الشعوب تصنع ثوراتها، ضد القهر والظلم وانعدام العدالة الاجتماعية، وفساد الحياة السياسية، وبرغم عدم تشابه ظروف أي ثورة لشعب مع غيرها من الشعوب الأخرى، إلا أن السخرية، من خلال الكلمة أو الرسم، تبقى عنصرا مشتركا أساسيا بين ثورات الربيع العربي التي أطاحت بأنظمة مصر وتونس، وبين "احتجاجات الغضب" التي تجتاح إسبانيا منذ 15 مايو. وعلى غرار ما حدث مع ثورة التحرير في مصر وثورة الياسمين في تونس، كان للسخرية، دور كبير كسلاح فتاك في تحميس روح الشعوب العزلاء لمواصلة الصمود في مواجهة الماكينة العسكرية التي يسيطر عليها النظام، فجرت احتجاجات الغضب في مدريد وغيرها من ساحات كبرى ميادين إسبانيا الطاقات الإبداعية لرسامي الكوميكس للتعبير عن اللحظة الراهنة، لينضموا إلى رفاقهم المعتصمين في "بويرتا ديل سول". يظهر هذا التوجه في اللافتات وكافة لوحات الجرافيك التي استخدمت خلال الاحتجاجات على مدار الأسبوعين الماضيين، والتي عرفت طريقها أيضا إلى شبكة الانترنت، بشكل أكثر انتظاما من خلال مدونات وصفحات إخبارية مخصصة لاحتجاجات 15 مايو. يقول انريكي فلوريس، مدون من مدينة بداخوث، في تصريحات لوكالة (إفي) إن "شاركت في إحدى المظاهرات، في 15 مايو، ثم عدت إلى منزلي القريب من "بوريتا ديل سول"، فوجدت أن الناس قد اعتصموا، كنت لم أفكر في رسم شيء معين بعد، ولكن منذ اليوم التالي، وحتى الآن بدأت أنزل إلى الشارع متسلحا بأوراقي وألواني لتسجيل كل ما أراه". أضرم النار في الفتيل واشتعلت جذوة التعبير لدى الفنانين، كان الأكثر تبكيرا الفنان خابيير رويو، من مدينة ثاراجوثا، الذي أسس مع الفنانين بيبو بيريز وخوانخو سايز صحيفة "النصاب"، لرصد بأسلوب ساخر أسباب الاحتجاجات والتي كان للعنصر الاقتصادي النصيب الأكبر فيها. وقال فلوريس : "كنا بصدد إصدار عدد خاص من المجلة، وتلقينا عروض تعاون من 100 متطوع. كنا نعمل بفلسفة شديدة التحرر، حتى نخرج بإصدار كوميك غير تقليدي، مع الحفاظ على العناصر التقليدية، لهذه النوعية من الإصدارات، مثل النكات الكاريكاتورية ورسوم الجرافيك والتعليقات الساخرة". وأضاف : "نعتزم إصدار عدد آخر يتضمن رسوم كوميكس تعبر عن مطالب حركة الاحتجاجات والذي يمكن متابعة تطوراته حتى الآن على موقف (WWW.ELESTAFADOR.COM)، ويحظى بمشاركة العديد من الفنانين غير المحترفين، الذين يعملون بشكل تطوعي. وقال : "فيما مضى، لم يكن هناك أي تقدير لفنون هؤلاء الشباب، كما سخر البعض واستغل البعض الآخر، أعمالهم، ولكن مع حركة 15-م، أثبتوا أنهم أكثر ذكاءا ووعيا وأن لديهم رغبة حقيقية في التمرد ليس فقط على الذين ينتقدوهم، ولكن على الأوضاع التي أدت إلى خروجهم إلى الشارع". يؤكد العديد من الفنانين الشبان المشاركين في الاحتجاجات أنهم يحاولون بخطوطهم عن مشاكلهم التي باتت تؤرق جيل كامل لا يزال المستقبل قاتم بالنسبة له، بدءا من العجز عن دفع إيجار المسكن وصولا إلى الهوية ذاتها، موضحين أن حركتهم ليست مجرد "عواء أربعة كلاب"، كما وصفتها وسائل إعلام أخرى، ولكن تعبر عن الوضع العام الذي يعيشه الشعب الإسباني. ولا تقتصر الإصدارات على الشبكة العنكبوتية، حيث تعتزم دور نشر خاصة تقديم مطبوعات ورقية بمناسبة مرور أسبوعين على احتجاجات 15 مايو، مقتنعة بقوة تأثير الصورة والتعبير الساخر، في دعم الاحتجاجات والأفكار والمطالب التي تنادي بها. وتشهد ميادين معظم المدن الإسبانية اعتصامات منذ 15 مايو، ينظمها شباب أطلقوا على أنفسهم حركة "الغاضبون" رافعين شعار "ديمقراطية حقيقية الآن"، ومستلهمين ما حدث في ثورتي مصر وتونس من أجل المطالبة بالتغيير السياسي والاجتماعي داخل إسبانيا. ويواصل آلاف المتظاهرين الإسبان اعتصامهم بمختلف ميادين وشوارع إسبانيا منذ ظهور نتائج الانتخابات البلدية والإقليمية الأحد الماضي والتي تعرض فيها الحزب الاشتراكي الحاكم لخسارة كبيرة أمام الحزب الشعبي المعارض. ولم تغير الانتخابات من إصرار الشباب الإسباني على المطالبة بإحداث تغيير سياسي واقتصادي تحت شعار "نريد ديمقراطية حقيقية الآن"، وإيجاد حلول فعالة للأزمة المالية والبطالة التي يعاني منها 20% من الشعب، كما بلغت نسبتها بين من تقل أعمارهم عن 25 عاما نحو 40%. ويعتزم شباب 15 مايو إجراء استطلاع رأي اليوم بين المواطنين في عدد من أحياء المدن الكبرى في إسبانيا، بشأن مواصلة اعتصامهم في ميدان بوريتا ديل سول، مع ظهور آراء مختلفة حول الموضوع، ومن المقرر إعلان الموقف النهائي غدا الاثنين.(إفي)