إن قرار المغرب استدعاء سفيره المعتمد بالجزائر للتشاور، جاء لوضع الأمور في نصابها حيث لا يمكن أن تنطلي عليه إلى ما لا نهاية سياسة لعب الجزائر على الحبلين، وهي المتورطة من الرأس حتى أخمص القدمين في خلق نزاع مفتعل حول الصراع، وتعرقل كل أفق لإيجاد تسوية مقبولة لهذا النزاع ، وما تزال متمادية في إدعائها بأنها مجرد طرف معني تهربا ونكوصا لكل التزاماتها باعتبارها في المقام الأول طرفا فاعلا في النزاع . وقد أكدت مجددا ذلك مؤخرا من خلال خرجة رعناء وجائرة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي تعاطى لممارسته المفضلة في القدح والتشهير بالمغرب ببعثه لتجمع إفريقي موال لأطروحته رسالة حارقة يحاكم فيها بشكل جائر المملكة المغربية ويصفها بأبشع الأوصاف كبلد مغتصب. إن الرئيس الجزائري بموقفه المستفز هذا، كشف القناع عن نفسه بشكل جلي ، بما أنه زكى وجاهة الأطروحة التي مافتىء المغرب يصدح بها ألا وهي أن النظام الجزائري لم يتراجع قيد أنملة عن مواقفه الموروثة عن عهد بومدين وظل يعتبر المغرب عدوه اللذوذ الذي يجب القضاء عليه أو على الأقل إضعافه ولو تطلب الأمر اقتطاع جزء من ترابه الوطني لخلق كيان وهمي سيدور بكل تأكيد في فلكه . ولم يجانب البلاغ الصادر مساء اليوم الأربعاء عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الصواب عندما اعتبر أن الرسالة التي وجهها الرئيس الجزائري لاجتماع بأبوجا" تعكس الرغبة المقصودة للجزائر في التصعيد" لإبقاء الوضع عما هو عليه وعرقلة مسار التسوية والدفع بالأمور إلى الأسوأ إلا إذا حصلت على ما تريد. ووفق هذا المنطق الانتحاري، فإن الجزائر لا تكثرت البتة ببقاء آلاف الأشخاص الأبرياء محتجزين في ظروف لا إنسانية محكوم عليهم بالعيش في إملاق وفاقة في مخيمات تندوف تحت سلطة البوليساريو وزبانيته الذين أصبحوا معروفين لدى القاصي والداني بممارساتهم المافيوزية وأعمالهم الإرهابية. إن هاجس السلطات الجزائرية هو ألا يتم الحديث عن أي مساس بحقوق الإنسان في أي مكان، ولو أن ذلك يتم في دوائره السرية ، إلا حينما يريد أن يجعل منها سلاحا غادرا لتوجيه ضربات بطريقة عشوائية لجاره المغربي الذي شهد له الجميع، وفي الطليعة أرقى الهيئات الدولية المختصة، بالأشواط الهامة التي قطعها في هذا المجال. لقد ثبت عدم جدوى الإ ستراتيجية الجزائرية التي حاولت عبثا التوظيف السياسي للقضية النبيلة لحقوق الإنسان، كما أكدت ذلك رسالة الرئيس الجزئري إلى الجماعة الموالية للبولسياريو المجتمعة في أبوجا ، مع أن الجزائر تعلم علم اليقين أنه إذا كان هناك بلد ينبغي ألا يثير ملف حقوق الانسان ضد المغرب فهي الجزائر نفسها ، التي تجر وراءها إرثا ثقيلا في هذا المجال بما أن السلطات الجزائرية ما زالت تحمي المسؤولين عن الفظاعات الرهيبة التي اقترقت خلال مكافحة المجموعات المسلحة في سنوات التسعينيات وحتى السنين الأخيرة . وأمام الموقف العدائي للجزائر اتجاه المملكة ، ليس فحسب في ملف الصحراء، بل أيضا في ما يتعلق بكل المساعي الحميدة لتسوية الملفات المتعددة التي هي محل خلافات ( إغلاق الحدود ، وضعية المقيمين، تدفق الهجرة وغيرها) لا يمكن للمغرب بأي حال من الأحوال، أن يرهن مستقبل المنطقة، وعلاقات الجوار التي تمنى على الدوام أن تكون على أحسن ما يرام، بموقف ظلامي للحكام الجزائريين. وهكذا فإن المملكة تميز تماما بين المخططات الظلامية للمسؤولين الجزائريين والخصال الحميدة للشعب الجزئري الشقيق "المهذب والذكي"، وتثمن عاليا "انشغالاته الفعلية وتطلعاته المشروعة والحقيقية " لمستقبل أكثر إشراقا على الصعيد الداخلي، بعيدا عن كل التشنجات والتوترات في إطار اندماج مغاربي طوعي ومثمر.