غداة إعلان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن تأييده للحظر التام لارتداء النقاب في الفضاءات العمومية بفرنسا, تعيش الطبقة السياسية انقساما, أمام عودة جديدة لقضية هامشية كانت أثارت الخلاف قبل الانتخابات الجهوية في مارس الماضي. وطلب الرئيس الفرنسي من الحكومة وضع تشريع حول هذه الظاهرة, التي تهم ألفي مسلمة في فرنسا, بالرغم من التحذير الصادر عن مجلس الدولة نهاية مارس الماضي, حول الطابع القانوني لمثل هذا الحظر. وكان المتحدث باسم الحكومة لوك شاتل قد أعلن أنه تقرر, خلال اجتماع مجلس الوزراء أول أمس الأربعاء, أنه ينبغي طرح مشروع قانون للحظر الشامل "أمام مجلس الوزراء خلال شهر ماي المقبل". ونقل المتحدث عن الرئيس ساركوزي قوله إن "حظر ارتداء النقاب ينبغي أن يكون عاما في كل الفضاءات العمومية لأن كرامة المرأة لا تجزأ", موضحا أنه كان يجب بذل كل الجهود كي "لا يحس أحد أنه متهم بسبب عقيدته أو ممارساته الدينية". وأشاد بقرار الحكومة رئيس مجموعة الاتحاد من أجل حركة شعبية (يمين) في الجمعية الوطنية جون فرانسوا كوبي, الذي وضع مشروع قانون في هذا الاتجاه في دجنبر الماضي, في وقت كانت فيه لجنة تحقيق برلمانية لاتزال تشتغل على هذه المسألة. وأعرب النائب الشيوعي ورئيس اللجنة البرلمانية حول النقاب أندري جوران, المؤيد الكبير للحظر, أيضا عن ارتياحه للقرار الحكومي, معتبرا أن هذا الحظر سيمكن من "حماية وتحرير عدد لا بأس به من النساء". من جانبه, أشار الأمين العام للاتحاد من أجل حركة شعبية كزافيي بيرترون أن حظرا "واضحا وجليا" لارتداء النقاب يعد "أفضل اختيار من أجل كرامة المرأة". ويؤيد ذلك رئيس الوزراء فرانسوا فيون الذي يؤكد "استعداده للمخاطرة القانونية", في إشارة إلى توصيات مجلس الدولة, الذي اعتبر أن الحظر المطلق يطرح إشكاليات قانونية تتعلق باحترام المبادئ الدستورية بالمقابل, يرتفع صوتان من الأغلبية ضد تمرير قسري لهذا القانون. ويدعو بيرنار أكويي وجيرار لارشي, رئيسا الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ, إلى البحث عن أوسع توافق قبل المرور للتصويت كي لا يتم إضعاف النص. وجاءت المواقف الأكثر اعتراضا أساسا من الحزب الاشتراكي الذي أدان "تمريرا قسريا" ل"خطإ كلي". وأكد رئيس الوزراء الاشتراكي الأسبق لوران فابيوس أن حظرا عاما "لايبدو أنه يتماشى مع القانون وهو مهدد بعدم القابلية للتطبيق", رغم كونه "معارضا شديدا للبرقع الذي يتناقض مع مفهوم حقوق الإنسان لدينا". من جانبه, اعتبر النائب الاشتراكي جون كريستوف كامبادليس الحظر "خطأ كليا(...) وقصورا في التقييم", مبرزا أن حظرا عاما "سيؤدي لبقاء النساء المحجبات في بيوتهن وبالتالي حبسهن بشكل مضاعف. كل هذا ينظر إليه بشكل سيء ويأتي تبعا لعملية انتخابية". أما دومينيك دو فيليبان, رئيس الوزراء اليميني السابق الذي أنشأ مؤخرا "حركة سياسية جديدة", فأدان "قانونا قدم للفرجة" و"مزايدة أمنية بالغة الخطورة", موضحا أن القرار الحكومي يهدد بإحداث "أوضاع استفزازية سيصعب علينا مواجهتها". ومن بين جمعيات حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية التي أعلنت عن موقفها في الموضوع, تؤكد (إس أو إس عنصرية) أن القرار "يتعارض مع الدستور والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان". وأبرزت أن "النضال من أجل حقوق النساء غير قابل للفصل عن النضال ضد العنصرية, إلا أن مشروع القانون الحالي لا يتوخى بأي شكل من أشكال هذه الغاية". من جهتها, اعتبرت المنظمة غير الحكومية (هيومان رايتس ووتش) أن "الجميع خاسر" لأن هذا النوع من الحظر "ينتهك حقوق اللواتي اخترن ارتداء البرقع ولا يساعد في شيء اللواتي أجبرن على ذلك".من جهته ذكر مسجد باريس الكبير أن ارتداء الحجاب الكلي "ليس فرضا دينيا بالمعنى القطعي للكلمة", لكنه اعتبر أن التفكير يجب أن يتناول "مجال تطبيق هذا القانون المرتقب عبر إعطاء الأولوية لأجل معقول للتربية".