تحول موضوع المطالبة بالإصلاح الدستوري إلى جدل وتبادل للاتهامات بين حزبين حليفين ومشاركين في الحكومة، هما الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتقدم والاشتراكية، وذلك بسبب تصريحات أدلى بها مسؤولون بارزون في الحزبين. وهو ما اعتبر مؤشرا على حدوث شرخ فيما بين أحزاب « الكتلة الديمقراطية »، وهي الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتقدم والاشتراكية، وهو تحالف حزبي لم يعد فاعلا في المشهد السياسي. وفي هذا السياق نفى نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، توصل الحزب بأي وثيقة من طرف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تتعلق بالإصلاحات الدستورية من أجل المصادقة عليها ورفعها إلى الملك، وذلك ردا على تصريحات عبد الهادي خيرات، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي خلال حوار تلفزيوني، أكد فيها أن الحزب اضطر إلى تقديم مذكرة الإصلاح السياسي والدستوري إلى الملك في 2009 بشكل فردي لأن لا أحد من الأحزاب السياسية المكونة للكتلة الديمقراطية وافق عليها. وأوضح بن عبد الله خلال لقاء صحافي عقد أمس في الرباط، لتقديم مقترحات الحزب حول الإصلاح الدستوري، التي عرضت أول من أمس على اللجنة الاستشارية لتعديل الدستور، « لم نتوصل في أي لحظة بوثيقة من الاتحاد الاشتراكي تهم الإصلاح الدستوري ورفضنا المصادقة عليها، وما قيل مخالف للصواب »، وأضاف : « سعينا منذ سنوات إلى الوصول إلى نتائج متقدمة مع حلفائنا في الكتلة، إلا أننا لم نتمكن من إعطائها نفسا جديدا، ولم نتمكن كذلك من تفعيل دور اليسار. وأشار بن عبد الله إلى أن حزبه بعث برسالة إلى حزب الاتحاد الاشتراكي في سبتمبر (أيلول) الماضي، بخصوص ضرورة المطالبة باستعجال الإصلاح، إلا أن الحزب تجاهل النداء، في حين كان هناك تجاوب من حزب الاستقلال، وزاد قائلا : « كان بالإمكان أن نحافظ على مصداقية أكبر في عملنا لو تم التجاوب مع مطالبنا ». وردا على سؤال حول سبب عدم تقديم أحزاب الكتلة لمذكرة مشتركة للإصلاح الدستوري، قال بن عبد الله إن « الظروف لم تكن مساعدة وكان بودنا أن يتم ذلك ». ووجه حزب الاتحاد الاشتراكي أمس انتقادات لاذعة لبن عبد الله، عبر افتتاحية في صحيفة الحزب، بسبب انتقاده لموقف الحزب من الكتلة، ووصفه تصريحات خيرات بشأن رفض أحزاب الكتلة التوقيع على مذكرة الإصلاح بأنها « كذب وبهتان ». ورد بن عبد الله بدوره على تلك الانتقادات بالقول إنها « كلام ساقط وعيب لا يليق بمستوى الحزبين »، مؤكدا في الوقت ذاته على أن الحزب سيستمر في السعي لإحياء دور الكتلة « لأننا في حاجة إلى الوحدة والالتئام »، على حد قوله. إلى ذلك، قدم بن عبد الله تصورات حزبه بشأن التعديلات الدستورية شملت مختلف المجالات. فبخصوص موقع المؤسسة الملكية في النظام الاجتماعي والسياسي المغربي، قال بن عبد الله إنه يتعين « إبعاد المنطق المحافظ، وكذا منطق المزايدة الذي يروم إضعاف المؤسسة الملكية ومشروعيتها ».واعتبر أن الملكية البرلمانية إفراز تاريخي للنظام الملكي الذي أفضى إلى نظام يسود فيه الملك ولا يحكم، دون أن يعني ذلك أن المؤسسة الملكية هي مجرد رمز يكتفي بالمتابعة من بعيد ولا يتدخل في حركية المؤسسات. وأوضح بن عبد الله أن حزب التقدم والاشتراكية يدعو لصياغة مفهوم مغربي للملكية البرلمانية يؤمّن للمؤسسة الملكية جدلية الاستمرارية التاريخية، و« الجنوح التقدمي »، حسب تعبيره، أي فسح المجال أمام الملكية لتضطلع بدور الحكم والموجه الذي يتوفر على الآليات التي تحفظ له المكانة المرجعية في المجتمع، من جهة، والقدرة على التدخل كأمير للمؤمنين ورئيس للدولة مؤتمن بهاتين الصفتين على حماية الدين والدستور والحقوق والحريات وضامن لاستقلال البلاد ووحدتها الترابية، من جهة أخرى، مشيرا إلى أن السلطة التنفيذية ستكون بيد الوزير الأول (رئيس الوزراء)، والحكومة. وفي غضون ذلك، دعا الحزب إلى اقتباس نموذج متفرد يزاوج بين المكانة التاريخية الأساسية للملك ومستلزمات مؤسسة عصرية هي الوزير الأول، الماسك بالسلطات التنفيذية الفعلية، أي « نمط ملكي برلماني جريء ينهل من شرعية الماضي، وينفتح على طموحات المستقبل ». وقدم الحزب مقترحاته بخصوص التعديلات الدستورية في شكل مبادئ عامة لا على أساس أنها صياغة دستورية، من بينها أن المغرب دولة ديمقراطية موحدة وذات سيادة، يندرج نظامها السياسي في أفق ملكية برلمانية، وتقوم على نظام اللامركزية والجهوية المتقدمة، ومبنية على التضامن، وأن السيادة الوطنية للشعب، يمارسها مباشرة بالاستفتاء، أو بصفة غير مباشرة بواسطة مؤسساته وممثليه المنتخبين.