ليس غريبا أن يوجد أناس يفطرون رمضان بسبب وبدونه. ولا أجادل في كون الإفطار في رمضان من غير سبب حق شخصي. والصيام عبادة والعبادة مشروع فردي طبعا. لكن مع ذلك فالعديد من الطقوس تدخل تاريخيا في سياق ثقافة المجتمع. ولا يوجد مجتمع دون ثقافة. ويدخل ضمن ثقافة المجتمع الأخلاق العامة. وسواء كان المجتمع يدين بدين ما أو لا فلابد أن تكون لديه أخلاق عامة متواضع على احترامها. لماذا الإفطار جهرة في رمضان يدخل ضمن الحريات الفردية ويستثنى خروج العراة إلى الشارع. في الدول المتقدمة والمتخلفة هناك أخلاق عامة وهناك حالات فردية مخالفة. فهل يمكن أن يكون المغرب استثناء من العالم فيسمح بالحرية العلنية للشواذ وحقهم في الإعلان عن أنفسهم والتعريف بذواتهم وكأن غير الشواذ يقومون بذلك؟ لماذا يطلب من المغرب أن يتخلى عن أجزاء من ثقافته مقابل السماح لبضعة أفراد بالإفطار نهارا في رمضان؟ ولماذا لم يختر هؤلاء، الذين أرادوا تنظيم وقفة احتجاجية ضد ما أسموه قانون تحريم الإفطار، المقاهي والمطاعم المفتوحة بشكل عادي؟ لماذا هذا التحدي العلني؟ أذكر جيدا أنني قضيت سنوات مع مجموعات طلابية منا الصائم ومنا المفطر وفي احترام تام لمشاعر الآخر ودون تعد عليها، وكان الهم أكبر من مواطن يصوم وآخر يفطر. فإذا كان الإفطار في رمضان من الأمور المتعارف عليها والمتواطأ بشأنها فلماذا تأسيس حركة نضالية مطالبة بحرية الإفطار؟ وهل انتهى المغاربة من تحقيق أحلامهم فوق الأرض ولم يبق لهم إلا مواجهة السماء؟ وما قيمة الصيام والإفطار في عصر الظلم؟ ما قيمة هذه الحركة التي لم تختر من الحريات الفردية سوى الشذوذ الجنسي وإفطار رمضان؟ وهل انتهينا بالتمام والكمال من الحريات الجماعية؟ ما هو موقع الإفطار في رمضان وسط بحر من القضايا الأساسية والرهانات الصعبة؟ لن نعدم جوابا إذا عرفنا أن العملية تدخل في سياق عام، بدأ ببروباغاندا كاتب شاذ رغم انعدام أي قيمة إبداعية في كتاباته، وبيني وبين مخالفي النقاد ليقولوا بأن نصوصه شاحبة ولا تقدم أي اقتراحات جمالية، بل هي خربشات تافهة عن مؤخرته، في حين أن مواطنا فرنسيا شاذا كان من أعظم فلاسفة القرن الماضي، ميشيل فوكو، ولن ينتهي طبعا بمحاولة الإفطار في رمضان. ولا يمكن أيضا الركون بشكل مطلق لنظرية المؤامرة. ففرق كبير بين دفاع عبد الله العروي عن الحلقة الليبرالية في الفكر العربي وبين ترهات دراري يختزلون الليبرالية في الحشيش والحرية الجنسية. في بريطانيا هناك تقاليد وأعراف. هناك نمط حياة وسلوك. الملكة تلبس بشكل دقيق في المناسبات الرسمية. اللوردات كذلك. الممارسة الجنسية خارج الزواج مباحة لكن إذا ثبتت أركان الدعارة تصل العقوبة إلى عشر سنوات. في فرنسا هناك أخلاق عامة وقيم. هناك نقاش جدي. هل سلوكات السلفيين تهدد أعرافا ناضلوا من أجلها أم لا؟ فلماذا يستكثرون على المغرب ثقافة ونمط حياة وسلوكات معينة؟ رغم ما يمكن أن يقال عن المغرب فإنه حاول ويحاول خلال السنوات الأخيرة بصياغة نمط تتعايش فيه الثقافات والسلوكات دون تنافر، تتعايش فيه السلطة الدينية لإمارة المؤمنين مع الديمقراطية وقيم التنافس، محاورة تيار الأنسنة العالمي دون التخلي عن قيم وثقافة المغرب التي تشكلت على مر الزمان. فهل في هذه الخرجات الشاذة محاولة للقضاء على كل أمل في تجديد الثقافة المغربية؟