسي.. لكنّ بعض القنوات "الأوانطة" مثل الجزيرة وأشباهها، أصيبت بالهيستيريا لهول ما شاهدت، وكانت تأمل أن يتحقق ما تحقق في بلدان أخرى صارت فريسة للطائفة، والحروب الأهلية، وهي أمور تطرب لها أنفس الشياطين في الجزيرة، هذه الظاهرة السرطانية الخبيثة التي أصيب بها وطننا العربي.. لكنّ الملاحظ في هذه القنوات هو أنك صرت تسمع كلاما جديدا لا ينطلي إلا على البلهاء، والجهلاء، وأهل تُبَّع ممن رضوا أن يكونوا مع الخوالف، هذا الكلام مفاده أن "السيسي" هو رجل عسكري، ولا يصلح لحكم البلاد.. قال السيد المسيح عليه السلام: "هلك شعبي من عدم المعرفة.. تضلّون لأنكم لا تعرفون الكتب.. فتِّشوا الكتب، تعرفون الحقَّ والحقُّ يحرركم..". ومصيبة هذه الأمة، هي أنها لا تفتش الكتب، وهو ما يخدم مصلحة الكذبة والمضللين والمارقين المتخفّين وراء لحية كثيفة "محلقون رؤوسهم، محفّون شواربهم، أُزُرُهم إلى أنصاف سوقهم، يقرؤون القرآن، لا يتجاوز تراقيهم" كما قالت عائشة رضي الله عنها نقلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (تاريخ بغداد) للخطيب، جزء I؛ صفحة 102.. وفتشتُ الكتب، فوجدت عددا كبيرا من القادة عبر التاريخ قديما وحديثا كانوا مقاتلين أو قادة في الجيش، وكانوا من أنجح الرؤساء؛ ومعظم الخلفاء الراشدين كانوا مقاتلين في جيش الإسلام منهم مثلا أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وكذلك الإمام علي كرم الله وجهه، باستثناء عثمان رضي الله عنه، حيث كان أقلّهم قتالا لأنه كان رجلا وديعا ولكن كريم إذ جهز بمفرده جيش العُسْرة، أم أنا مخطئ؟! وسوف لن أغوص في أعماق التاريخ البعيد، بل سأقتصر فقط على التاريخ الحديث، لأبيّن للناس أكاذيب هؤلاء الجهلة الذين ابتُليت بهم الأمة، وشجّعهم خلوُ الساحة من المثقفين، والباحثين، والغَيارى على أمتهم للأسف الشديد، حتى صار الجاهل يفتي الناس بجهله، وصار أنصاف المثقفين يقدّمون في قنوات الخزي والعار على أنهم باحثون ومحللون، وما هم كذلك، ولكن شبِّه لنا... ألم يكن الرئيس الأمريكي "دوايت أيزنهاور" عسكريا، وهو الذي قاد الحلفاء إلى النصر في الحرب العالمية الثانية؟ ألم يكن "شارل ديغول" رجلا عسكريا، وهو الذي ترأس جيش فرنسا الحرة خلال الحرب الثانية، وكان رئيسا حكيما لفرنسا مرتين؟ ألم يكن الرئيس الأمريكي "جون كيندي" ضابطا في البحرية في الباسيفيك خلال الحرب ضد اليابان؟ ألم يكن الرئيس "جورج بوش" الأب طيارا حربيا حارب ضد اليابانيين؟ ألم يكن "تشرشل" ضابطا ساميا في البحرية الملكية البريطانية، وشارك في الحرب العالمية الأولى، ثم رئيسا للوزراء طيلة الحرب الثانية، فكان خطيبا مفوّها، ودبلوماسيا ناجحا، وأديبا بارعا؟ بل إن خدمتهم في الجيش كانت تثري رصيدهم وتغلّب كفتهم في الانتخابات الرئاسية.. ويمكنني أن أعطي قائمة طويلة لهؤلاء، ولكني ركزتُ فقط على الأسماء المعروفة على الساحة.. فالسيسي خدم الوطن في صفوف الجيش، وأقْسم فيه على الولاء للوطن كجندي قبل أن يقسم كرئيس، ولكن ماذا قدم (الأونطة) "مرسي" الذي جاء من أمريكا ولعابه يسيل من أجل الكرسي؟ هل كان ينتمي لجيش دافع عن أرض الوطن، وحمى وحدة البلاد خلال الفتنة، وقدّم الشهداء، أم كان ينتمي للإخوان الشياطين، أصحاب التاريخ الدموي والإرهابي، قتلة نقراشي باشا، والقاضي أحمد الخازندار، وفرج فودة، وآخر إنجازاتهم فتاوى شيطانية، ثم محاولة بيع مصر لدولة خليجية، لولا اعتراض بعض الوطنيين النبهاء الذين أفشلوا الصفقة، مما جعل المصلين يقاطعون الصلاة في مسجد "الشربتْلي" يوم الجمعة 30 نونبر 2012، احتجاجا على خطيب كان يثني على مرسي الذي حضر إلى المسجد، فهتف الناس ضده وطالبوه بالرحيل..