تم أمس الخميس بالرباط تقديم ميثاق إصلاح منظومة العدالة، بعد أزيد من سنة على إطلاق الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة إثر تنصيب جلالة الملك لأعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني في 8 ماي 2012. ويتضمن هذا الميثاق الذي تم استعراض مضامينه خلال لقاء حضره رئيس الحكومة عبد الاله بن كيران ووزير العدل والحريات مصطفى الرميد وعدد من أعضاء الحكومة، ستة أهداف استراتيجية كبرى و36 هدفا فرعيا و 200 آلية تنفيذ. وتتمثل أهداف هذا الميثاق في توطيد استقلال السلطة القضائية، وتخليق منظومة العدالة، وتعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات، والارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء، وإنماء القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة، وتحديث الادارة القضائية، وتعزيز حكامتها. وينبثق عن هذه الأهداف الرئيسية 36 هدفا فرعيا، وضعت لتفعيلها 200 آلية تنفيذ، تشمل 353 إجراء تنفيذيا، تم تضمينها في المخطط الإجرائي المرفق بالميثاق والذي يحدد الاجراءات التفصيلية المطلوبة لتطبيق الاليات المقترحة لتنفيذ مختلف أهداف الميثاق. كما يتضمن الميثاق جزء خاصا بتشخيص وضعية العدالة من حيث إشكالياتها، والصعوبات التي تعترض سيرها، والذي على أساسه تمت بلورة الرؤية العامة لإصلاح منظومة العدالة، راسمة التوجهات الكبرى التي يجب أن تحكم هذا الإصلاح. وأكد رئيس الحكومة في كلمة خلال هذا اللقاء الذي حضره أيضا الفاعلون في مجال العدالة ، أن ميثاق إصلاح منظومة العدالة يعد مخطط عمل وخارطة طريق لاصلاح العدالة، معربا عن استعداد الحكومة لتوفير كل الوسائل الضرورية لانجاح هذا الورش. وقال إن عمل الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة مكن من تشخيص واقع العدالة والوقوف على مكامن القوة والضعف ، داعيا إلى تعبئة الجميع وابتكار منهجية تتسم بالتشاور من أجل إنجاح تفعيل الميثاق. وأبرز بن كيران أهمية إصلاح منظومة العدالة سواء بالنسبة للمواطن أو الدولة ، معتبرا أنه لا يمكن تصور تقدم اي بلد دون منظومة قانونية تتوفر فيها عناصر الاستقلالية والتخليق والنزاهة. وأضاف أن تحقيق جودة العدالة يشكل احدى الاليات لتجسيد دولة الحق والقانون، مبرزا أن جلالة الملك مافتئ يولي اهتمامه لاصلاح القضاء فضلا عن مقتضيات الدستور الجديد الذي ارتقى بالقضاء الى سلطة مستقلة. من جانبه، أكد مصطفى الرميد، أن ميثاق إصلاح منظومة العدالة يشكل حصيلة ما توصلت اليه الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة ، وفعاليات مختلفة شاركت في هذا المشروع الوطني الكبير. وأضاف الوزير أن الحوار حول إصلاح منظومة العدالة الذي ساهم الجميع في إنجاز أطواره، وتفعيل مختلف آلياته، كان "مشروعا ناجحا بكل المقاييس، سواء على مستوى منهجيته التشاركية والإدماجية، أو على صعيد ما ميزه من تنظيم محكم، وما استخدم فيه من آليات مبتكرة، جمعت بين آراء المهنيين والممارسين، ومقترحات المهتمين، دون أن تغفل توصيات ذوي الخبرة من داخل الوطن وخارجه". وأشار إلى أن مسار الحوار الوطني تميز بعقد 41 اجتماعا للهيئة العليا، و11 ندوة جهوية غطت الخريطة القضائية للمملكة، والاستشارات الكتابية ل 111 هيئة ومنظمة، و 104 ندوة مواكبة على صعيد المحاكم. وأضاف الرميد "لاشك أن ميثاق إصلاح العدالة، بما تضمنه من تشخيص موضوعي صادق وعميق، وتوصيات مدروسة، واضحة ومضبوطة، سيجعلنا نمضي في التنفيذ مسلحين بمخطط متكامل، واضح الرؤية، كما أراده جلالة الملك حفظه الله". وأشار الوزير الى أنه تم الشروع في ترجمة عدد من توصيات الميثاق، إذ تم إعداد مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والشروع في إعداد المرسوم المتعلق بمراجعة الوضعية المادية للقضاة، "تنفيذا لبنود الميثاق، ووفاء بما تعهدنا والتزمنا به سابقا"، وكذا مشروع القانون التنظيمي الخاص بالنظام الأساسي للقضاة والذي يتوخى إعادة النظر في شروط ولوج مهنة القضاء بما يضمن رفع المستوى العلمي للمرشحين، ووضع الآليات الملائمة لانتقاء الأشخاص المؤهلين علميا وأخلاقيا. ولفت الوزير الى أن تفعيل هذا الميثاق يطرح تحديات، خصوصا في بعده المتعلق بدعم تخليق منظومة العدالة، مبرزا أنه "إذا كان إصدار النصوص القانونية والتنظيمية، وتوفير الوسائل والإمكانيات، من الأمور المادية التي يمكن التحكم فيها وضبط زمن إخراجها إلى حيز الوجود، فإن التحدي الأكبر هو الجانب المرتبط بالتخليق، إذ كما جاء في خطاب جلالة الملك بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة لعيد العرش المجيد " ومهما تكن أهمية هذا الإصلاح، وما عبأنا له من نصوص تنظيمية، وآليات فعالة، فسيظل "الضمير المسؤول" للفاعلين فيه، هو المحك الحقيقي لإصلاحه، بل وقوام نجاح هذا القطاع برمته".