جلس بجانبي ليفتيني في موضوع الحشيش، وكم كدّ وجدّ واجتهد، حتى يدخلني إلى حلبة الحديث؛ وفعلاً دخلتُ معه حديثه لأخلِّصه من شقائه، ولأرتاح من نار إلحاحه، ثم بدأ يدافع عن أصدقائه، وأشقائه، وأشباهه، من الحشّاشين والغشّاشين، والمدمّرين لهذا الوطن وأبنائه.. أمطرني وابلا من أفكار عديدة، تُردَّد دائما على مسامعنا، ولطالما أقنعتْ عقولاً بليدة، وهي أفكار ليست بالمرة جديدة، حتى وإن اختلفتْ صياغاتها، وطرق طرحها، من طرف هؤلاء البُلهاء الذين يدافعون عن الحشيش والبخشيش وما شاكلهما... قال، بعدما طلب قهوة، وأذاب السكر، وتدبّر، وفكر، ولكافة الأخلاق والقيم تنكّر : لماذا يحملون على أصحاب الحشيش، وأباطرة التهريب، والبلادُ والعباد يعتاشون معهم، والأسر تقتات من خيراتهم، وقد رأيتَ ما وصلت إليه الحال نتيجة ما وصل إليه أصحابنا من ثراء ومال وحسن مآل؛ ها هي الجرائم تكاثرت، والسرقات تناثرت، بعدما حاربْنا هؤلاء »الرجال« الذين كانوا بأموال الحشيش يخدمون مناطق الشمال.. فكانت ردودي تلقائية، وأكثر منطقية ومصداقية، من مبرّرات واهية، وكأن صاحبنا ملأ كوب الحق، بسائل الباطل، حيث نبهته إلى شتى المفاسد، التي تتستّر من وراء حجاب »حسنِ المقاصد« .. فبسبب الحشيش، ومال الحشيش، رأيتَ الأخلاق ساءت، والكرامة بادت، والأنفس ذلت، والأقدام زلت، والأمة انحلّت، والروح الوطنية ولّت، فما اختفت مشكلة اقتصادية، أو اجتماعية أو حُلّت؛ بل تفاقم الوضع، وأصابتنا الحشيش بدائها، ومصائبها، ومالها اللقيط، ثم انسلّت... أي نعم؛ كثرت البنايات وما حُلّت أزمة الإسكان.. فاضت الوديان بالمليارات، وما اختفت البطالة.. التُهمت أراضي الفقراء وما انتعشت الفلاحة.. كثرت المراكب، وما تطورت الملاحة.. كثرت السيارات، وبقيت أزمة النقل.. تضاعفت الأوتيلات، ومع ذلك بارت السياحة.. في المحلات، عُرض الحذاء، والقميص والجلابة، لكن قصُرت أيدي الفقراء، والغلابة.. سُكبت الخمور ويبست الأجور.. فشت ڤيلاّت الدعارة، واشترى الحشاش من الفتاة الفقيرة غشاء البكارة.. وبالجملة، فهذه الأموال أنتجت صنفا غريبا من الرجال، فحاشى لله أن يخدم هذا المال البلاد أو يبني الأجيال، بل تراه أفسد سياسيين، وضباط أمنيين، وبهدل رجال الدين، وعهَّر نساء المسلمين، وشوّه سمعة الوطن في العالمين.. كان الله في عون ضباط سامين، كانوا في أعلا علّيين، وبسبب أموال الحشيش، صاروا أسفل سافلين، إلا الذين... وتعالى الآن، ما مسكين، لنلقي نظرة عابرة على ما حصل لأبنائنا وبناتنا وبعض سلطتنا، وقد غرر بهم المال الحرام، ذاك المال الذي أفسد الديموقراطية، ووأد النزاهة، واغتال المروءة، ونسف الأخلاق، وسوّد الآفاق، وعزز سياسة النفاق، وفي الأسرة أحدث الشقاق، وإلى التهلكة كان المساق.. فأموال الحشّاش مكّنت الغشاش من المقاعد، ووفّرت للحتالة كل أنواع المصاعد، بل حتى الرياضة، صار فيها الحشاش أبرز مساعد، بل صار ورعا، تقيا، يوزّع الأضاحي، ويبني المساجد؛ فكانت مساجدهم خرابا من الهدى، وكأنها بقايا أقدم المعابد.. أموال مرّغت رؤوسنا في الطين، وكان أولادنا لطاحونتها بمثابة طحين، وصارت بلادنا تذكَر بالسوء في وسائل الإعلام كل لحظة وحين، ومُلئت السجون، والمصحات بالبنات والبنين، وتداعت الأخلاق، وتراجع الدين، ودخل الحشاشون السجون، ليفسدوا الباقين، فيما الحل هو ما تعتمده الصين، فيا ليت محاكمنا تحذو حذو محكمة بكين، في تطبيق قوانين الشيوعيين.. إلى ذلكم الحين، سوف يبقى مدمر الوطن مجرد سجين... إلى متى؟ لست أدري.