بقبول المغرب فتح أبواب معاهده ومؤسساته المتخصصة في العلوم الدينية والشرعية في وجه الأشقاء من تونس وليبيا وغينيا كوناكري ،فإنه يعطي المثال الحي على المفهوم الحقيقي لتعاون جنوب جنوب الذي دعا إليه الملك محمد السادس ويعمل على تنفيذه على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات . وليس هذا غريبا على الدولة المغربية التي كانت دوما الملاذ والملجأ لطلبة العلم من الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء، مما جعل المملكة تتحوّل إلى قبلة يقصدها كل من يريد أن يغرف من معين العلوم الدينية على يد علماء وفقهاء لهم الباع الطويل في هذا المجال . لقد كان سلاطين وملوك المغرب دائما على أهبة الاستعداد لتخصيص و تهييء كل الظروف المواتية لاستقبال طلبة العلم الوافدين على البلاد من مختلف الأصقاع للاستفادة من التجربة المغربية المتميزة. وبفضل المغرب تمكن الدين الإسلامي من الانتشار في ربوع إفريقيا .وما يدل على هذا علاقات المغرب الروحية المتجذرة مع مختلف الأوساط العلمية والطرق الصوفية في القارة السمراء . لا يقتصر الأمر فقط على إفريقيا ، بل إن المغرب يستقبل كل سنة أفواجا جديدة من الطلبة المسلمين الوافدين من دول الشرق الأوسط وبلدان القارة الأسيوية ، وهو دليل آخر على انخراط المملكة ، منذ عقود طويلة من الزمن ،في علاقات تعاون وثيقة مع مختلف الدول الإسلامية ، الشيء الذي جعل المغرب ينهج سياسة جديدة تتمثل في توسيع مجالات هذا التعاون . وهنا نستحضر أيضا الاهتمام الكبير والإقبال الكثيف من طرف علماء مسلمين من سائر القارات على الدروس الحسنية التي تلقى أمام أمير المؤمنين الملك محمد السادس بمناسبة شهر رمضان. وهي تجربة فريدة لا مثيل لها في العالم الإسلامي. لقد اكتسب المغرب خبرة وتجربة كبيرة في تدبير الشأن الديني وتوفير الأمن الروحي بشكل ملفت بوّأه مكانة رفيعة على الصعيد العالمي بسبب مواكبة سلاطينه وملوكه ومصداقية علمائه ، وهو ما جعل المملكة تبادر إلى إشراك الأشقاء في الاستفادة من تجربته المتميزة بغرض تكوين الأطر العلمية والدينية في معاهده ومؤسساته . وما استقبله في الشهور الأخيرة لمئات الأئمة من مالي لمتابعة دورات تكوينية لتوسيع مجالات معارفهم في القضايا الشرعية الضرورية لمهمة الإمامة. واليوم تأتي طلبات من دول أخرى شقيقة :من تونس وليبيا وغينيا كوناكري، لقيت كل الترحيب من المغرب وعاهله لتقديم كل ما يمكن لإنجاح مهمة البعثات العلمية الوافدة على بلادنا في ظروف جيدة ومناخ سليم للاستفادة من التجربة المغربية في حقل تدبير الشأن الديني مع البلدان الشقيقة التي تشترك معنا في نفس الرؤية والتوجه بالنسبة للحفاظ والدفاع والعمل على نشر القيم السمحة للدين الإسلامي الذي يقوم على الوسطية والاعتدال والتسامح.